03-مارس-2021

Getty

اعتبر ناشطون ومؤسسات المجتمع المدني أن مصادقة الرئيس محمود عباس على قرار بقانون بشأن تعديل قانون الجمعيات، من شأنه إحكام الخناق على الجمعيات والمؤسسات من قبل السلطة التنفيذية، سيقود إلى التدخل في تفاصيل عملها، الأمر الذي يسهّل حلّها وإنهاء عملها.

يعتبر حقوقيون أن التعديلات ستقود إلى تدخل السلطة التنفيذية للتدخل في عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية

ونشرت "جريدة الوقائع الفلسطينية" في عددها الأخير يوم أمس الثلاثاء، قرارًا بقانون رقم (7) لسنة 2021 بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000. والقرار بقانون الذي صادق عليه الرئيس محمود عباس جاء في 8 مواد، ويفرض على الجمعيات والهيئات أن تقدّم تقارير مالية وميزانيات مدققة بشكل سنوي ووفق مواعيد محددة تتضمن كافة المصاريف والإيرادات إلى الوزارة المختصة، وأن تقدّم أيضًا تقارير مفصلة بالأنشطة التي قامت بها طوال العام.

وبحسب القانون المنشور فإن رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية في الجمعية أو الهيئة يجب أن لا تزيد عن 25% من إجمالي الموازنة السنوية، عدا عن الإشارة في إحدى المواد لآلية تصفية الجمعية أو الهيئة، وحرية التصرف في أموالها إما لخزينة دولة فلسطين أو لجمعية أو هيئة مشابهة لها في فلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: قانون الجريمة الإلكترونية: الأخ الأكبر يراقبك!

يرى القاضي فاتح حمارشة أمين سر "جمعية نادي القضاة" أن الهدف من هذا التعديل هو إحكام الخناق على المجتمع المدني وتحويله إلى دوائر تتبع الوزارات، وتتماشى مع خططها تحت تهديد الحل ومصادرة أموالها أو تحويلها للخزينة العامة.

فاتح حمارشة

وأكد حمارشة في حديثه لـ"الترا فلسطين" على أن القرار بقانون يتعارض مع حقّ تشكيل الجمعيات كحق دستوري، ومع الغاية من تشكيل هذه الجمعيات وهي تحقيق رقابة مجتمعية على أداء القطاع العام. وأضاف أن تخصيص رُبع الموازنة (25%) للنفقات التشغيلية والرواتب غير كاف، ومن شأنه تسريح عدد كبير من موظفي الجمعيات من عملهم، وهي إشكالية حقيقية.

   حمارشة: الهدف من هذا التعديل هو إحكام الخناق على المجتمع المدني وتحويله إلى دوائر تتبع الوزارات    

لكن، وفق حمارشة، يجب أن لا يكون التحرّك ضد هذا القانون مقتصرًا على هذه النقطة فقط، لأن الهم يجب أن يكون استقلاليّة الجمعيات، لا الرّاتب.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين التي أفسدها المديح

عصام العاروري

من جهته، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري، إن تعديل القانون هو حلقة من حلقات سلسلة إحكام القبضة على كل مراكز القرار في المجتمع، وذلك بعد السيطرة على المجلس التشريعي بحلّه، والسيطرة على القضاء، وحل الاتحادات، وتجويع الأحزاب.

   عصام العاروري: محاولات لإسكات أي صوت     

وأكد العاروري في حديثه لـ"الترا فلسطين" أن هناك محاولات لإسكات أي صوت، في حين أن حوارات القاهرة دعت إلى إنجاز ملف الحريات، ولكن هذا التعديل على القانون يأتي في إطار خنق الحريات والتعدي عليها، معتبرًا أنّ التعديل يحوّل الجمعيات إلى أقسام تابعة للوزارات، وتعمل حسب أمزجتها وبرامجها. 

وأضاف: يريدون إلزامنا بالحصول على موافقات مسبقة قبل تنفيذ أي من برامجنا، وهذا أمر في منتهى الخطورة ويهدد بضرب أحد أهم منجزات الشعب الفلسطيني. 

عمّار جاموس

ويرى الباحث القانوني في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار جاموس أن هذا التعديل جاء إثر القرارات بقانون المتعلقة بالشأن القضائي، وعلى إثر قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي، أي أنهم بعد حل المجلس التشريعي وبعد الانتهاء من السلطة القضائية وحلها، جاء الدور على الجمعات والهيئات الخيرية.

   جاموس: قانون ينتقص من استقلالية الجمعيات ويحد من حريتها في ممارسة أنشطتها  

وأضاف في حديثه مع "الترا فلسطين" أن التعديل ينتقص من استقلالية هذه الجمعيات والهيئات، ويحد من حريتها في ممارسة أنشطتها، ويمس بالحق الذي كفله القانون الأساسي في تشكيل الجمعيات والاتحادات.

وأكد أن هذه التعديلات تجعل الجمعيات مجرد دوائر تابعة للوزارات ودوائر ملحقة بمجلس الوزراء، لأن الخطة السنوية والأنشطة التي تنفذها الجمعات والمؤسسات الأهلية يجب أن تكون منسجمة مع خطط وزارة الاختصاص، فمثلًا الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان وزارة الاختصاص لها هي وزارة العدل، والجمعيات المعنية بالزراعة وزارة الاختصاص لها وزارة الزراعة. وهذا يعني أن هذه الجمعيات أصبحت منفذة لأوامر السلطة التنفيذية وخططها، وملزمة بقرارات وزارات الاختصاص، ما يعني الحد من حرية واستقلالية الجمعيات. 

عصام عابدين

أما عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق فوصف التعديل بأنه "ذبح للمؤسسات الأهلية ومحاكاة للنموذج المصري". وقال في منشور عبر صفحته في "فيسبوك" إن القرار بقانون يشكل عدوانًا سافرًا على الحق الأساسي للناس في تكوين الجمعيات المكفول في القانون الأساسي الفلسطيني، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأضاف أن هذا القانون يُحيل مؤسسات المجتمع المدني إلى مؤسسات تابعة للسلطة التنفيذية تتلقى الأوامر منها وتنفذ تعليماتها في خططها وبرامجها وموازناتها المالية، ومن شأنه أن يُحطّم مؤسسات عريقة استثمرت سنوات في بناء كوادرها الوطنية.

  عابدين: القانون يُحيل مؤسسات المجتمع المدني إلى مؤسسات تابعة للسلطة التنفيذية، وتنفذ أوامرها   

وأكد أن هذه التعديلات تمنح مجلس الوزراء ووزارة الداخلية سلطات واسعة للتحكم في شروط وأحكام المساعدات غير المشروطة والتبرعات بنظام يصدر عن مجلس الوزراء، وينص على نظام آخر للجباية المالية، التي يجب أن تدفعها المؤسسات الأهلية في تعاملاتها مع وزارة الداخلية القائمة أساسًا على انتهاك الأخيرة (وزارة الداخلية) للدستور والقانون والمعايير الدولية.

ووفق عابدين فإن القرار بقانون يمنح وزارة الداخلية صلاحيات لتصفية المؤسسات الأهلية وإحالة أموالها إلى الخزينة العامة.

ماجد العاروري

ورأى ماجد العاروري الإعلامي المختص بقضايا حقوق الإنسان والشأن القضائي، أن القرار بقانون المتعلق بالجمعيات الخيرية، والذي صدر قبل شهرين فقط من انتخابات المجلس التشريعي لا يتعدى كونه عقابًا لمؤسسات المجتمع المدني على مواقفها المتعلقة بالقرارات بقانون، وتلك المنتقدة لسياسات الحكومة تجاه التلاعب في توزيع اللقاحات.

   ماجد العاروري:  تعبير عن الفشل الرسمي في إدارة الشأن الفلسطيني    

وأضاف أن هذا يندرج في إطار سياسة العقاب المالي للجمعيات لتلقينها درسًا في حال انتقادها النظام السياسي الفلسطيني، واعتبر أن القرار "غير قابل للحياة"، لأن أول نتائج تطبيقه ستفضي إلى إلقاء ما يزيد عن 20 ألف موظف  وموظفة من العاملين والعاملات في المؤسسات الأهلية على قارعة الطريق.

واعتبر أنه قرار يعبّر عن حالة الفشل الرسمي في إدارة الشأن الفلسطيني، وأن أي محاولة لترويجه كقرار بقانون لتعزيز الحكم الرشيد هي محاولات جوفاء، ولا تخفي الأسباب العقابية التي تقف خلف القرار.

وأعلنت مؤسسات المجتمع المدني "رفضها المطلق" للقرار بقانون، مؤكدة أنه تمت صياغته بسرية وفي غرف مغلقة، ويتناقض مع قرارات حوارات القاهرة التي دعت الى إطلاق الحريات العامة وتهيئة البيئة الداخلية لإنجاح الانتخابات، كون القانون يحد من حق التجمع والتنظيم وحق ممارسة الأنشطة المستقلة عن الوزارات والسلطة التنفيذية.

مؤسسات المجتمع المدني: التعديلات "تتماهى مع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المؤسسات الأهلية من قبل إسرائيل

وقالت، إن القرار بقانون يحول المؤسسات الأهلية الى فروع تابعة للوزارات، التي سوف تصادر أدوار مجالس إدارات المؤسسات الأهلية (..) وهو يعني أن السلطة التنفيذية باتت تتحكم بالموازنات المالية للمؤسسات الأهلية وبنودها وكيفية توزيعها وسقوفها من إجمالي الموازنة ومقدار المصاريف.

واعتبرت أن التعديلات "تتماهى مع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المؤسسات الأهلية من قبل إسرائيل".


اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا يريد مروان البرغوثي الترشح لرئاسة السلطة؟

ناصر القدوة يعلن تشكيل "مُلتقى فلسطيني" وخوض الانتخابات

كيف نمت أرباح شركات التأمين في عام كورونا المتدهور اقتصاديًا؟