"يا صاحبي لا تواخذني في زلاتي، زلّ القلم في الورق وش حال زلاتي" أنشد محمد كراكرة عن الاعتذار للصديق، خلال لقائنا معه، وأنشد في الترحيب بالضيوف: "يا مرحبا بيك يا مين دلك يا مين جابك، ويا مرحبا بالطريق اللي عرفتنا بيك"، وهو الذي يوصف في بلدته سنجل بأنه "البديع" رقم واحد.
السامر من السمر أي السهر، والسامر الفلسطيني هو فنٌ غنائيٌ تراثيٌ قديمٌ يتسم بالطابع البدوي
بكثيرٍ من العتب، تحدث كراكرة مخاطبًا جيل الشباب، الذين يقول إنهم "استبدلوا الأغاني التراثية الأصيلة بأغانٍ جديدة مليئة بالصخب والفوضى والكلمات العشوائية فارغة المضمون"، خلال حفلات الأعراس هذه الأيام.
ما هو السامر؟
السامر من السمر أي السهر، والسامر الفلسطيني هو فنٌ غنائيٌ تراثيٌ قديمٌ يتسم بالطابع البدوي، لأنه يعود في أصوله إلى الجزيرة العربية، مع وجود تشابهٍ كبيرٍ للسامر في معظم ألوانه الغنائية ما بين فلسطين وشرق الأردن، بسبب التعاون القديم فيما بينهما في مجال الزراعة والتجارة والرعي على ضفتي نهر الأردن.
يزيد كراكرة شارحًا لـ الترا فلسطين أن السامر يتم من خلال إقامة حلقةٍ دائريةٍ أو بيضاويةٍ تتحلق فيها مجموعةٌ من الرجال، وهم يقومون بأداء حركاتٍ معينةٍ لليدين والساقين، وتحريك الجسد من الأمام إلى الأسفل بآلية مدروسة ومُنظمة، مردّدين أبياتًا شعرية باللهجة العامية، من خلال ما يعرف بـ"البديعة"، وهو مصطلحٌ يطلق على الذين يقومون بغناء وتأليف كلمات السامر.
اقرأ/ي أيضًا: "الدلعونا" طوعها الفلسطينيون للحب والحرب والجنس
وأضاف، "المتتبع لفرق التراث في الأردن والسعودية، يلحظ أنها هي ذاتها الحركات التي تُؤدى عبر الوقفة وحركة اليدين، ولكن في بلدة سنجل تم تطوير حركة خاصة، وهي إضافة انحناءةٍ قليلة، مع تميز آخر في الكلمات".
تعتبر بلدة سنجل من قلائل البلدات الفلسطينية التي حافظت على السامر الفلسطيني حتى اليوم، وحول ما يميز كلمات "السامر السنجلاوي"، فهو جمعه بين كلمات الزجل الشامي مع السامر البدوي من مختلف المناطق الفلسطينية، كون سنجل تتوسط فلسطين واشتهرت قديمًا بتجارة العنب من أقصى الشمال حيث يشتهر الزجل، إلى الجنوب موطن البداوة، وهو ما أثر في انتقال مختلف الصنوف الغنائية لتشكل معًا خليطًا فريدًا وهو "السامر السنجلاوي" المتوارث حتى اليوم.
وأشار كراكرة إلى أن السامر يكون مملاً في حال عدم الترابط بين الأبيات الشعرية، وهذا يؤدي الى ضعفه وعدم تماسكه وتفرق المعاني التي يقصدها، مشدّدًا على أهمية أن يتمتع البدّيع بقدرٍ عالٍ من الذكاء، وعدم انشغاله في أي شيء أثناء السامر وإلا طارت الأبيات من ذاكرته.
السامر مهدد بالفقدان
يعتمد السامر بالدرجة الأولى على الحفظ، إلا أن الذين يحفظون السامر هذه الأيام قليلون، وهم يتناقصون بشكل تدريجي، ناهيك عن عدم رغبة الشباب بغناء السامر في ظل انسياقهم وراء الأغاني الحديثة.
السامر يكون مملاً في حال عدم الترابط بين الأبيات الشعرية، وهذا يؤدي الى ضعفه وعدم تماسكه وتفرق معانيه
يُحذر كراكرة من قرب اختفاء السامر في الوقت الراهن من الحياة الفلسطينية، قائلاً: "بالطبع أن الأسباب واضحةٌ لكل من يتقنُون هذا الفن، وأهمها أن الشعراء الذين يكتبون السامر قد انقرضوا حاليًا، ولم يعد لهم أي وجود، وهم بالأصل كانوا قلة قليلة في وقتها مما أدى إلى اختفائهم كما حصل في قرية جلجليا القريبة من سنجل".
اقرأ/ي أيضًا: عن "قتلة" العريس في يوم دخلته
لكن بلدة سنجل حافظت حتى اليوم على السامر، وذلك لوجود عدد من "البدّيعة" فيها بأعمار مختلفة بخلاف القرى الفلسطينية الأخرى.
وأضاف كراكرة، "أنا مثلاً لم أكمل الستين من عمري وأعدّ من أكثر الناس حفظًا للسامر الفلسطيني، واعتبر البدّيع رقم واحد في البلدة".
ومن الأسباب الأخرى للحفاظ عليه في سنجل -بحسب كراكرة- هو الجانب الديني، "لأن الدين يشجع على التمسك بالتراث، وينهى عن الأغاني الحديثة والموضة الخليعة التي يتجه لها الكثيرون" على حد تعبيره.
يغنى السامر في بلدة سنجل في يوم حناء العريس أو كما تُسمى "سهرة الرجال"، وتتراوح مدته بين نصف ساعة وحتى ساعة ونصف بحسب رغبة أصحاب العرس.
وفي اليوم الثاني وهو يوم العرس يُغنى السامر بعد صلاة العصر لزفة العريس، حيث يتوسط العريس الجمع فوق ظهر الخيل مرتديًا العباءة التقليدية.
إحياء السامر باستغلال السوشال ميديا
يعمل الناشط في بلدة سنجل حسين عبد العزيز على توثيق السامر السنجلاوي ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يقوم خلال الأعراس بتصوير السامر حتى يكون مرجعية لمن يرغب في حفظه من جهة، وللحفاظ على هذا الموروث الثقافي من الضياع من جهة ثانية، إضافة إلى تشجيع بقية القرى والمدن الفلسطينية لتحذوا حذوهم في إظهار هذا اللون من التراث من جهة ثالثة.
عدا عن ذلك، أكد عبد العزيز أن لديه رغبة حقيقية في إظهار تميز بلدته سنجل عن بقية المدن والقرى في فلسطين، عندما يقوم بنشر السامر عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف أنه بمجرد رفع الفيديو على مواقع التواصل فإن عدد المشاهدات والمشاركات يصل إلى مئات الآلاف، "ما يدلل على وجود رغبةٍ حقيقيةٍ في استمرار هذا اللون من التراث، والاهتمام الواضح بكلماته التي تقال فيه والصور الشعريه الجميله التي تسرد فيه، حيث يعبر المشاهدون في تعليقاتهم عن اعتزازهم بهذا اللون من الغناء" كما قال.
النصيب الأكبر من السامر الفلسطيني هو للغزل، إضافة لوصف الطبيعة ومقارعة الأعداء والحنين للوطن
استراحة مع أبيات من السامر
يحفظ محمد كراكرة، وهو مدير مدرسة متقاعد، السامر عن ظهر قلب، وفي استراحة قصيرة أمتعنا بالعديد من النماذج المتنوعة، وقد بدأها كما تبدأ الحفلات بالعادة على النحو التالي:
أول كلامي لصلي على النبي الهادي
ومحمد اللي اشرفنا على العبادي
يا زايرين النبي وش وصفة حجاره
سعيد مين راح لقبر الحبيب زاره
وفي الترحيب بالضيوف:
يا مرحبا يا سعود القلب طليتوا
وقلوبكم قاسية واليوم حنيتوا
يا مرحبا بيك يا مين دلك يا مين جابك
ويا مرحبا بالطريق اللي عرفتنا بيك
كما وأن الضيوف يغنون لأهل الفرح قائلين:
يا حباب يوم علمنا فرحكم جينا
خوفي من هرج العتب والدرب ترمينا
وفيما يتعلق أيضًا ببعض قناعات الحياة:
والرمل ما ينعجن والشوك ما ينداس
والسر ما ينظهر على جميع الناس
وهناك من السامر ما يتحدث عن الاعتذار للصديق:
يا صاحبي لا تواخذني في زلاتي
زلّ القلم في الورق وش حال زلاتي
كما أن التضحية للوطن والحنين إليه من أهم مواضيعه، حيث قال :
يا دار يا دار وإن عدنا كما كنا
لطليك يا دار بعد الشيد بالحنا
كذلك قيل في مقارعة الأعداء:
وإن قدر الله دخلنا منايانا
والحنضل المر لنسقيه لأعدائنا
وبلادنا جوهر واحنا الشباب فيها
وان عجعج الكحل بالبارود نحميها
كما قيل في النصائح:
وان كان بدك النسب دور على الطيب
خذ بنت الجواد وعن بنت النذل حيّد
وان كان بدك تجد الليل وتسافر
اركب على الهجن ولا تركب على الفاطر
كما قيل في الفراق والغربة:
يا حبايبنا إن نويتوا ارحلوا في الليل
لا ترحلوش بالضحى تبكي عليكم العين
تجدر الإشارة إلى أن النصيب الأكبر من السامر الفلسطيني هو للغزل، إضافة إلى التطرق إلى وصف الطبيعة الخلابة والمحاصيل الزراعية .
اقرأ/ي أيضًا:
بماذا تغنى أجدادنا "أيام البلاد"؟