18-أبريل-2017

عطاف عليان خلال فعالية تضامنية مع الأسرى - صورة أرشيفية

"بعد زيارتي لمعسكر تدريب مجموعة من الفدائيين في الأردن ولم أكن قد أكملت عامي السابع تحوّل (الفدائي) لحالة عشق بداخلي، حتى وصلت لمرحلة من النضج، تمكنني من الالتحاق بالفدائيّ والعمل معه".

الأسيرة المُحررة اعتقلت 14 سنة على فترات متقطعة، وتقول إنّ نموذج الفدائيّ المقاوم بوصلة حياتها

عطاف عليان التي اعتُقلت لما يزيد عن 14 سنة في سجون الاحتلال على مرّات متقطّعة، تُعتبر رائدة الإضرابات الفردية في السجون، ولا تزال تؤمن بأنّ المسير لن يتوقّف طالما الوطن مُحتلّ.

اقرأ/ي أيضًا:

تقول عطاف لـ"ألترا فلسطين" إنّ عمرها لم يكن قد تجاوز الأعوام السبعة، عندما زارت شقيقتها في الأردن، وكان إلى جوارهم معسكر تدريب للفدائيين، فأخذت تراقبهم من بعيد. الحديث عن الفدائيين وقصصهم أخذ حيّزًا كبيرًا من حديثها، وحكاياها. وتقول إنّ هذه المشاهد أدخلتها في عشق "الفدائيّ" وكل ما يتصل به، وظلّت تتخيّل مشاهد التدريب، وحاولت "العيش بتقشّف"، والنوم على أرض حظيرة الأغنام، لتحاكي ما رأته في المعسكر.

استهوتها قصص الأسرى، وعمليّات المقاومين، وعندما وصلت سنّ (17 عامًا)، سافرت مرّة أخرى إلى الأردن، ومنه إلى لبنان، وهناك التحقت بأحد معسكرات التدريب. حصل كل هذا بعيدًا عن أعين أهلها، الذين كانوا يعتقدون أنّها لا تزال عند ابنتهم في عمّان، بينما الأخيرة تعتقد أنّ "عطاف" عادت للضفة الغربية.

وعلى مدار 12 يومًا، تدرّبت على الرماية واستعمال السلاح والعبوات الناسفة. وتقول إنّها تدرّبت على يد مجموعة الفدائي "باسم سلطان" الملقب بحمدي، وأبو حسن "محمد بحيص" من قادة الكتيبة الطلابية.

عطاف التي تقول عن نفسها إنّها تحمل "الفكر الإسلاميّ المقاوم"، ظلّت على اتصالٍ مع مجموعتها العسكريّة رغم عودتها للضفة الغربية. إلى أن انقطع التواصل عام 1982، عشيّة الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت. تقول إنّ هذه كانت "أصعب الأوقات"، فقد تملّكتها مشاعر "عشق" لكل ما هو "مقاوم"، رغم أنّها لم تكن تعرف أسماء العديد ممّن تدرّبت على أيديهم.

"ظلّ القلق مسيطرًا عليها" كما تقول، وهو ما دفعها للسفر للأردن مرّة أخرى، بحثًا عن مصير مجموعتها. وكان حظّها كبيرًا حينما علمت أن "حمدي" و"أبو حسن" رفضا الخروج لتونس، وفضّلا العودة إلى الأردن لقربها من فلسطين.

من جديد عاد الاتصال بين عطاف ومجموعتها، وأصرّت على تنفيذ عملية استشهادية "تُفرح الفلسطينيين وتغيظ عدوّهم". حاولت المجموعة تأجيل الطلب إلى أنّ يتيّقنوا أنّ مطالب عطاف عن قناعة، وليست ردّة فعل عابرة. وهو ما حصل، فكانت الخطّة أن تستقلّ سيارة مفخخة، لتُفجّر نفسها في مباني حكومة الاحتلال ومركز الشرطة الإسرائيليّ في حيّ الشيخ جراح بالقدس المحتلة.

اقرأ/ي أيضًا: هدده المحققون بزوجته و"قطعوا خلَفه".. ولم يرضخ!

بعد التحضير الكامل للعمليّة، وقبل التنفيذ بأسبوع، اعتقل الاحتلال الشخص المسؤول عن تجهيز السيارة، وبعد أيام جرى اعتقال عطاف، وكان ذلك في شهر آب/أغسطس 1988.

كانت مرحلة التحقيق صفحة جديدة في حياة عطاف. ولأكثر من 40 يومًا ظلّت مُصرّة على عدم الاعتراف.

تقول إنّ المُحققين كانوا يستغلّون أنّها "متديّنة وملتزمة بالحجاب"، وفي إحدى المرّات حاول أحدهم خلع حجابها، فأعلنت الإضراب عن الطعام والكلام. ولم تُفلح محاولات المحققين لفكّ إضرابها على مدار 12 يومًا، إلّا بعد أن تعهّدوا بعدم المساس بحجابها مرة أخرى.

بينما كانت عطاف عليان تصارع المحققين في مكاتب التحقيق، كان الاحتلال يعتقل أشقاءها

حكمة محكمة إسرائيليّة على عطاف بالسجن خمس سنوات، رغم عدم اعترافها، ولم تمض سنة على الحُكم حتى أُضيف إليه عشر سنوات بعد اتهامها بمحاولة خنق إحدى السجّانات بالاشتراك مع إحدى الأسيرات.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | تفاصيل ظلّت مخفيّة عن عمليّة "سافوي"

على إثر الحادثة، وُضعت عطاف على "القائمة السوداء" وكانت تتعرض لمعاملة قاسية في أي سجن تنتقل إليه، ما جعلها تُعلن الإضراب عن الطعام مرّة أخرى، لإعادتها إلى سجن الرملة الذي رفض في البداية استقبالها بحجّة أنّها "سجينة خطيرة".

بالرغم من حجم الضرب والقمع الذي تعرضت له، إلا أن الحادثة جاءت لمصلحة الأسيرات، فالأسيرات الجنائيات رفضن وجودها في القسم؛ مما جعل إدارة السجن تفصل بين القسمين الجنائي و الأمني، في خطوة طالبت فيها الأسيرات منذ سنوات.

لم تستمر فترة اعتقال عطاف بسهولة، فكان عزلها لأربع سنواتٍ متواصلةٍ بحجة خطورتها، تقول إنها "التهمت كل كتب المكتبة" خلال هذه الفترة، قبل أن تقرر خوض معركةٍ جديدةٍ للتحرر منه.

أضربت عطاف (34 يومًا) متواصلة، خلال ذلك حاولت إدارة السجون الضغط عليها بكافة الوسائل ولكن دون جدوى، حتى أذعنت الإدارة لمطالبها وعادت إلى الأقسام، لتنخرط في أقل من أسبوعٍ بإضراب الحركة الأسيرة في عام 1992.

وفي العام 1997 أفرج عن عطاف مع كل الأسيرات، ولكن بعد أربعة أشهرٍ فقط أُعيد اعتقالها من جديد وزجت في أقبية التحقيق بالرغم من تحويلها للاعتقال الإداري. وبعد ثلاثة أيامٍ أعلنت الإضراب من جديد، وخاصة أنها كانت تقود فعالياتٍ ضد الاعتقال الإداري، فكان إضرابها رفضًا عمليًا لهذا النوع من الاعتقال.

تجربة الإضراب الثالثة كانت مختلفة وخاصة مع حجم الضغوط عليها من داخل السجون وخارجها، تقول:  "كان شعاري واضحًا أنني سأخرج من السجن ولن أقبل بأي مفاوضات، وبالمقابل كان الجميع يحاول الضغط علي المسؤولين الفلسطينيين والأهل وحتى أنهم أحضروا خطيبي السابق، أتذكر في حينها أنني قلت له: أي إنسان سيؤثر علي بإضرابي ستبقى وصمة عار طوال حياتي، وسيتحول حبي له لكره ولا أريد أن تكون أنت".

رفضت عطاف كل مفاوضات عدم التجديد مقابل وقف الإضراب، إلا بعد اتفاقٍ مكتوبٍ وبحضور وزير الأسرى في السلطة الفلسطينية، على أن يتم علاجها في عيادة السجن ثم الإفراج عنها، وحينما تأخر الإفراج لثلاثة أيامٍ فقط أعلنت من جديد الإضراب وانتزعت حريتها.

اعتقلت عطاف من جديد في عام 2003 على خلفية عملها الدائم في جمعية النقاء الخيرية التي افتتحت مركزًا جراحيًا للعناية بجرحى انتفاضة الأقصى. تقول: "كانت فترة التحقيق بسيطة للغاية، إلا أنهم أبقوني في معتقل عتصيون فأعلنت الإضراب من جديد، وبعد ثلاثة أيام نقلت لسجن الرملة وحكمت تسعه أشهر".

خرجت عطاف من السجن وتزوجت من الأسير السابق الأديب وليد الهودلي، ورزقت بابنتها عائشة. لكن قبل أن تُكمل الطفلة عامها الأول تم اعتقال أمها من جديد. تقول عطاف: "هنا أصبح للاعتقال طعم المر الحقيقي بعيدًا عن ابنتي".

أضربت عطاف عليان عن الطعام للمطالبة بضم رضيعتها عائشة إليها في المعتقل، تقول إنها منذ أصبحت أمًا ذاقت الطعم المر للاعتقال

كان أهل عليان وأهل زوجها ممنوعين من الزيارة، ومن الصعب أن ترى طفلتها من خلف الزجاج، فكان مطلبها الأول أن تحتضنها خلال الزيارة، فكان الرفض القاصي من الإدارة، ومن هنا بدأت بالتفكير بسقفٍ أعلى لمطلبها استنادًا لمعرفتها بالقوانين الدولية ومواثيق جنيف عن حق الأسيرة بضم أبنائها تحت سن العامين، فأعلنت الإضراب، ولما كان السجان يعرف ماهية إضراباتها وصلابتها، كان التفاوض معها فورًا ثم السماح لها بضم ابنتها إليها داخل المعتقل بعد أيامٍ من الإضراب.

وتضيف عطاف، "بوجود عائشة عادت إلي روحي، لم أعد أرى أسلاك السجن وسياجه، حررتني من سجني".

عام قضته عائشة مع والدتها التي تقول إنها كانت فرصة مذهلة لها للتعرف على عالمها، وحتى بعد أن انفصلت عنها، وبقيت خلفها لعامٍ ونصفٍ، كانت مطمئنه أنها منحتها من الحب والاهتمام ما يكفي لتعويض القليل من غيابها القسري عنها.

وحتى الآن، لا تزال عطاف عليان تعيش تجربة السجن باعتقال زوجها منذ عام، تقول إن أبنتها التي عانت من سجن والدتها ووالدها لا تزال أيضًا تعاني من آثار هذا السجن عليها.

اقرأ/ي أيضًا:

السفّاحون: هكذا نفذّنا مجزرة دير ياسين

كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

الوداع الأخير: شهداء يحبسون دموعهم