في كتابه "من حكايات أيام زمان" الذي أصدره عام 1997، يروي الحكواتي عبد الحكيم سمارة، أنه قبل 30 عامًا لما كان يسمع "يا أبو العيد وإبعيد .. ونقطع راس أبو إسعيد" يخرج مسرعًا رفقة أصدقائه للبحث عن مصدر الصوت الذي يملأ قريته جيت المثلث.
كان هذا النشيد الشعبي - يضيف في كتابه - يُعتبر إعلانًا عن قدوم مسيرة العيد، فالفتيات كن ينظمن مثل هذه المسيرات، يلبسن أحلى الملابس ويتجملن بالودع والحلي، وكن يقدن من هم أصغر منهن سنًا، فترى امتدادًا بشريًا من أطفال وبنات القرية، في المسيرة التي تنتهي عند مقام "الشيخ عبد الله"، حيث كانت حاجة تدعى بديعة القعدان تشعل القناديل في ليالي العيد وأيام الخميس من كل أسبوع عند المقام.
كانت فتيات الريف الفلسطيني في بدايات القرن العشرين يُنظمن مسيرة العيد، بعد أن يلبسن أحلى الملابس، ويتجملن بالحلي، ويُنشدن "نشيد العيد"
ويضيف سمارة، عندما كنا نصل إلى المقام، كانت تردد الأناشيد والتراتيل حيث تصل النساء للدعاء لشيخ المقام، بأن يأخذ بيدهن ويسترهن مع "ابن الحلال" بقولهن: يا سيدي الشيخ جيتك وأنا زايرة .. كل البنات تزوجن وأنا بايرة.
كان النشيد الشعبي للأطفال في يوم العيد:
يا مفطر بعد العيد * حني اسعد وسعيد
حني عليه الألماني * خلي اسنانه قدامي
بكرة العيد وبنعيد * بنذبح بقرة السيد
والسيد ماله بقرة * بنذبح بنته هالشقرة
والشقرا ما فيها دم * غير نذبح بنت العم
بكره العيد يا مسعود * دارت الميه في العود
يا سعيد ويا سعيد * اليوم الوقفة وبكره العيد
بكره العيد من حقه * بنقطع راسك يا سقا
بكره العيد والثاني * بنقطع راس أبو هاني
بكره العيد والثالث * بنقطع راس أبو عايد
وبعد العادات الروتينية من زيارة الأقارب وتقديم الأضاحي، وزيارة البيوت التي لم يتمكن أصحابها من مشاركة الناس عيدهم لفقدانهم أحد الأعزاء، يبدأ العيد بجماله الطفولي، فيجتمع أولاد الحارة الواحدة انتظارًا لقدوم المسيرة التي تجوب القرية، لينضموا إليها مشاركين فرحة العيد.
اقرأ/ي أيضًا: صور | عن "الناس الطيبة" في فلسطين قبل النكبة
مسيرة الأطفال التي كانت تجوب القرى، تخرج فيها النساء من بيوتهن وينثرن الأرز والملح فوقها، وكانت منهن من يبعثرن النقود على الأطفال الذي يهجمون على الأرض لالتقاط النقود، فيما تقوم الفتيات بإبعادهم من أجل إكمال المَسير.
إحدى العادات القديمة التي اندثرت، وفق سمارة، أن الأطفال كانوا يخرجون قبل فجر يوم العيد إلى المقبرة، وتشترط عليهم النسوة أن يقرأوا آيات من القران الكريم عن روح الفقيد من أجل الفوز بالحصول على بعض النقود، لكن بعض الأولاد الأشقياء يقومون ببعض الحركات البهلوانية للحصول بأسرع ما يمكن على الصدقات، ليتمكنوا من زيارة أكبر عدد ممكن من القبور، ويتنقلون بين القبور حتى يعلن شيخ المسجد بالتكبير صلاة الفجر، فيأخذ الناس طريقهم إلى البيوت ليستعدوا للعيد.
يروي الحكواتي سمارة لـ الترا فلسطين الطقوس التي كانت تسبق موسم الحج، حيث كان في كل ليلة يتجمع الأقارب ويشعلون القناديل والمشاعل، وتردد النساء الأغاني التي في أغلبها تكون حزينة، لأن المسافر إلى الديار الحجازية - آنذاك - تكون فرص عودته قليلة، بسبب الأمراض أو التعب، أو النهب، وعوامل طبيعية أخرى.
وكان المسير إلى الحج يستمر ستة أشهر، ولذلك كان أهالي القرية حريصون على زيارة الحاج لمدة شهر قبل سفره، فيما هو يزرور كافة منازل القرية ليودع الأهالي، ويأخذ منهم رسائل تحتوي على أدعية وأمنيات بالفرج عند قبر النبي محمد.
كان أبناء الريف الفلسطيني يزورون الحاج مدة شهر كامل قبل سفره
يعتمد الحاج في تلك الفترة في مأكله، على مجففات التين والبندورة، والمعلبات، والزيت والزعتر، وسلق البيض، ويحملون معهم الكثير من الملابس، ويوزعون منها للمحتاجين حول الكعبة المشرفة.
اقرأ/ي أيضًا: صور | كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟
وكانت القرية تودع حاجًا واحدًا أو اثنين في كل موسم، ووسيلة نقلهما هي الخيول والجمال والبغار والحمير، أما الأغنياء فكان كل منهم يصطحب معه جملاً أو جملين لنقل متاعه.
كان الحجاج في مناطق طولكرم يجتمعون في وسط المدينة، وينتقلون إلى نابلس ليلتقوا بالحجاج هناك، ثم يسيرون بقوافل ضخمة مع حجاج القدس والخليل ورام الله، فيسلكون طريق معان والكرك شرق الأردن، وكانوا حينها يعتمدون على طريقين هما طريق البتراء، ومدائن صالح، يرافقهم أدلاء للطريق وحراسة تركية.
وعلى الطريق إلى الديار الحجازية يستقر الحجاج في مناطق للراحة، واللافت أن في كل منطقة قبورٌ لحجاج توفوا في الطريق، وكانت لحجاج من جميع الأقطار.
في مناطق الراحة على الطريق إلى الديار الحجازية، ستجد قبورًا لحجاج وافتهم المنية في الطريق
حجاج الشام كان يلتقون مع حجاج مصر في مدائن صالح، حيث كان المصريون يحملون القماش الذي يزين الكعبة المشرفة، ثم يتابعون في موكب بهيج حتى يصلوا الديار الحجازية.
ويكون موعد وصول الحجاج عادة بعد ثلاثة أشهر من عيد الأضحى، فينتظرهم الناس في هذا الموعد، ويستقبلهم الأقارب في مراكز المدن، وهناك من بقي أسبوعين في وسط المدينة منتظرًا قريبه.
وتُرافقُ وصولَ قوافلِ الحجاج أجواءُ بهجة وغناء، إذ كانوا يشعلون المشاعل، ويشيدون البيوت بالشيد والنيلة، ويزينونها بورق النخيل، ويحضرون التمر والذبائح.
الحاج الشاب كان محظوظًا، لأنه يعيش بقية حياته سعيدًا بعد أن يأخذ لقب الحاج، حتى أن بعض العائلات في الوقت الراهن يطلق عليها لقب دار الحج، وسميت العديد من العائلات بهذا الاسم.
اقرأ/ي أيضًا: