30-أبريل-2017

صورة تعبيرية – عدسة عز الزعنون (Getty)

تنتظر "أميرة" ابنة الـ20 عامًا مولودها الخامس، كثمرةٍ لزواجٍ بدأ بمخالفة قانونية، عندما كانت طفلة لم تُكمل بعد عامها الـ14، إذ تم تزويجها دون توثيق عقد الزواج في المحكمة، لأن سنها أصغر من السن القانوني للزواج.

كانت "أميرة" التي تسكن حي الشجاعية في غزة طالبة في المرحلة الإعدادية، عندما قرر والدها بعد عودتها من المدرسة تزويجها لابن عمتها الذي يكبرها بـ15 عامًا.

تقول "أميرة" لـ"ألترا فلسطين"، إنها لم تفهم ما قيل لها حينها عن أن زواج الفتاة "ستر لها وحفاظٌ عليها"، وأن العريس قريبها "وسيضمن الحفاظ عليها واحترامها"، وأصرت على رفض الزواج لمتابعة دراستها وتحقيق حلمها بأن تكون ممرضة، لكن توسلها وبكاءها لم يكونا كافيين لإلغاء الزواج.

محامون في غزة يزوجون قاصراتٍ بعيدًا عن المحاكم، مقابل مبالغ تعادل ثلاثة أضعاف الرسوم القانونية للزواج

تولى مكتب محاماة إتمام عقد الزواج مقابل 200 دينارٍ أردني، رغم أن رسوم إجراء الزواج في المحكمة تقل عن 60 دينارًا، واشترط المحامي حضور والدي العروسين والتأكد من صحة النسب.

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. الحبل السُري يلُف "مجهولي النسب" بالمجهول

وقبل أن تبلغ 15 عامًا، أصبحت "أميرة" أمًا، لكن ذلك لم يمر كما يحدث مع بقية النساء، فالمستشفيات الحكومية رفضت استقبالها في أقسام التوليد، لعدم امتلاكها عقد زواجٍ رسميٍ من المحكمة الشرعية، ما اضطرها لإنجاب طفلتها الأولى على يد قابلةٍ في منزلها.

وتبين "أميرة" أن المعاناة تواصلت عند محاولة إصدار شهادة ميلادٍ لطفلتها، وكذلك عند حاجة الطفلة إلى التطعيم، خاصة في ظل غياب زوج "أميرة" الذي كان قد غادر قطاع غزة وأُغلق بعد سفره معبر رفح.

وتضيف، أنها انتظرت عودة زوجها للبدء في إجراءات تسجيل طفلتها، وكانت أول الخطوات رفع قضيةٍ على زوجها من قبل النيابة العامة، أدت لإصدار أحكامٍ بالسجن على جميع من شاركوا في إتمام العقد، انتهت بتخفيف الأحكام إلى غرامات مالية، فيما امتدت إجراءات توثيق عقد الزواج وإصدار شهادة ميلادٍ للطفلة لعامين.     

وينص القانون على أن يكون سن "المخطوبة" عند عقد الزواج 17 عامًا، وأن يكون سن "الخاطب" 18 عامًا، وهذا هو المتعارف عليه في محاكم قطاع غزة.

لكن استثناءً ورد في القانون الفلسطيني، يجيز تزويج الفتاة قبل أن تبلغ السن القانوني للزواج، في حال تعرضها لاعتداءٍ جنسي، ورأى القاضي أن جسمها يسمح لها بالزواج.

وتوضح المحامية في مركز شؤون المرأة سهير البابا، أن هناك حالات زواجٍ أُتمت خارج إطار المحاكم، وكانت "مغمسة بالمخاطر"، خاصة في حال موت الزوج، إذ لم يكن للزوجة أي حقٍ في الميراث، أو مؤخر الصداق، أو حتى إثبات نسب الأطفال.

وترى الأخصائية الاجتماعية سها حماد، أن الفتيات هن المتضرر الأكبر من عدم تثبيت عقود الزواج، إذ سُجّلت حالاتٌ حُرمت فيها المطلقات من حقهن في النفقة، هذا إضافة لتضرر الأطفال بسبب ضياع النسب، نتيجة لعدم توثيق الزواج.

اقرأ/ي أيضًا: غزة: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

"رائدة" إحدى هذه الحالات، تحدثنا عن تعرضها للضرب والإهانة من زوجها الذي كان والدها قد وافق على تزويجها منه عند محامٍ دون تثبيت عقد الزواج لدى المحكمة الشرعية، رغم أنها كانت قد بلغت السن القانوني، لكن ذريعة اللجوء للمحامي هنا كانت الزعم أن هذه "المحاكم وضعية ولا يجوز شرعًا التعامل معها"، حسب اعتقاد والدها وزوجها.

تقول "رائدة" لـ"ألترا فلسطين"، إنها طلبت الطلاق بعد أشهرٍ فقط من زواجها، لكن زوجها رفض الفكرة مطلقًا، ما أدخلها ووالدها ماراثونًا في محاكم غزة لإثبات صحة زواجها أولاً، حتى تكون بعد ذلك قادرةً على المطالبة بالطلاق.

ولا تزال "رائدة" عالقةً في المحاكم منذ سنتين حتى هذه اللحظة، فلا هي متزوجة ولا عزباء، ولا يبدو الطلاق سهل المنال بالنسبة لها.

زيجات لا تُسجّل في المحاكم: سنُّ الزوجة أقل من القانوني. وحين يتم الزواج خارج فلسطين، أو الادّعاء بأنّ تسجيل العقد في المحاكم مخالف للشريعة

رئيس محكمة الاستئناف الشرعية في مدينة غزة عمر نوفل أوضح لـ"ألترا فلسطين"، أن هناك ثلاث فئاتٍ لا تسجل زواجها في المحاكم الشرعية، أولها أشخاصٌ يتزوجون خارج فلسطين ولا يوثقون زواجهم بشكلٍ رسميٍ لعدم امتلاكهم الإقامة.

وكشف نوفل عن قضية عالقةٍ في محاكم غزة حاليًا، لرجلٍ من قطاع غزة تزوج بفتاة صغيرةٍ في السن في العريش المصرية، واكتفى بتسجيل عقد الزواج لدى محامٍ، ثم توفي بعد عودته لقطاع غزة، تاركًا لأرملته طفلة عمرها 10 سنواتٍ، كانت قد أنجبتها لدى قابلةٍ في المنزل، ولم تدخل حتى اللحظة المدرسة، ولن تجد من يعالجها لو مرضت، لعدم امتلاكها أي إثبات شخصية.

وبين، أن أبناء المتوفى من زواجه الأول رفعوا دعوى لدى القضاء لإثبات نسب شقيقتهم، ومنحها حقوقها، وما زالت القضية عالقة منذ عدة شهورٍ في المحاكم.

فئتان أُخريتان تمتنعان عن توثيق الزواج في المحاكم، حسب نوفل، إحداهما تدعي أن تسجيل عقد الزواج في المحاكم مخالفٌ للشريعة، والثانية يكون سن الزوجة فيها أقل من السن القانوني.

الامتناع عن توثيق الزواج في المحاكم الشرعية، يؤدي لضياع نسب الأطفال وحرمانهم من التعليم والعلاج

وبين نوفل، أن عقد الزواج خارج المحاكم، وإن كان بمعرفة الأهل، "ليس إلا عقدًا عرفيًا غير صحيحٍ وفاسدٍ، فالمصالح والحقوق جميعها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعقد الذي سجل في المحكمة، من ولاداتٍ وحقوقٍ زوجيةٍ وحقوقٍ ماليةٍ".

وأضاف، "إذا سقط العقد من المحكمة سقطت كل المصالح والحقوق، وبذلك يصبح تسجيل العقود واجبًا شرعيًا، وما خرج خلاف ذلك يكون مخالفًا للشرع والقانون".

وأشار نوفل إلى أن القانون الفلسطيني يعاقب الزوجين وأولياء الأمور والمحامي والشهود، في قضايا الزواج خارج المحاكم، إذ يُحال المحامي للنيابة العامة، ويُمنع من مزاولة عمله مع إيقاع عقوبة السجن بحقه لستة أشهر، إضافة لتغريم الزوجات، وسجن الرجال المتورطين في القضية لمدة تصل لستة أشهر.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | نانا تكسر ذكورية عزف الإيقاع في غزة

الدنيا ربيع والجو بديع.. مصرية في جنين

جرائم الدهس.. ذنوب مغفورة للمستوطنين!