الترا فلسطين | فريق التحرير
"إن كنت تدعم الفلسطينيين، فإن محاولة دمجك في المجتمع الألماني قد فشلت"، هذا ما قاله رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية هندريك فوست في لقاء مع الإعلام في بداية الحرب على غزة، وجدد خطابه عدة مرات مهاجمًا المتظاهرين الداعمين للقضية الفلسطينية.
هذا التصريح وغيره، جزءًا من محاولة الدمج بين دعم الفلسطينيين ومعاداة السامية في المشهد السياسي الألماني، وتنذر التصريحات المتزايدة للمسؤولين بمحاولة الدفع بالعنصرية تجاه المسلمين في ألمانيا، وتحويل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية إلى قضية تثير القلق والخوف داخل المجتمع الأوروبي من المهاجرين المسلمين، خاصة مع ظهور مصطلحي، "معاداة السامية الإسلامية"، و"معاداة السامية المستوردة".
مكتب المدعي العام في ولاية بافاريا أقر قرارًا لمعاقبة استخدام هتاف "من النهر إلى البحر"، مثل استخدام الصليب المعقوف أو الرموز النازية الأخرى في ألمانيا.
المصطلحان أصبحا شعارين معتمدين لدى السياسيين والشرطة ووسائل الإعلام الألمانية، ووسيلة تبرير متكررة لقمع الفلسطينيين، بما في ذلك الترحيل، كما ذكر موقع يونغ فيلت الألماني، من بينها تصريح عمدة مدينة إيسن توماس كوفين من الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU)، "الإسلاميون والمناهضون للديمقراطية والكارهون لليهود يسيرون عبر إيسن، التي يحميها الدستور الألماني".
وفي التاسع من نوفمبر، الثلاثاء الماضي، وخلال ذكرى إحياء الجرائم النازية ومذابح نوفمبر 1935، سيطر خطاب إدانة حركة حماس والمناهضين لـ"إسرائيل" على الساحة، إذ قال المستشار الألماني أولاف شولتس إنه "لا يهم ما إذا كانت معاداة السامية ذات دوافع سياسية أو دينية، سواء كانت تأتي من اليسار أو من اليمين، سواء كانت تتنكر في شكل فن أو كخطاب علمي، سواء نمت هنا لعدة قرون أو ما إذا كانت قد دخلت البلاد من الخارج"، في إشارة واضحة إلى محاولة الدمج الألمانية بين معاداة السامية ومناهضة "إسرائيل"، وتحميل مسؤولية الجرائم ضد اليهود للمهاجرين من المسلمين والفلسطينيين، وتعزيز فكرة "معاداة السامية المستوردة"، و"معاداة السامية الإسلامية".
كما حاول مفوض الحكومة الاتحادية لمعاداة السامية، فيليكس كلاين، التحريض ضد المسلمين ودعا إلى إيلاء اهتمام أكبر لمعاداة السامية بين المجموعات السكانية العربية والتركية، قائلًا: "يمكن تبرير مطالب الترحيل الجماعي بالرغبة في حماية اليهود من معاداة السامية الإسلامية".
هذا الخطاب hلعنصري تجاه المسلمين، ليس بجديد، إذ قالت الصحفية والكاتبة الألمانية من أصول تركية كنعان توبكو، في لقاء إذاعي عام 2018، إن كونك مسلم، فإن هذا كافي لاعتبارك "كاره محتمل لليهود"، وأضافت أن هذا هو جوهر النقاش الحالي في ألمانيا، باعتبار"المسلمين معادين للسامية بطبيعتهم"، وذكرت أن أي شخص يعتقد أن نسبة معاداة السامية أعلى بكثير بين المسلمين يمرر المسؤولية إلى هذه المجموعة، "وبالتالي يقمع معاداة السامية في صفوفهم ويبرئ أنفسهم".
وذلك عدا عن قيام الشرطة الألمانية بمنع المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية في عدة مدن، وملاحقة المشاركين، ووصمهم بتهمة "دعم الإرهاب"، إذ نقل موقع إذاعة NDR عن أحد المتظاهرين في مدينة هامبورغ، أن المجتمع المؤيد للفلسطينيين هو حاليًا موضع شك عام، فيما استعرض الشاب صورة له وهو يحمل العلم الفلسطيني، استخدمت في مقال مع تسمية توضيحية تقول "أنصار حماس"، بينما ذكرت متظاهرة أخرى أن المنع له "خلفيات عنصرية، ضد المسلمين وضد الفلسطينيين”.
اللغة الإعلامية المنحازة للاحتلال
تشارك الإعلام الألماني في توجه منحاز لـ"إسرائيل" في لغته الإعلامية، وفيما كانت بعض وسائل الإعلام واضحة بهذا الانحياز، فإن بعضها، لم يكن مباشرًا، ولكنها وضعت "السم في العسل"، ولقد رصد موقع "الترا فلسطين" جزءًا منها.
تعمد موقع إذاعة NDR، رغم أنه أورد أصواتًا فلسطينية، سؤال إحدى المتظاهرات عمّا إن كانت تعترف بحق "إسرائيل" بالوجود، وحينما لم تجب عن هذا السؤال، آثر الموقع على تخصيص جزئية كاملة معنونة بهذا الخصوص.
أما الموقع الإخباري الألماني WDR، فقد أورد جملة: "انتشار معاداة السامية بين أكثر من خمسة ملايين مسلم في ألمانيا"، دون إدراج أي دليل حول هذا الادعاء، وذلك في تقرير عنون بـ"معاداة السامية بين المسلمين: ما حجم المشكلة في ألمانيا؟"، وذكر، نقلًا عن دراسة، أن "معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل أكثر انتشارًا بين الأشخاص ذوي الخلفية المهاجرة والمسلمين منها بين الأشخاص الذين ليس لديهم خلفية هجرة".
فيما أورد موقع تاغز شبيغل تقريرًا يتحدث فيه عن "من هم الفلسطينيين؟"، وعمد فيه إلى نزع الهوية الفلسطينية عن أصحابها، منذ مستهل التقرير بـ"لم تكن هناك قط دولة فلسطينية مستقلة. إن مسألة متى تطورت القومية الفلسطينية هي مسألة مثيرة للجدل إلى حد كبير وسياسية للغاية". كذلك أدرج مقالًا كاملًا يتساءل فيها عن "كيفية معاقبة دعم حماس قانونيًا؟"، ووصف المظاهرات في دعم القضية الفلسطينية بـ"مظاهرات عامة للتعاطف مع الإرهابيين في ألمانيا".
وفي صحيفة "فرانكوفرتر روند شاو"،أوردت جمل مثل "إسرائيل قاتلة أطفال" تحت خانة معاداة للسامية، كما نقلت عن خبيرة ألمانية في القانون الدولي قولها، إن "إسرائيل" لم ترتكب جريمة إبادة جماعية، لأن لها "الحق في الدفاع عن نفسها"، ووصمت الهتافات المؤيدة للفلسطينيين مثل، "فلسطين حرة" و"من النهر إلى البحر"، بمعاداة السامية، وكان مكتب المدعي العام في ولاية بافاريا أقر قرارًا لمعاقبة استخدام هتاف "من النهر إلى البحر"، مثل استخدام الصليب المعقوف أو الرموز النازية الأخرى في ألمانيا، بموجب المادة "86أ من القانون الجنائي"، والذي قد يصل حتى عقوبة السجن لثلاث سنوات.
ولم تتوانى وسائل الإعلام الألمانية بخطابها في محاولة لـ"شيطنة" حماس، ونقل الأخبار المزورة وغير الصحيحة، وتكرارها دون رقابة، على سبيل المثال، كتبت صحيفة تاغز شبيغل، "صور تثبت فظائع حماس ضد الأطفال. وفي إحدى الهجمات، قيل إن ما يصل إلى 40 رضيعا قد قتلوا"، و"حماس تستهدف على ما يبدو الأطفال في كيبوتس كفار عزة"، وذلك في محاولة لتناقل الاتهام ضد المقاومة بقتل أربعين طفلًا، الذي أثبت لاحقًا عدم صحته، فيما كتبت ZDF، "يتحدث شهود عيان عن مذبحة. تم تفجير البوابات والمنازل، وقتل الأطفال"، ولا تزال هذه المقالات منشورة حتى لحظة كتابة هذا التقرير، رغم ما تحتويه من معلومات ثبت عدم صحتها.