17-أكتوبر-2024
من لم يقتله القصف بغزة مات بنقص الدواء

(ultrapal) سوق الدواء في قطاع غزة، يخضع لابتزاز اللصوص الذين يتحكّمون في أسعاره

مع مرور سنة وأكثر على حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزة صار  من "المعتاد" أن ترى وأنت تتجوّل بين خيام النزوح، "بسطات" لبيع وترويج أدوية ومستلزمات طبيّة مسروقة من مستودعات وزارة الصحة، أو نهبتها "عصابات مسلّحة" بعد أن استولت على شاحنات مساعدات، وبات سوق الدواء عشوائيًا ويتحكّم فيه اللصوص.

مع استمرار حرب الإبادة الإٍسرائيليّة ظهر النّقص في كل مستلزمات الحياة بقطاع غزة، ونشأت حالة من الفوضى والنّهب والسرقة، لم تسلم منها شاحنات المساعدات بما فيها من أدوية ومستلزمات طبيّة

وأعلنت "إسرائيل" حربًا شاملة على قطاع غزة، دمّرت فيها المستشفيات وصار القطاع الصحي في حالة شلل، وأغلقت المعابر، وشحَّ الدواء، وفي حال توفّر فإنه صار عرضة للسلب والنهب، بعد أن عمّت الفوضى مناطق غزة، جرّاء غياب الشرطة والأجهزة الأمنيّة التي دمّر الطيران الإسرائيلي مقرّاتها، واستهدف قادتها، ويواصل جيش الاحتلال ملاحقة أي محاولة انتشار لعناصرها.

وجرّاء حرب الإبادة و"سياسة التجويع" التي تنتهجها "إسرائيل" ظهر النّقص في كل مستلزمات الحياة شمال القطاع وجنوبه، ونشأت حالة من الفوضى والنّهب والسرقة، ولم تسلم من ذلك شاحنات المساعدات بما فيها من أدوية ومستلزمات طبيّة، وبات سوق الدواء فيه الكثير من الفوضى، ويخضع لعقلية اللصوص الذين يتحكّمون في أسعاره وتوفّره لمحتاجيه.

وأثناء إعداد هذه المادّة، حضر "مجهول" لطبيب صيدليّ في رفح، لكون المنطقة التي تدخل منها الشاحنات شرق رفح تسمى منطقة زلاطة، وفيها تتم أعمال السطو على الشاحنات هناك، بعيدًا عن أماكن تواجد الجيش الإسرائيلي، وبحوزته عيّنة من دواء مسروق، وقد عرّف عن نوعيته والكميّة المتوفّرة منه، لديه. وبعد اطلاع الصيدلي عليها سأله عن الكميّة والسعر، فردّ عليه بأن لديه نحو 50 كرتونة، وقد وعده الصيدليّ بشراء الكميّة كاملة.

سوق الدواء في قطاع غزة، فيه الكثير من الفوضى، ويخضع لابتزاز اللصوص الذين يتحكّمون في أسعاره

يقول الصيدلاني (م. ن): تأتي الأدوية لمستودعاتنا بطريقتين؛ الأولى طرأت بفعل الحرب والحصار، والتغييب المتعمّد لجهات إنفاذ القانون، وذلك بقيام مجهولين بالسطو على شاحنات وسرقة محتوياتها وبيعها للصيادلة، أمّا الطريقة الثانية لحصولنا على الأدوية فهي من خلال موظفي المخازن والصيدليات في وزارة الصحة مثل الهيئة الطبية الدولية وغيرها.

وعن أسعار الأدوية، يوضح: تُحدد أسعار الأدوية من قبل "السارق"، ونشتري نوعًا من العلاج بـ 15 شيقلًا، ونبيعه للمريض بـ30 شيقلًا، ويعتمد توفر الأدوية وأنواعها على حسب ما يوفّره "السارق".

أمّا الدكتور الصيدلي أحمد علام، فيقول: نعاني حاليًا من انقطاع في أصناف معيّنة من الأدوية، مثل مراهم المضادات الحيوية، وأدوية الأمراض المزمنة، كالقلب والضغط والسكري، إلى جانب بعض أنواع المسكنات التي تتوفّر أحيانًا من المشافي وتنقطع هناك.

ويشير إلى أنّ المرضى يعانون الأمرّين خلال الحرب بسبب شح الأدوية وانقطاع بعضها أو غلائها الفاحش، ومن أحد أسباب زيادة الأزمة للمرضى مواعيد إغلاق بعض المشافي التي باتت لا تستطيع أن تخدم جميع المرضى.

كثيرون فقدوا حياتهم نظرًا لحاجتهم لأنواع خاصّة من الدواء، خصوصًا أصحاب الأمراض المزمنة أو الفقراء الذين لا يملكون ثمن الأدوية التي اختفت تمامًا من الصيدليات أو العيادات

وفي ظل أزمة الدواء المتفاقمة، فقد الآلاف حياتهم نظرًا لحاجتهم لأنواع خاصّة من الدواء، خصوصًا ذوي الأمراض المزمنة أو الفقراء الذين لا يملكون ثمن تلك الأدوية التي اختفت تمامًا من الصيدليات أو العيادات، نظرًا أيضًا لعدم القدرة على تخزينها في مبردات خاصّة مع انعدام الكهرباء.

مريم الشواف (في الستينات من عمرها) كانت تقيم قبل التهجير القسري في عبسان شرقيّ خانيونس جنوب قطاع غزة، تعاني من أمراض عدة مثل ضعف عضلة القلب، والغدة الصماء، ووجود ماء على الرئتين وكذلك داء الفيل الذي يمنعها من الحركة والتنقّل، وكانت قبل الحرب تستطيع توفير الأدوية اللازمة لها، سواء من العيادات الحكومية أو عيادات وكالة الغوث التي توفر غالبية الأدوية للمسنين بالمجان. غير أنّها تشتكي اليوم من انعدام وجود الدواء في العيادات الخاصة والمشافي، وانعدام مصدر الدخل الذي يمكِّنها من شراء ما تحتاجه من دواء حال توفّر في الصيدليات. وتشتكي أيضًا من تدهور حالتها الصحية بسبب نقص الأدوية، وتقول بحرقة إنّها لن تتسوّل أبدًا لشراء الدواء، وتتمنى الموت بكرامة في هذه الظروف الصعبة.

يقول كمال محمد (49 عامًا)، إنّ أسعار الأدوية تضاعفت خلال الحرب ثلاث مرّات عن ثمنها الأصلي، وبتنا نشتري العلاج بأسعار خيالية، والدواء الذي كنت أشتريه بـ15 شيقلًا تصل أسعاره اليوم إلى 70. وكانت تكلفة علاج والديّ المسنين كمرضى جلطات قبل الحرب تصل إلى 500 شيقل شهريًا، مقارنة بالتكلفة التي قد تصل 1500 الآن، وقد لا يكون الدواء متوفّرًا.

ويضيف الموظّف الحكومي كمال، أنّه يقع على عاتقه مسؤوليّة رعاية 4 حالات مرضية في عائلته، آخرهم ابنه الذي تعرّض لإصابة بالغة في الحرب. ويقول إنه بات غير قادر على توفير الأدوية التي صار أغلبها يُباع في السوق السوداء، وبأسعار خياليّة، ويطالب وزارة الصحة بمتابعة الموضوع.

ولا يختلف وضع الطفلة إيلين محمد (10 أعوام) وهي نازحة من مدينة غزة، عن قريناتها ممن يعانين من أمراض في عمرها. فبعد المتابعة المستمرة لحالة إيلين، أثبت أطباء الأذن والحنجرة أنها تعاني من التهابات شديدة في الأذن الوسطى، قد تؤدي بها إلى فقدان سمعها، نتيجة عدم مقدرة عائلتها للشهر الثالث على شراء العلاج ومداواتها، مع انقطاع مصدر الدخل والارتفاع الشديد في سعر الأدوية.

ويطالب المرضى، والعاملون في القطاع الصحي وكذلك الصيادلة بأن تقوم وزارة الداخلية بتحمل مسؤوليّاتها ومنع سرقة شاحنات المساعدات وخصوصًا تلك التي تحمل الأدوية، وتأمين وصولها للمستشفيات والعيادات في مناطق النزوح، ووضع حدٍّ للتلاعب والفوضى والتي يتسبب فيها عدد من الموظفين.

كما يطالبون وزارة الصحة باتخاذ خطوات لتوفير مخازن خاصة بالأدوية يتم تزويدها بالكهرباء من أجل التبريد، داخل مرافق وزارة الصحة، وتشكيل لجان لحماية المخازن من السرقة والتلاعب. وحث المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية على زيادة كمية الأدوية التي تدخل القطاع، والتركيز على الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة وليس فقط أدوية الطوارئ الخاصة بالإصابات.