في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت أسواق قطاع غزة تعج بالمتسوقين لشراء ملابس العيد وتجهيزاته من الحلويات والكعك والمعمول والمكسرات، وليس انتهاءً بالسمك المملح "الفسيخ" الذي يفضل غالبية الفلسطينيين في قطاع غزة تناوله صباح يوم عيد الفطر.
هذه الطقوس والمظاهر اختفت بصورة كاملة في عيد الفطر 2024، بعد 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، فمحلات بيع الملابس فارغة سوى من بعض المواطنين، فيما اختفت بسطات بيع الحلويات والشوكولاتة، وغابت مشاهد بيع أسماك الفسيخ المميزة بلونها الأصفر.
"العيد بالنسبة لي هو يوم عودتي إلى شمال غزة وإعادة بناء بيتي من جديد"
في أحد زوايا شارع "النص" غرب مدينة رفح، جلس الخمسيني رائد صالح خلف ماكينة خياطة، لوصل عدد من أكياس الدقيق الفارغة ببعضها البعض لصناعة قطعة كبيرة من قماش النايلون لأحد المواطنين لاستخدامها في صناعة خيمة لعائلته.
يقول رائد صالح، إنه في مثل هذه الأيام كان ينشغل في حياكة وتخييط ملابس العيد، ويستمر في العمل حتى لحظات ما بعد صلاة عيد الفطر، "لكن هذا العام أنا مشغول بحياكة قطع القماش لإقامة خيام للنازحين".
ويضيف رائد صالح، "هذا العيد حزين جدًا، لم أقم بشراء ملابس لأطفالي الستة، ولم يزرني سوى بعض المواطنين لإصلاح ملابسهم القديمة".
ويتابع، "كيف بدنا نفرح باستقبال العيد واحنا عايشين في خيمة أشبه بالزنزانة وبيتي مدمر بالكامل؟ العيد بالنسبة لي هو يوم عودتي إلى شمال غزة وإعادة بناء بيتي من جديد".
حالة الحزن ذاتها يعيشها الأربعيني حاتم أسعد، النازح من مدينة غزة إلى رفح، الذي واجه سؤالنا عن استعداده لاستقبال العيد باستغراب شديد ونبرة حزينة، "عيد إيش اللي انت بتحكي عنه؟ هو في عيد وفي 40 ألف بيت فقدوا أبناءهم".
ويضيف حاتم أسعد، كيف بدي أفرح بالعيد وأخوي معتقل عند الاحتلال منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر؟ ولم نعرف عنه أي معلومة حتى الآن. كيف بده يجيني نفس أشتري كعك ومعمول للعيد واحنا عايشين هم الفقد والتشرد؟
المسنة أم أسامة اليازجي، نازحة من مدينة غزة إلى رفح، قالت لنا من أمام خيمتها إنها في هذه الأيام من الأعوام السابقة كانت مشغولة بطقوس إعداد كعك ومعمول العيد بيديها وكلفتها الخاصة، إلا أنها اليوم ومع قدوم العيد تفقد نجلها الشاب الذي قتله طائرة إسرائيلية مسيرة".
تضيف اليازجي، بعد نزوحنا إلى رفح من مدينة غزة استشهد ابني خلال مروره بجانب سيارة قصفتها طائرات الاحتلال، مضيفة: "كيف بدي أفرح بالعيد وابني شهيد؟ كيف بدي أفرح وأنا فقدت ابني اللي اطلعت فيه من الدنيا كلها؟ كيف بدي أفرح؟ قلي كيف؟!".
وأثناء حديثنا مع السيدة اليازجي، تدخلت جارتها السبعينية ظريفة أبو سعدة قائلة: "هو في عيد يا ابني الله يسامحك؟".
وأضافت ظريفة، أبو سعدة، بعد خروجها من باب خيمتها تلف شالتها البيضاء حول رأسها، "كيف بدنا نعيّد وشهدائنا تحت الركام مش لاقيين حد يرفعهم ويدفنهم؟ كيف بدنا نفرح في العيد والشهداء في الشوارع تدوسهم جنازير الدبابات الإسرائيلية؟".
كيف بدنا نعيّد وشهدائنا تحت الركام مش لاقيين حد يرفعهم ويدفنهم؟ كيف بدنا نفرح في العيد والشهداء في الشوارع تدوسهم جنازير الدبابات
ظريفة أبو سعدة نازحة من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أوضحت لنا أنها كانت تحرص في مثل هذه الأيام على شراء ثوب جديد وتجهيز كعك العيد، فيما تشجع "كناينها" -زوجات أبنائها- على تنظيف المنزل بالكامل وتعليق أحبال الزينة المضيئة في كافة أرجائه. وأضافت، "لكن اليوم أنا قاعدة في خيمة في الشارع وبيتي لم يعد يصلح للسكن بسبب الدمار الكبير الذي لحق به".
وفي ذات المخيم، تعيش الستينية أم رامز الشرباصي داخل خيمة مصنوعة من القماش، وتقول إنها مع قدوم العيد تشعر باللوعة والحسرة بسبب بعدها عن أبنائها الذين ظلوا محاصرين في شمال القطاع.
وتضيف الشرباصي، "عمره ما مر علينا عيد أسود من هذا العيد، كل الناس حزينة"، مشيرة أن عددًا من أقربائها استشهدوا في القصف الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، ولا زالت جثامينهم تحت الأنقاض. وتساءلت: "من وين بدها تجي الفرحة؟ ولا كيف بدنا نعمل كعك ومعمول للاحتفال بالعيد؟".
وبعد 6 شهور من الحرب الإسرائيلية على غزة، تؤكد وزارة الصحة، حتى عشية عيد الفطر، استشهاد 33 ألفًا و360 شهيدًا، وإصابة 76 ألف آخرين، هذا عدا عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض ولم تتمكن طواقم الإنقاذ من الوصول إليهم.
ويقيم قرابة مليون و300 ألف نازح فلسطيني في مخيمات مؤقتة من الخيام في جنوب وادي غزة حتى الحدود المصرية جنوب مدينة رفح، بعد إجبار الاحتلال لهم على ترك منازلهم التي جرى تدمير ما يزيد عن 70% منها إثر الغارات الإسرائيلية.