07-أكتوبر-2018

"لم يمضِ على صعودي على عامود الكهرباء الحديدي دقيقة واحدة لتجهيز الكابلات ريثما تصل طواقم الشركة لوصلها رسميًا حتى أصابتني صعقة كهربائية شديدة على ارتفاع 6 أمتار، شعرت حينها أني طرت في الهواء قبل أن يرتطم رأسي بالأسفلت وهنا لم أعد أعي ما يدور من حولي". أفاق مؤمن جمال (28 عامًا) بعد ثلاثة أيام ليجد أجزاء من جسده ملفوفة بالشاش الأبيض، ثم أُبلِغَ فيما بعد أنه تعرض لكسر في الحوض، ونزيف في الرأس تسبب بتلاف بعض خلايا الدماغ.

مؤمن واحد من شبان غزيين امتهنوا تسلق أعمدة الكهرباء لوصل التيار، وهي المهنة التي باتت تُعرف في غزة بـ"مهنة الموت"، لكنها تجد من يُقبلون عليها في ظل أزمة الكهرباء التي يُعاني منها قطاع غزة منذ ما يزيد عن 12 سنة نتيجة الحصار الإسرائيلي.

شبان غزيون يمتهنون تسلق أعمدة الكهرباء لوصل التيار، ويُعرف ذلك بـ"مهنة الموت"، مقابل مبالغ مالية بسيطة

وعلى الرغم من عدم تخلص مؤمن بعْدُ من آثار الحادثة التي تعرض لها في العام 2013، إلا أنه عاود العمل لكن بعد أن أصبح "أكثر حذرًا ولا يخطو خطوة واحدة إلا باستخدام أدوات السلامة" كما يقول.

اقرأ/ي أيضًا: عمال نظافة بعربات في غزة.. لا حقوق ولا مقومات للسلامة

ويضيف، "أنا في الأصل كهربائي منازل ولكن لجأت إلى هذا العمل بسبب قلة الشغل، لو في شغل متوفر كان عمري ما فكرت أرمي حالي للموت علشان قروش. بتضل الأعمار بيد الله في النهاية".

ونفى مؤمن تقديمه المساعدة في وصل خطوط كهرباء غير شرعية، مبينًا أن عمله الآن ينحصر في وصل تمديدات الكهرباء من الماتورات العامة إلى منازل المواطنين والصيانة المنزلية.

وأحدثت أزمة الكهرباء أضرارًا كبيرة ومتواصلة على شبكة الكهرباء العامة، أنهكت الطواقم الفنية للشركة، ما دفع كثيرًا من المواطنين للتعامل مع هؤلاء الشبان لإصلاح هذه الأعطال.

مؤمن ليس الوحيد بين أفراد عائلته الذي دفع ثمن عمله في هذه المهنة، فشقيقه محمد (30 عامًا) صعقته الكهرباء أثناء صعوده على أحد أعمدة الكهرباء الحديدية وأسقطته من ارتفاع 4 أمتار، فأصيب إثر ذلك بكسورٍ خطيرةٍ في ظهره وذراعه اليمنى، ما اضطره للمكوث في فراش المرض عامًا كاملاً، ولا يزال يتلقى العلاج حتى الآن.

يقول محمد: "من وين أطعمي أولادي؟ ما في شغل ولا عمل، احنا مضطرين لهذا الشغل، وفي شباب كتير صارت تشتغل بهالشغلة، حتى أن بعضهم ليس لديه الخبرة الكافية للتعامل مع الكهرباء". يعمل محمد حاليًا في كهرباء المنازل لكسب رزق أطفاله، ويتجنب أي عمل قد يشكل خطرًا على حياته بعد الحادث المؤلم الذي تعرضه له.

حاولنا الحصول على إحصائية توثق عدد المصابين بين من يعملون في هذه المهنة، إلا أن وزارة الصحة، والدفاع المدني اعتذرا عن عدم توفرها.

لا يوجد إحصائيات لعدد المصابين نتيجة العمل في تسلق أعمدة الكهرباء ووصل التيار

حسان سعيد (35 عامًا) شاب ثالث امتهن هذه المهنة، يقول: "الناس بتتصل علينا لأنه الشركة بتتأخر عليهم في وصل خطوط الكهرباء بعد قصها بسبب التأخر في سداد الفاتورة، وبعد معالجة الموضوع تطلب الشركة من المواطن الانتظار لليوم الثاني لوصل الكيبل".

اقرأ/ي أيضًا: معلمات رياض الأطفال.. دوام طول العام والراتب فتات

ويضيف، "مرة النار ولعت في كيبل الكهرباء الممتد إلى منزل أحد المواطنين، وتأخر موظفي الشركة في الحضور ما جعل المنزل مهددًا بالحرق، لحظتها اتصل بي صاحب البيت وعلى الفور صعدت على عمود الكهرباء وفصلت الكيبل".

يعمل حسان في مهنة البناء "الطوبار"، لكن نظرًا لانعدام فرص العمل لجأ إلى هذه المهنة مستعينًا بما يقول إنها "خلفية جيدة لديه عززها عبر عمله على شبكة الكهرباء العامة خلال السنوات الماضية".

ويشير إلى أنه أصيب خلال عمله أكثر من ثلاث مرات بصعقات كهربائية، كادت إحداها أن تسقطه من أعلى أحد الأعمدة لولا حزام الأمان الذي كان يلفه حول وسطه، موضحًا أنه يتقاضى مبلغ 20 إلى 30 شيكل مقابل صعوده على عامود الكهرباء لإصلاح أي عطل أو تمديد أي كيبلات كهربائية.

ويتابع، "مرة الشركة مسكتني على عمود كهرباء وتم حجزي في مركز الشرطة، وبعد تعهدي بعدم الصعود مجددًا على أعمدة الكهرباء أفرجت عني في ذات اليوم".

شركة الكهرباء تعتبر هذه المهنة "تعديًا على شبكة الكهرباء العامة"، ويقول المتحدث باسمها محمد ثابت، إنها أصبحت "ثقافة عامة"، وهو يأسف لذلك، مبينًا أن "الشركة لا تستطيع مجابهة هذا السيل الكبير من الانتهاكات لوحدها".

شركة الكهرباء: التعدي على شبكة الكهرباء العامة أصبح ثقافة عامة والشرطة تكتفي بتوقيع تعهدات

ويضيف في حديث لـ الترا فلسطين، "نقوم بحملات توعية عبر وسائل الإعلام بشكل مستمر، لكن للأسف الانتهاكات مستمرة"، مبينًا أن بعض "التعديات" على الشبكات العامة تهدف إلى الحصول على مواد نحاسية لبيعها، أو سرقة التيار الكهربائي، أو مساعدة المواطنين في مد خطوط كهرباء غير شرعية.

وأوضح ثابت أن عمل الشبان في هذا المجال خطيرٌ جدًا، "فهم يفتقدون لأبسط قواعد الوقاية والسلامة، وليس لديهم دراية كاملة في التعامل مع الشبكة ومكوناتها".

ودعا ثابت إلى تطبيق قانون الكهرباء والعقوبات على من يتعدى على الشبكة، "إذ يصعب الوصول لحالة مميزة من انعدام التعدي على الشبكة دون ذلك"، معتبرًا أن الوضع السياسي والأوضاع المعيشية الصعبة وقفا عائقًا أمام تطبيق هذه القوانين "التي طالبنا مرارًا بتطبيقها" وفق قوله.

وعن الإجراءات التي يتم اتخاذها بحق العاملين في هذه المهنة، يُبين ثابت أنه في غالب الأمر لا يتم ضبطهم متلبسين، "وفي حال ضبطهم كذلك نرفع قضية في الشرطة التي تقوم باحتجازهم وإجبارهم على التوقيع على تعهد بعدم تكرار المخالفة".

وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تلجأ إلى التساهل معهم في بعض الأحيان لصعوبة الأوضاع والمعيشية، وتقوم بالإفراج عنهم خاصة بعد تدخل الوجهاء والمخاتير خاصة في ظل غياب تطبيق قانون الكهرباء.

يُشار إلى أن قطاع غزة يعاني حاليًا إحدى أصعب مراحل أزمة الكهرباء منذ بدايتها، إذ يجري العمل وفق برنامج 4 ساعات وصل فقط، وقد بادرت قطر إلى التكفل بدفع الوقود الخاص بالتيار الكهربائي لإتاحة العودة لجدول 8 ساعات، إلا أن مصادر في حماس، ومصادر إسرائيلية، أكدت أن الرئاسة منعت تنفيذ ذلك، بعد أن هددت الشركة الإسرائيلية بوقف التعامل معها إذا قبلت بالمبادرة القطرية، وهددت موظفي شركة الكهرباء بمعاقبتهم في حال شاركوا في ذلك، وفق ما أفادت به المصادر.


اقرأ/ي أيضًا:

في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط

فيديو | عمال بلا تصاريح.. الروح على الكف

معلمو المدارس الخاصة: أداة في ماكينة استثمارية