13-يناير-2018

بعيداً عن أي غطاء سياسي، يواصل مواطنون من قطاع غزة دعم مبادرة خرج بها أصحاب محلات تجارية، يُصنفون بأنهم من الطبقة الوسطى، بعد أن باتت دفاتر الديون المخزّنة في أدراجهم مخصصة لإضافة ديون جديدة دون أي خصومات من الديون السابقة، وهو ما دفعهم لإعلان التنازل عن ديونهم، في ظل الأزمة الأسوأ إنسانياً في تاريخ قطاع غزة المحاصر منذ 10 سنوات، والذي تفاقمت أزمته بعد العقوبات التي أعلنت عنها السلطة الفلسطينية أواخر عام 2017.

وتفاعل آلاف المواطنين من قطاع غزة مع الحملة، وهم يشاهدون وزارة الصحة تؤدي واجبها تجاه فرعها في قطاع غزة، وتزوّده بلوازم طبية مختلفة، وتوثق ذلك بتصوير الشاحنات الناقلة للّوازم الطبية، ما دفع كثيرين لانتقاد الخطوة قائلين إن الوزارة ظهرت كأنها تمنّ عليهم ذلك. المواطن محمد المصري من أقصى شمال قطاع غزة، وأسامة أبو دلال من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بادرا إلى نشر منشورات يعلنون فيها إعفاء كل الأشخاص المدينين لهم ببضائع وأموال.

تجار من الطبقة الوسطى في غزة أعلنوا إعفاء عائلات وزبائن من ديونهم، ومحامون يقدمون خدماتهم دون مقابل، في إطار مبادرة شعبية

محمد المصري (29 عاماً) هو صاحب محلات لـ"البناشر" وإطارات السيارات، نشر على صفحته أنه يسامح جميع الأشخاص المسجلين لديه في دفتر الدين بمبلغ يقارب 10 آلاف دولار. يقول لــ"الترا فلسطين"، إنه وصل لمرحلة وجد فيها أنه سيخسر كثيراً من الأصدقاء إذا طالب بديونه، لأن هؤلاء ظروفهم صعبة ولا يستطيعون السداد، مضيفاً أن قطاع غزة يدخل في مجاعة، ولذلك رأى أن عليه المسامحة في ديونه.

أما أسامة أبو دلال (33 عاماً)، وهو تاجر يملك معرضاً في دير البلح، فقد أعلن أنه أعفى أكثر من 100 مواطن من الديون، إلى جانب عشرات التجار الذين يزودهم ببضائع، و15 صديقاً مقرباً منه. يقول أبو دلال لـ"الترا فلسطين"، إن الجوع انتشر في الشوارع، والناس لو كانت تدرك أنها ستصل إلى مرحلة لا تتوفر لديها فيها لقمة العيش، لما اشترت بضائع بالدين، مضيفاً، "هنا يقف دورنا كأبناء المخيم وقطاع غزة في أن نبادر بالمسامحة لأنها أكبر رسالة لكل مجتمعات العالم، بأن مجتمع القطاع متسامح وموحد".

وشارك سوبر ماركت الحاج أبو أدهم أبو سلمية في مدينة دير البلح في الحملة، وأعلن أنه أعفى "الأسر المستورة" والعاطلين عن العمل من الديون المستحقة والمتراكمة عليهم، كما أعفى موظفي حكومة غزة السابقة من 50% من قيمة المشتريات، وهذا ما دفع بلدية دير البلح لإعفائه من الضرائب ورسوم ترخيص المهنة، إلى جانب محلات أبو دلال أيضاً.  

وفي السياق ذاته، أعلن هاني البيروتي، وهو مختص في العلاج الطبيعي، استعداده لتقديم جلسات علاج طبيعي مجاناً لمرضى فقراء لا يستطيعون دفع مبالغ الجلسات. وأشار البيروتي إلى أنه يعمل عامل نظافة في شركة خاصة في ظل معاناته مع مئات آلاف الخريجين الذين لا يزالون ينتظرون أي فرصة عمل منذ أن تخرج عام 2015 في جامعة الأزهر.

البيروتي، من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، يقول لـ"الترا فلسطين"، إن الغيرة من المشاركين في الحملة دفعته لأن يتخذ قراراً بأن يكون جزءاً من أهل الخير ونشاطاتهم، مضيفاً، "أنا لا أملك وظيفة رسمية، وأشعر بمن يعاني، ويجب على الفقير أن يساند الفقير بعيداً عن كل السياسيين".

شركات كبرى تغيّبت عن مشهد التكاتف في "سامح تؤجر" بينما شارك فيه بقوة تجار من الطبقة الوسطى

المحامون لم يتغيبوا أيضاً عن المشهد، فقد أعلن العشرات منهم استعدادهم لتنفيذ العقود والتعاملات القانونية للأسر الفقيرة مع إعفائها من الرسوم. يقول المحامي محمد ياسين لــ"الترا فلسطين"، إن أحد المواطنين اتصل طالباً عقد إجار وقال إنه لا يملك ثمن المواصلات، فأرسلوا له أحد المحامين لتنفيذ ما يريد مجاناً.

يحدث هذا بينما يراقب مواطنون الشركات الكبرى، والبلديات، والمصارف، ومتاجر ضخمة، منتشرة في أرجاء قطاع غزة، أن تشارك في الحملة ولو بشكل جزئي، وقد وجه مواطنون انتقادات حادة لهذه الجهات بسبب تغيّبها عن المشهد الذي وصفه كثيرون بأنه تاريخي ووطني.


اقرأ/ي أيضاً: