أخرجت الانتخابات المحلية والنقابية الأخيرة الخلاف الداخلي في حركة فتح مرة أخرى إلى العلن، وبدا واضحًا في تقدم شخصيات معروفة فتحاويًا لقوائم سجلت نفسها كقوائم مستقلة، ثم تفوقها في هذه الانتخابات على حركة فتح التي بذلت قيادتها جهودًا لثني هذه الشخصيات عن قرارها.
يقول نقيب الأطباء شوقي صبحة، إن مشكلته ليست مع حركة فتح كتنظيم بل مع بعض الأشخاص المتنفذين داخل الحركة، مبينًا أن بعض الأشخاص هم من باتوا يتحكمون بسياسة التنظيم
أبرز الأمثلة، كانت انتخابات نقابة الأطباء التي حققت القوائم المستقلة فيها 15 مقعدًا من أصل 17 مقعدًا في المجلس المركزي، وفاز مرشح هذه القوائم (الفتحاوي المفصول شوقي صبحة) برئاسة النقابة لدورة ثانية بالتزكية. وتكرر ذلك في انتخابات بلدية الخليل، عندما فازت قائمة "الوفاء للخليل" المستقلة برئاسة الفتحاوي المفصول تيسير أبو سنينة على قائمة فتح.
في إجابته على أسئلة الترا فلسطين، يقول نقيب الأطباء شوقي صبحة، إن مشكلته ليست مع حركة فتح كتنظيم بل مع بعض الأشخاص المتنفذين داخل الحركة، مبينًا أن بعض الأشخاص هم من باتوا يتحكمون بسياسة التنظيم.
وأضاف صبحة، أن فلسفته تقوم على خوض الانتخابات بشكل مستقل، وأن العمل النقابي يجب أن يكون بعيدًا عن الأحزاب السياسية، لأن العمل تحت عباءة التنظيم يحد من الإبداع، ويجبر على العمل بحسب سياسة التنظيم، معتبرًا أن التجربة أثبتت أن الجميع يريد من يخدمه ويقدم له المساعدة، وليس من يعمل وفقًا لمصلحة الحزب.
وكان شوقي صبحة فُصِل من حركة فتح في عام 2006، ثم عاد إلى صفوف الحركة لاحقًا، قبل أن يتم فصله مجددًا عام 2015 بسبب رفضه خوض انتخابات نقابة الأطباء تحت اسم حركة فتح.
وأوضح صبحة، أن محاولات حدثت لاحتوائه من قبل حركة فتح وتقديم امتيازات كثيرة له، مقابل خوض انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة ونقابة أطباء فلسطين تحت عباءتها، إلا أنه رفضها جميعًا. رغم ذلك، لا يخفي صبحة استعداده لخوض انتخاباتٍ مقبلة باسم حركة فتح، "في حال كانت سياسة التنظيم هي السائدة في حركة فتح، وليست سياسية بعض الأشخاص ومصالحهم" حسب قوله.
وأضاف: "أنا لم أنضم لحركة فتح في العام 1975 مثل غيري عبر تعبئة استمارة، ولم ألجأ إليها بسبب فصلي من تنظيم آخر. للأسف مثل هؤلاء الأشخاص أصبحوا اليوم قيادات في فتح".
قال صبحة، إن قيادات فتحاوية "حاربوه خوفًا من أن يؤثر على مواقعهم ومكانتهم"، مشددًا أنه لن يتخلى عن التنظيم، بل عن شخوص عملوا ليل نهار لتدمير حركة فتح
وقال صبحة، إن قيادات فتحاوية "حاربوه خوفًا من أن يؤثر على مواقعهم ومكانتهم"، مشددًا أنه لن يتخلى عن التنظيم، بل عن شخوص عملوا ليل نهار لتدمير حركة فتح. وتابع: "التحالف الذي قمنا بتشكيله تمكن من هزيمة حركة فتح رغم كل ضغوطات وتدخلات الأجهزة الأمنية".
من جانبه، تيسير أبو سنينة فاز برئاسة بلدية الخليل لدورة ثانية، بعد تشكيله قائمة عرفت عن نفسها بأنها مستقلة، لكنها ضمت شخصيات محسوبة على حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. على أثر هذا القرار، قرر الرئيس محمود عباس فصل أبو سنينة من حركة فتح، مع شخصيات أخرى.
يقول أبو سنينة لـ الترا فلسطين إنه خاض الانتخابات بعيدًا عن حركة فتح بعدما تم تشكيل كتلة فتح بعيدًا عن الأسس والمعايير المقبولة للكادر الفتحاوي وأصحاب التجربة والتاريخ النضالي، مبينًا أن تشكيل القوائم الانتخابية في فتح كان يتم بلا معيار، "بل إن هناك مرشحين في بعض القوائم كان عليهم شبهات بتسريب أراضي".
في مقابل ذلك، كانت قائمة "الوفاء للخليل"، وفقًا لأبو سنينة، "كتلة توافق وطني تضم كل أطياف الشعب الفلسطيني، وهذه هي الثقافة التي تعبر عن تراث فتح النضالي وخطها السياسي الأساسي، الذي يؤكد أنه لا تناقض إلا مع الاحتلال" على حد تعبيره.
وتحدث أبو سنينة عن "تهميش للكادر التاريخي في حركة فتح من كل مشاورات تشكيل القوائم الانتخابية"، واصفًا ذلك بأنه "إهانة كبيرة". وتابع: "رفضنا هذه الطريقة وقلنا لهم: إذا لم يتم استشارتنا فلن نكون شركاء".
تحدث أبو سنينة عن "تهميش للكادر التاريخي في حركة فتح من كل مشاورات تشكيل القوائم الانتخابية"، مؤكدًا أن "هناك مرشحين في بعض قوائم فتح كان عليهم شبهات بتسريب أراضي"
وأكد تلقيه عروضًا سخية من حركة فتح، منها تولي محافظة الخليل، مقابل التخلي عن رئاسته لقائمة "الوفاء للخليل" في الانتخابات المحلية الأخيرة، لكنه رفض العرض. أبو سنينة هنا يؤكد ما نشره الترا فلسطين قُبيل الانتخابات عن عرض نقله قاضي القضاة محمود الهباش لأبو سنينة، لكن الأخير رفضه.
وأضاف، أن حركة فتح باتت تحقق الهزيمة تلو الهزيمة، "لأن خياراتها لم تكن مقبولة للجماهير والناس، بسبب سوء أداء وخيارات البعض". ورأى أبو سنينة، أن الخلل الأساسي في حركة فتح "ليس في الكادر الميداني بل في القيادة، ولم يعد بالإمكان إصلاح حركة فتح من الداخل".
شوقي صبحة وتيسير أبو سنينة، مثل كثيرين من قيادات فتح وكوادرها لفظتهم الحركة "بسبب تضييقها لدائرة المشاركة وتحمل المسؤولية" وفق الكاتب هاني المصري، مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات، الذي رأى أنه "كلما ضاقت الدائرة خرج أُناس من فتح، بعضهم يخرج كليًا بقرار فصل كما حدث مع ناصر القدوة، وبعضهم جزئيًا عبر إبعاده عن القرار والنفوذ".
وأشار المصري إلى أن جزءًا كبيرًا من هؤلاء "الملفوظين" أصحاب خبرة وكفاءة ولهم تاريخ نضالي وقبول شعبي، مبينًا أن هذه الصفات أسهمت في نجاحهم في الانتخابات، إضافة لتحالفهم مع فصائل أخرى.
أضاف المصري أن الكفاءات التي خرجت من حركة فتح شعرت أن الحركة "ذابت في السلطة (..) ولم يعد لديها قدرة على التصحيح والتغيير، بل أصبحت حزب الموظفين والمنتفعين"
وقال المصري لـ الترا فلسطين: "حركة فتح باتت تضيق على الكفاءات لأنها تريد أهل الموالاة والثقة وليس الكفاءة والمصداقية (..) وعندما تكون القيادة الضعيفة والفاسدة هي المسيطرة داخل التنظيم، فإنها بلا شك تعمل على طرد القيادة الواعية حتى لا تنازعها على المكانة، أو تقوم بفضح فسادها".
وأضاف، أن الكفاءات التي خرجت من حركة فتح شعرت أن الحركة "ذابت في السلطة (..) ولم يعد لديها قدرة على التصحيح والتغيير، بل أصبحت حزب الموظفين والمنتفعين"، منوهًا أن ما يزيد عن 90% من أفراد تنظيم فتح هم موظفون ويعيشون تحت رحمة الرواتب، "وفي هذه الحالة تنعدم الإرادة والقدرة على التغيير" على حد قوله.
يؤكد المصري أيضًا رؤية أبو سنينة أن تغيير الفتح من الداخل أصبح صعبًا، "ولذلك من الضروري إنشاء حركات ومجموعة سياسي جديدة وغير تقليدية، فهذه الحراكات تساعد على التأثير على الحركة القديمة في حال نجحت في التقدم عليها" حسب رأيه.