09-أكتوبر-2024
الفوضى في قطاع غزة.jpg

(Getty) الاحتلال يعمل على خطة ممنهجة بهدف نشر الفوضى في قطاع غزة

واصل الاحتلال الإسرائيلي على مدار عام من الحرب على غزة استهدافه للعاملين في الجهاز المدني العام من عناصر الشرطة والدفاع المدني والبلديات، "في سياسة ممنهجة لإحداث حالة من الفوضى والانفلات الأمني" وفق تقديرات عدة.

يؤكد مصدر أمني لـ"الترا فلسطين": أن  الاستهدافات على مدار شهور الحرب أدت إلى انتشار الفوضى وتكرار حالات أخذ القانون باليد والثأر، ووقوع جرائم قتل في بعض الأماكن، وانتشار ظاهرة سرقة ممتلكات المواطنين، والسطو المتكرر على شاحنات المساعدات

واغتال جيش الاحتلال، رؤساء بلديات وضباط وعناصر في جهاز الشرطة المدنية، وعناصر من طواقم الدفاع المدني، على امتداد قطاع غزة، كما دمر المنشآت المدنية والبلدية، وآخرها تدميره كليًا مقر بلدية مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة، ومقر بلدية رفح، واستهداف مقر بلدية مدينة غزة.

استهداف الشرطة

وبموجب القانون الدولي فإن جهاز الشرطة هو "جهاز مدني" يتمتع بالحماية، لكن رغم ذلك، استهدف جيش الاحتلال مقار الشرطة ومراكزها على امتداد القطاع، واغتال المئات من العناصر والضباط الذين يحملون رتبًا مختلفة في جهاز الشرطة، بما في ذلك العناصر من الطواقم المكلفة بحماية قوافل المساعدات، ليتركها الاحتلال "فريسة" للصوص وقطاع الطرق، قبل أن تصل في النهاية إلى الأسواق بأسعار باهظة لا تناسب غالبية المواطنين في قطاع غزة، ما أدى إلى تعميق مأساة نحو 2.2 مليون نسمة، أكثر من 85 في المئة منهم نازحون.

ويقول مصدر أمني في غزة، لـ "الترا فلسطين"، إن كل هدف أمني يتبع لوزارة الداخلية يكون في "مرمى نيران" الاحتلال، مؤكدًا أن الاستهدافات على مدار شهور الحرب أدت إلى انتشار الفوضى وتكرار حالات أخذ القانون باليد والثأر، ووقوع جرائم قتل في بعض الأماكن، وانتشار ظاهرة سرقة ممتلكات المواطنين، والسطو المتكرر على شاحنات المساعدات.

وبسبب الاستهداف المتكرر اختفت كليًا المظاهر الشرطية من شوارع القطاع. ويوضح المصدر الأمني، أن "الشرطة اضطرت إلى العمل وفق خطط طوارئ، بحيث لا يتحول عناصرها إلى صيد للاحتلال، كما تتجنب تعريض كوادرها وعناصرها للخطر، وتواجه مخاطر وتحديات لاستمرار بسط نفوذها الأمني بالميدان".

وفي شهر شباط/فبراير المنصرم، طلبت إدارة بايدن من إسرائيل التوقف عن استهداف أفراد قوة الشرطة المدنية في قطاع غزة، الذين يرافقون شاحنات المساعدات في غزة، محذرة من أن "الانهيار التام للقانون والنظام يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع بشكل كبير" بحسب ما ورد في موقع "أكسيوس". وكانت إدارة بايدن، قد بحثت الأمر مع تل أبيب، مدفوعة بـ"الخشية من حدوث فراغ أمني"، و"القلق من عدم وصول شاحنات المساعدات إلى مناطق القطاع".

وبعد عودته من غزة، كتب أجيث سونغهاي، رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قائلًا: "إننا نشهد نتائج تفكيك إسرائيل للقدرات المحلية اللازمة للحفاظ على النظام العام والسلامة في غزة. فقد وثق مكتبنا عمليات قتل غير قانونية لأفراد من الشرطة المحلية وعمال الإغاثة الإنسانية، وخنق الإمدادات الضرورية لبقاء السكان المدنيين. والآن تنتشر الفوضى".

خطة للفوضى والانفلات الأمني

وبرز على نحو لافت في شهور الحرب، اغتيال رؤساء بلدياتٍ في وسط قطاع غزة، ومهندسين وطواقم فنية تحافظ على تقديم الخدمات الحيوية للمواطنين، ولو بحدها الأدنى في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية.

بين الشهداء كان رئيس بلدية النصيرات إياد المغازي، الذي ارتقى في قصف للاحتلال على مبنى بلدية النصيرات خلال شهر حزيران/يونيو، ورئيس بلدية المغازي حاتم الغمري، الذي ارتقى في قصف على مبنى يتبع لبلديات وسط القطاع؛ خلال شهر نيسان/أبريل، ورئيس بلدية الزهراء مروان حمد، الذي ارتقى في قصف على منزله خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.

ووفق المصادر، فإن جيش الاحتلال دمر أكثر من 95 في المئة من آليات الخدمات الثقيلة والمتوسطة في بلدية غزة، بشكلٍ ممنهج، وفي مرة قام بإحراقها خلال توقفها داخل مقر للبلدية. وفي حزيران/يونيو الماضي، استشهد 5 من طواقم بلدية غزة، في قصف للاحتلال على مستودع يعود لها. كما دمر الاحتلال معظم مرافق بلدية بيت لاهيا وبيت حانون، التي خرجت عن العمل تمامًا.

ولم يكن جهاز الدفاع المدني بعيدًا عن هذه الاستهدافات، فبحسب بيانات الدفاع المدني، استشهد 83 عنصرًا خلال أداء عملهم، إضافة إلى عشرات الجرحى، وتعرضت مقدرات الجهاز وآلياته ومراكزه لتدمير كبير على امتداد القطاع. يتزامن هذا مع تنفيذ الجهاز مهمات تحتاج إلى سنوات طويلة من العمل في غضون عام واحد.

ويظهر توثيق "الترا فلسطين" لخسائر الدفاع المدني، أن الاحتلال دمر 11 مركزًا بشكل كليّ من أصل 18 مركزًا للدفاع المدني على مستوى القطاع، مع خروج 7 مركبات إسعاف من أصل 10 عن الخدمة، وتدمير 10 مركبات إطفاء، وما يقارب 20 مركبة إدارية، وصهريجين للمياه من أصل ثلاثة صهاريج، إضافة إلى تدمير ورشتين مركزيتين للصيانة في مدينتي خانيونس وغزة.

ترافق هذا الضرب الممنهج للعمل البلدي، مع تدمير واسع للبنية المدنية والتحتية، تفوق 90 في المئة في غالبية مناطق القطاع.

تقويض إطار الحكم

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن الاحتلال يحاول منذ بدء حرب الإبادة إشاعة الفوضى والفلتان لخلق فراغ حكومي، وفي سبيل ذلك استهدف وقصف جميع الطواقم الحكومية المدنية والخدمية، خاصة تلك الطواقم التي تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية، وأبرزها البلديات وجهاز الدفاع المدني والشرطة.

وأوضح إسماعيل الثوابتة لـ"الترا فلسطين"، أن الاحتلال قصف المستشفيات لخلق فراغ صحي، وقصف المدارس وقصف المساجد لخلق فراغ اجتماعي، مضيفًا: "قصف المؤسسات والمرافق الحيوية يهدف إلى خلق فراغ شامل".

الاحتلال استهدف وقصف جميع الطواقم الحكومية المدنية والخدمية، خاصة تلك الطواقم التي تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية، وأبرزها البلديات وجهاز الدفاع المدني والشرطة

وقال الثوابتة: "تدمير الواقع المدني والخدمي في القطاع باستهداف الطواقم الطبية والدفاع المدني والشرطة وطواقم البلديات، وحتى الطواقم التي تعمل على تأمين المساعدات، ذلك كله يهدف لإحداث فوضى وفلتان وفراغ إداري وأمني وخدمي لتدمير المجتمع بالكامل".

وأضاف، أن "كل الطواقم الحكومية العاملة في القطاع وتقدر حاليًا بـ18 ألف موظف، تسعى بكل جهد وبأقصى ما تستطيع لمنع حدوث الفوضى، وتتصدى لكل المحاولات التخريبية".

خطة "اليوم التالي"

من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان مصطفى إبراهيم، لـ "الترا فلسطين"، إن استهداف قادة وقواعد الأجهزة المدنية كالشرطة والبلديات والدفاع المدني وكذلك الشخصيات المجتمعية المؤثرة جاء على نحو مكثف بعدما أتمت قوات الاحتلال تدمير المقدرات الحكومية المادية، وذلك بهدف استكمال فصول الفوضى العارمة.

ويعتقد مصطفى إبراهيم، أن الاحتلال سيستمر في استهداف كل شخص أو جهة على علاقة بإعادة تسيير الحياة المدنية وتقديم الخدمات الحيوية، بهدف تعزيز الفوضى وضرب النسيج المجتمعي، إضافة إلى إزالة أي مظهر يشير إلى أن حركة حماس لا تزال عنوانًا للحكم وإدارة شؤون الحياة.

ويشير إلى أن إسرائيل "تمعن في هذه السياسة على مرأى من العالم وسمعه، والكل يدرك حجم هذه الجرائم التي تمثل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الذي يكفل توفير الحماية للأجهزة المدنية، التي تعمل على إنفاذ القانون وتوفير الخدمات للمدنيين".

بحسب مصطفى إبراهيم، فإن من أهداف خطة الاحتلال لإحداث الفوضى في غزة، دفع الغزيين تحت ضغط جرائم القتل والفوضى إلى تقبل ما سيكون عليه "اليوم التالي" للحرب من منظور إسرائيلي

ويؤكد مصطفى إبراهيم، أن هذا الاستهداف الموسع والمكثف والمتكرر، خاصة لجهاز الشرطة، أدى إلى شيوع ظواهر سلبية في المجتمع لم تكن معهودة قبل الحرب، ومنها جرائم الثأر والسطو المسلح والسرقة ونهب شاحنات المساعدات الإنسانية، وفوضى الأسعار في الأسواق.

ويضيف، أن أزمة البلديات جراء الاستهداف والحصار تسبّبت في انهيار الخدمات إلى حد كبير على صعيد المياه وشبكة الصرف الصحي وتكدس النفايات في الشوارع، وأدى ذلك لانتشار الأمراض والأوبئة.

وبحسب مصطفى إبراهيم، فإن من أهداف خطة الاحتلال لإحداث الفوضى في غزة وتعميق الأزمات الحياتية، خلق أزمة ثقة بين الناس والفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس، بصفتها الفصيل الأكبر ومن يحكم القطاع، ودفع الغزيين تحت ضغط جرائم القتل والفوضى إلى تقبل ما سيكون عليه "اليوم التالي" للحرب من منظور إسرائيلي.