18-يوليو-2019

ليس من الواضح تمامًا إن كان هذا الهوَس لدى الكثير من ناجحي امتحانات الثانويّة العامّة وأهاليهم بالاحتفال والتعبير المفرط عن الفرح، ناتجٌ عن نجاح الطالب وتأهله لمرحلةٍ جديدةٍ بعد اثني عشر عامًا من التعليم المدرسيّ، أم أن زوال الضغوط النفسيّة والعصبيّة على الطالب وأفراد أسرته يشكلان مبرّرًا أكبر لهذه الاحتفالات الصاخبة، لكن المؤكّد أن عبئًا كبيرًا قد أُزيح عن الطالب وذويه.

تتجه أنظار أبنائنا نحو أفق الفرص الآخذ بالضيق عامًا بعد عام

وتتجه أنظار أبنائنا نحو أفق الفرص الآخذ بالضيق عامًا بعد عام، ليكونوا على مفترق طرقٍ سيضطرون فيه لاختيار إحدى المسارات واللحاق بقطار تسجيل الجامعات قبل أن يفوتهم، بعد أن يتمكنوا سالمين من اجتياز دوامة الصراع بين رغبات قلوبهم وضغوطات أهلهم ونظرة مجتمعهم ومدى قبول الجامعات لدرجاتهم وأسعار الرسوم الجامعيّة الآخذة بالارتفاع، دون أن يكونوا قد تلقوا توجيهًا مهنيًا كافيًا في حياتهم لعبور تلك الدوّامة.

وعدم استقرار الوضع في فلسطين وشُحّ فرص العمل وتدنّي الرواتب وغلاء المعيشة الناتج عن الاحتلالات المتكرّرة التي امتصّت الأرض وخيراتها منذ ما يزيد على قرنٍ من الزمن، أصاب الأهالي بحرصٍ وقلقٍ دائمين على مستقبل أبنائهم، وجعلهم دائمي التدخّل في قرارات حياتهم الأكاديميّة، مع مُراعاة نظرات المجتمع الكلاسيكيّة حول عددٍ من التخصصات التي بهت بريقها وتغيّرت مكانتها الفعليّة في سوق العمل المعاصر.

عِلل أساليب التدريس والمناهج المتراكمة أنتجت لنا طُلابًا للعلامات وليس للعلم

وعِلل أساليب التدريس والمناهج المتراكمة أنتجت لنا طُلابًا للعلامات وليس للعلم، فأصبح هدف الطالب هو الحصول على درجةٍ تؤهله لدراسة التخصص الذي يُرضي ذويه دون الاهتمام بالتحصيل العلميّ المُكتسب من المرحلة الدراسيّة وما سيأتي بعدها، وأصبح سوق العمل مليئًا بالمتعلمين حاملي الشهادات، لكن شبه خالٍ من العارفين، خصوصًا أن نظام قبول الجامعات للطلبة يعتمد على المجموع الشامل في امتحانات الثانويّة العامة بشكلٍ رئيسيٍ وحصريٍ أحيانَا.

فلا تُرسلوا أبناءكم للجامعات ليصبحوا موظفين ومحامين ومهندسين وأطباء، بل علموهم أن يكونوا بشرًا قبل كلّ شيء، وأن ذهابهم للجامعة يعني أن يطوروا من أنفسهم ليكونوا أشخاصًا أفضل، لا أن يحصلوا على وظيفة، ولا تحاسبوهم على علامةٍ ناقصة أو تقصيرٍ في امتحاناتهم اليوم، بل حاسبوهم وحاسبوا أنفسكم غدًا عندما يصبحون أطباء مُقصّرين بحقّ مرضاهم، ومسؤولين مُرتشين وفاسدين، ومُحامين ماكرين وكاذبين، واجعلوهم يطاردون وراء القناعة والرضا بدل المال، ويبحثون عن السمعة الحسنة بدل الشهرة والأضواء، وذكّروهم أن ورش البناء ومحطات الوقود والمصانع والمقالع والمقاهي مليئةٌ بأطباءٍ وجرّاحين ومهندسين وفنّانين ومخترعين ومُفكّرين وُلدوا في زمانٍ ليس لهم.


اقرأ/ي أيضًا: 

انترنت الفقراء.. الاتصالات والاحتكار مجددًا

إعلام وزارة وليس إعلام وزير

سقوط مدوٍ للتعليم القانوني في تعيين قضاة