ظهر إلى السطح خلال الأسابيع الأخيرة، توجهٌ لدى المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين بتوجيه التهديدات وأصابع الاتهام ضد المستوطنين الإسرائيليين، والعنف الذي يمارسونه ضد الفلسطينيين.
وكان جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي قد قال، في وقت سابق، إنه سيقترح على حكوماته فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون أعمال عنف، كما أن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أعلنت أن باريس تدرس فرض عقوبات خاصة بها على المستوطنين.
ترفض الدول الغربية برامج الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان.
وأبدت بعض دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الولايات المتحدة دعمها لفرض عقوبات على المستوطنين العنيفين، من بينها ألمانيا، التي تعد واحدة من أكثر الدول الداعمة للاحتلال، رغم أن هذه الدول منحت الضوء الأخضر وعبرت عن انحيازها التام للاحتلال في حرب إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة.
هذه الخطوات تطرح تساؤلًا حول النوايا والدوافع لهذا الموقف المختلف، إذ لا زالت بعض هذه الدول ثابتة في موقفها بعدم إدانة الاستيطان غير القانوني، وإن كانت هذه القرارات هي محاولة لحمل العصا من النصف، وادعاء الحيادية في التعاطي مع ملف "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
أكد الخبير في القانون الدولي رائد أبو بدوية أن هذه المواقف والقرارات الصادرة عن بعض الدول الأوروبية ضد المستوطنين تسبق تاريخ السابع من أكتوبر، حيث أنه ومنذ تشكيل الحكومة اليمينية في "إسرائيل"، ومواقف الدول الغربية وتحديدًا الولايات المتحدة كانت واضحة برفضها برامج الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة.
وأوضح بدوية في حوار مع "الترا فلسطين"، أن خطط هذه الحكومة وتحديدًا الصادرة عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتيش مرفوضة من الدول الغربية، إذ أن لديه خطة تعود إلى العام 2017 ومنشورة علنًا بعنوان "حسم الصراع"، يعبر فيها عن رؤيته لمستقبل "الصراع"، ويظهر فيها المطامع الحقيقية للإسرائيليين وتحديدًا اليمين في الضفة الغربية.
وأبرز تفاصيل خطة سموترتيش أن الصراع يمر بأربعة مراحل، أولاً مرحلة خلق فوضى في الضفة الغربية، وثانيًا تقويض وإنهاء السلطة الفلسطينية، وثالثًا محاربة الحركة الوطنية الفلسطينية، ورابعًا تخيير الفلسطينيين في الضفة بأن من يريد أن يبقى مواطن درجة ثانية يبقى، ومن لا يريد يرحل، ومن لا يريد هذا أو ذاك يتم إنهاء حياته بالقوة العسكرية.
وتابع أبو بدوية أن هناك أيضًا مشروع التسليح الذي يقوم عليها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير والذي زادت حدته بعد 7 أكتوبر، عدا عن تخصيص موازنات جديدة وزياداتها فيما يتعلق بملف الاستيطان.
وبحسب رائد أبو بدوية فإن الحكومة التي شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبنت معظم خطوط هذه الخطة فيما يتعلق بالضفة الغربية، ومنذ تسلم سموترتش منصب وزير بداخل وزارة الحرب، إضافة إلى وزارة المالية، وتسلم بن غفير وزارة "الأمن القومي"، فهما ينفذان مخططات يمينية في الضفة الغربية.
الولايات المتحدة تنظر إلى الخطط اليمينية المتطرفة بأنها تهديد لرؤيتها السياسية للحل في الضفة الغربية، ولوجود السلطة الفلسطينية.
ولكن ما جرى بعد 7 أكتوبر زاد من حدة نهج الاستيطان، وبهذا يقول أبو بدوية إن "المستوطنين وتحديدًا أحزاب اليمين زادت نشاطها أكثر، واستغلت 7 أكتوبر، لدرجة أن عدد المهجرين داخليُا في الضفة الغربية وصل إلى أكثر من ألف فلسطيني خلال الأسابيع الماضية، نتيجة لاعتداءات المستوطنين وتحديدًا في مناطق ج، إضافة للاعتداءات الجسدية".
وتابع أن "كل هذا جرى بعد عملية طوفان الأقصى، حيث أن كل العالم مشغول بما يجري في غزة، وهذا كان وقت مناسب للمستوطنين ووزرائهم في الضفة الغربية".
وأردف بأن بنيامين نتنياهو ضعيف أمام هذه الأحزاب، وبالرغم من المطالبات الغربية له بلجم المستوطنين إلا أنه غير قادر لأسباب سياسية عدة متعلقة ببقائه في الحكم ، خاصة بعد السابع من أكتوبر، لأنه في حال خروج اليمين من حكومته فقد "انهار سياسيًا"، وبالتالي، بحسب بدوية، فإن نتنياهو يغض الطرف عن هذه السياسات.
وأمام هذا المشهد، صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل مباشر وعلني عبر وسائل الإعلام يطالب نتنياهو بتشكيل حكومة مختلفة.
ويرى بدوية أن هذه المطالبات قد تحقق "نتيجة" لأن الغرب والولايات المتحدة تنظر إلى الخطط اليمينية المتطرفة بأنها تهديد لرؤيتها السياسية للحل في الضفة الغربية من جانب، وتهديد لبقاء السلطة الفلسطينية وتساهم في إضعافها أكثر من جانب آخر، "وهذه ليست مصلحة لا أمريكية ولا أوروبية"، مضيفًا أنه من مصلحة واشنطن وأوروبا وجود السلطة، ليس كدولة، ولكن بشكلها الحالي مع بعض الإصلاحات والقليل من التأهيل والتحديثات.
كما أن التخوفات الإقليمية تساهم أيضًا في التوجه الأوروبي والأمريكي في إدانة المستوطنين، مثل مخاوف الأردن من التهجير ونوايا اليمين الإسرائيلي بهذا الخصوص، إذ أن واشنطن وأوروبا تأخذ هذه المخاوف الإقليمية بعين الاعتبار، حيث أن فكرة واقع جديد في الضفة الغربية يعني أن الصراع مستمر وربما تزيد حدته.
