28-أبريل-2021

لغة النار والحديد لسان    ما درى القوم أنكم تتقنوه

علموهم دروسه في ثبات     وأروهم ضروبه وفنونه

وانثروا منه مارجًا يمسح "الحلم" ويأتي على النوايا الكمينة

سجل شاعرٌ يافيٌ مجهولٌ هذه الأبيات في قصيدة "لغة النار... تلك يافا"، وأهداها في 15 شباط/ فبراير 1948 لـ"حماة المدينة البواسل"، لتحتفي كما يبدو بإنجازات المقاومة اليافية، إذ كانت حامية المدينة نجحت في إفشال هجوم صهيوني مركزي استهدف سكنة أبو كبير يوم 12 شباط/ فبراير 1948. وسبق ذلك نجاح مجاهدي الحامية في تنفيذ سلسلة عمليات نوعية استهدفت استحكامات العدو في المناطق الحدودية. وكانت حامية يافا بحلول شباط/فبراير 1948 قد استكملت تنظيماتها الأساسية، وبنيت الاستحكامات في جبهات المدينة المختلفة، وهي استحكامات أخذت بالتطور يومًا بعد يوم.

تستعرض هذه المقالة تفاصيل عملية استهدفت الهاغاناه يوم 8-9 شباط، مقدمة رواية حامية يافا الذين نفذوا العملية مقارنة بالرواية الصهيونية

خلال الشهور السابقة كانت المدينة نجحت في التصدي لهجمات صهيونية مختلفة، كان أبرزها محاولة احتلال تل الريش في كانون الأول/ديسمبر 1947، والتي كان للانتصار العربي فيها أثر على مستقبل المعارك في المدينة، إذ تحولت المنطقة لحصن عسكري منيع، سيطر ناريًا على مجمل المستوطنات الصهيونية المقامة جنوبي، وجنوبي شرق، يافا، فشل الصهاينة في احتلاله حتى سقوط المدينة في 14 أيار/مايو 1948. وتنوعت أشكال الاشتباك في المدينة، من عمليات قنص وحرب مواصلات، إلى عمليات تفجير ونسف وعمليات خاصة، ومعارك مركزية.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة يافا.. أوّلُ كفاحنا المُسلح

نقلت وثائق حامية يافا، التي يروي فيها مقاتلو المدينة، يوميات معاركهم، أخبارًا وتفاصيل، عن سلسلة من العمليات التي نفذت في المدينة، منها عملية نفذت يوم 8-9 شباط/ فبراير 1948، استهدفت تصفية جنود الهاغاناه في أحد استحكاماتهم المقامة على تخوم يافا الجنوبي، بالقرب من مستوطنة بات يام، استحكام الملك جورج، والذي سيعرف لاحقًا للعملية باستحكام الموت.

تستعرض هذه المقالة تفاصيل هذه العملية، مقدمة رواية مجاهدي الحامية الذين نفذوا العملية مقارنة برواية صهيونية. ورواية المجاهدين هذه مستخرجة من تقرير الموقف لمنطقة الجبالية، أحد مناطق القتال الرئيسية في مدينة يافا في حرب 1947-1948 التي بدأت ملامحها بالتشكل خلال شهري كانون الأول/ ديسمبر 1947- كانون الثاني/ يناير 1948 جنوبي مدينة يافا وشمالي مستعمرة بات يام.

نفذ الهجوم برمي قنابل يدوية وإطلاق الرصاص من أسلحة سريعة وأسفر عن قتل من وجد في الاستحكام والاستيلاء على عتادهم

أورد تقرير الموقف اليومي لمنطقة الجبالية ليوم 8 شباط/ فبراير 1948، الذي دوّن الحوادث الواقعة في المنطقة ما بين الساعة السادسة من صباح 8 شباط/ فبراير ولغاية السادسة من صباح 9 شباط/ فبراير، تفاصيل هذه العملية فأشار إلى أن مجاهدي منطقة كرم صوّان أو الجبالية الثانية الذين كانوا بإمرة إبراهيم سرداح الملقب بحوسه، انطلقوا بحدود الساعة الرابعة من صباح 9 شباط/ فبراير لمهاجمة استحكام صهيوني يقع بالقرب من استحكام خزان المياه الصهيوني، وهو أحد الاستحكامات الصهيونية البارزة التي قامت على حدود مستعمرة بات يام – الجبالية. ووفقًا لرواية التقرير نفذ الهجوم برمي قنابل يدوية وإطلاق الرصاص من أسلحة سريعة -أغلب الظن أنه وجد مع المجاهدين المهاجمين رشاش ستن- وأسفر الهجوم عن قتل من وجد في الاستحكام والاستيلاء على عتادهم.

اقرأ/ي أيضًا: معركة واد القلط.. الثورة تصطاد أحد "أبطال إسرائيل"

وأشارت الرواية إلى أن أحد الجنود الصهاينة المتواجدين في الاستحكام واجه المجموعة المهاجمة، لكنه قتل من دون أن يُصب أي من المهاجمين الذين عادوا سالمين بما غنموا –بندقيتين إنجليزيتين وإبريق شاي.

سرداح متوسطًا مقاتليه، وأمامهم غنائم استحكام الموت

تؤكد رواية صهيونية رواية المجاهدين هذه، فوفقًا للرواية الصهيونية التي سجلها يوسف أوليستكي أحد أبرز الكتاب الصهاينة الذين أرخوا بشكل مبكر للمعارك في منطقة تل أبيب – يافا استهداف الهجوم استحكام الملك جورج، الذي سبق ونجح مجاهدو الحامية بنسفه بالكامل في 16 كانون الثاني/ يناير 1948. لكن لطبيعته الاستراتيجية أعاد الصهاينة تأسيسه من جديد.

خارطة يظهر فيها موقع استحكام الموت المستهدف في الهجوم

وفي تفاصيل الهجوم، يشير تقرير صهيوني إلى أنه بدأ في حدود الساعة الرابعة صباحًا وكان الجو عاصفًا وممطرًا، فلم يتمكن عضو الهاغاناه دان جروسمن (مواليد النمسا 1914) من رؤية أي أثر للمجاهدين المهاجمين. وبعد لحظات ألقيت قنبلة يدوية على الخندق فتحرك إثر انفجارها عضو الهاغاناه ألبرت أبرهام (مواليد اليونان 1924) لكنه بوغت بإطلاق النار عليه فقتل. وهنا ألقى دان قنبلة خارج الخندق باتجاه المجاهدين، ثم عاد للخندق لحظة انفجارها فكان مجاهدون آخرون بانتظاره في خندقه فقتل فورًا.

رسالة من قائد منطقة كرم صوان إبراهيم سرداح لقائد الحامية يطالب فيها بتكريم مجاهديه

لم يقتصر تأثير هذه العملية الخاصة على تأثيرها المادي المباشر، وإنما أدت أيضًا لرفع معنويات مجاهدي المنطقة، ويلاحظ هذا بوضوح في رسالة قائدهم إبراهيم سرداح في 12 شباط/ فبراير 1948 لقائد حامية المدينة الرئيس عبد الوهاب الشيخ علي. ففي الرسالة مطالبة من سرداح للقائد بتحقيق وعده بمنح منفذي الهجوم مكافأة وأوسمة على نجاحهم بتنفيذ العملية، والاستيلاء على بنادق العدو.

أدت هذه العملية لرفع معنويات مجاهدي المنطقة، مقابل التأثير السلبي على معنويات جنود الهاغاناه، كما تحول استحكام الملك جورج إلى استحكام الموت

يؤكد سرداح في رسالته أنه مُصرٌ على "مناورة اليهود اليهود حتى تحقيق النصر التام". ويشدد أن مطالبته بتحقيق وعد القائد بالمكافأة والأوسمة تأتي لما يحققه ذلك من تحميس للمجاهدين وإثارة للغيرة العربيّة. فيتحمس بقية المجاهدين "لغدر اليهود وسلب أسلحتهم".

كما أدت العملية لتأثير سلبي على معنويات جنود الهاغاناه في بات يام. وتحول استحكام الملك جورج إلى استحكام الموت. ولخص اوليتسكي تأثير العملية بالقول بأن ليلة الهجوم حُفِرَت عميقًا في قلوب مقاتلي بات يام، واحترقت قلوبهم لسنين تالية بالألم والقهر.

لم تنته قصة سرداح وإخوانه مع العمليات الخاصة بهذه العملية. فلسرداح وإخوانه سلسلة عمليات أخرى نفذت خلف خطوط العدو في بات يام كان لها تأثير سلبي في معنويات العدو، لا يقل عن تأثير هذه العملية. وتستحق هذه العمليات التي تشكل جزءًا من إرث يافا المقاوم خصوصًا، وإرث المقاومة الفلسطينية المسلحة عمومًا أن يفرد لها نص آخر. فإلى لقاء.


اقرأ/ي أيضًا: 

معركة القعدة: أبناء النكبة يقولون كلمتهم