في تمام الساعة الثامنة من صباح الثالث من آذار/مارس الجاري، فوجئ العاملون في فندق "ميلينيوم"، أحد أشهر وأفخم الفنادق في رام الله، بجثة أحد زملائهم ممددة في ساحته الرئيسة، كانت مضرجة بالدماء، فيما أظهرت التفاصيل الأولية أن "السفرجي" رائد غروف هوى من الطابق السادس.
المتحدث باسم الشرطة لؤي زريقات، سارع إلى التأكيد بأن الشرطة فتحت تحقيقًا في الحادثة، ونقلت الجثة إلى الطب الشرعي في أبو ديس لمعرفة سبب الوفاة، بينما أجرت النيابة العامة كشفًا على موقع الجثة واستجوبت بعض الشهود وجمعت الأدلة والبيّنات المختلفة.
رائد غروف معروف في محيطه بحسن خلقه، تؤكد التحقيقات الأولية أنه تم مسح تسجيلات كاميرات المراقبة التي تلتقط موقع قتله
ألقت الحادثة بظلال قاتمة على أريحا مسقط رأس الضحية العشريني، المعروف بين محيطه بحسن خلقه ودماثة صفاته، وعمت أجواء الحزن والحداد والمظاهرات الغاضبة أرجاء المدينة، بينما رفضت عائلة "غروف" الرواية الأولية التي تحدثت عن انتحار ابنها.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تدحرجت قضية المهندسة نيفين وصولاً لقتلها؟
تقول مصادر من داخل الفندق إن التحقيقات الأولية أظهرت أنه جرى مسح تسجيل كاميرا المراقبة التي تلتقط موقع القتل، وهو ما عزز الشكوك لدى العائلة. فيما دعت محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام عشيرة "غروف" إلى ضبط النفس وتحكيم العقل، مؤكدة أن العمل جار من قبل الأجهزة الأمنية والنيابة لمعرفة أسباب وفاة نجلهم.
وليد غروف، والد الشاب المغدور رائد، تحدث عن تلقي العائلة للخبر، فقال: "في تمام الساعة 8:30 صباحًا اتصل عليّ أحد أقاربي الذي يعمل في الفندق وأخبرني أن إبني على خلاف مع موظف آخر، وطلب حضوري على الفور برفقة عدد من وجهاء العائلة".
فور وصولها الفندق، علمت العائلة بأن نجلها ألقى بنفسه من الطابق السادس. يقول غروف: "وقع الخبر علينا كالصاعقة ولم نصدقه بتاتًا، عدنا أدراجنا إلى أريحا والحسرة تملأ قلوبنا بعد إبلاغنا أنه جرى التحفظ على الجثة لمعاينتها من طرف الطبيب الشرعي في أبو ديس". وفي ساعات المساء، أبلغ الأمن عائلة غروف، أن المؤشرات الأولية تُظهر تعرض رائد لعملية قتل مدبرة.
يعلق غروف: "كانت شكوكنا في محلها، فرائد يخاف الله ويستحيل أن يقدم على الانتحار، ومما زاد في حيرتنا تعرضه لعملية قتل مدبرة رغم أنه لا توجد لديه أي عداوة أو خلاف مع أحد".
في اليوم التالي، وصلت جثة رائد إلى العائلة فرفضت استلامها، وأرجعتها لمركز الطب الشرعي لحين معرفة الفاعلين. وبعد ثلاثة أيام، حضرت جاهة عشائرية من رام الله، وأبلغت العائلة بأسماء ثلاثة شبان متهمين بعملية القتل، هم: عادل صرصور من مخيم الأمعري، عز الدين البرغوثي من قرية دير أبو مشعل، أمير ناجي من بيتونيا.
جاهة عشائرية أبلغت عائلة غروف أن هناك ثلاثة متهمين بقتل ابنهم، أحدهم من مخيم الأمعري، والثاني من دير أبو مشعل، والثالث من بيتونيا
توصلت الجاهة إلى اتفاق مع عائلة "غروف" على دفع دية مالية مقدارها 100 ألف دينار، على أن يتبعها دفع 150 ألف دينار خلال شهرين. يؤكد والد الضحية لـ الترا فلسطين أن هذه الدية لا تعني العفو عن القاتلين، مطالبًا "بتحكيم شرع الله الذي ينص على أن القاتل يقتل". وتابع: "نريد معرفة الأسباب الحقيقية لارتكاب هذه الجريمة".
اقرأ/ي أيضًا: نشطاء: كيف نصدق كل هذه الثغرات في رواية قتل نيفين؟
إسلام غروف، مسؤول قسم الطعام في الفندق وقريب المغدور، أكد أن رائد الذي يعمل معه في نفس القسم، لم تكن له أي مشاكل سابقة مع أحد، سواء من العاملين في الفندق أو النزلاء.
ويستدرك قائلاً: "قبل شهرين من الجريمة وقعت إشكالية بسيطة بين رائد وعادل صرصور، وهو أحد عمال النظافة في الفندق، وأحد المتهمين بعملية القتل. المشكلة كانت صغيرة وانتهت في أرضها كما يقولون، وبعد فترة فصلت إدارة الفندق صرصور من عمله لأسباب فنية مرتبطة بعدم التزامه بشفتات الدوام".
ويبين غروف لـ الترا فلسطين أن الأمن استجوب 18 موظفًا في الفندق بعد الجريمة، ما بين عامل أمن ونظافة وطباخين وسفرجية، "وخلال التحقيقات اعترف الجناة بارتكابهم الجريمة التي لا نعرف أسبابها الحقيقية حتى هذه اللحظة" وفق قوله.
وعد النائب العام بإصدار بيان بعد أن تتضح الصورة الكاملة لما حدث. لكن ما يحدث الآن، أن النيابة تتحفظ على مجريات التحقيق، وترفض إطلاع محامي العائلة على تفاصيل الملف وحيثياته، كما تمنع تصويره، وقد أصدرت قرارًا غير قابل للطعن لضمان ذلك، ما عزّز مخاوف العائلة من "التستر على الفاعلين الحقيقيين، أو الموجهين لارتكاب الجريمة، أو الأسباب التي دفعت الجناة لارتكابها".
تتخوف عائلة غروف من أن يؤدي حظر النشر إلى التستر على الفاعلين الحقيقيين أو الموجهين لقتل ابنها، أو أسباب قتله
في حين تؤكد النيابة العامة أن التحقيقات لا تزال في بدايتها، وأنها ستُعلن عن النتائج فور الانتهاء من التحقيق، وتتعهد بأنها "لن تتوانى عن ملاحقة الجرائم المرتكبة في ظل سيادة القانون الحاضن الطبيعي لدولة المؤسسات بإطار الجهود المشتركة للمؤسسة الأمنية، التي تميزت بكفاءة الأداء ومهنية العطاء".
لكن محامي عائلة غروف محمد الهريني، يشدد على أن عدم تزويدهم بتفاصيل الجريمة وإطلاعهم على إفادات المشتبهين الثلاثة، يجعل العائلة في حالة عدم استقرار نفسي ويعزز لديها الكثير من التخوفات والهواجس.
اقرأ/ي أيضًا: فضيحة المهندسة أم هندسة الفضيحة؟
ويقول الهريني: "للأسف عدم تمكين المحامي من الإطلاع على الملف خلق الكثير من التكهنات والمعلومات المتضاربة والإشاعات عن الجناة والأسباب الحقيقية لارتكابهم الجريمة، كما لا تزال الكثير من الأسئلة معلقة بلا إجابة، على سبيل المثال هل تم إلقاء القبض على جميع الجناة؟ (...) لو أن النائب العام التزم بالقانون لتبددت كل هذه الإشاعات والمخاوف".
ولفت محامي العائلة إلى أن المادة 62 من قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2001 تعطي المحامي حق الاطلاع على سير التحقيق أولاً بأول، والنقطة التي وصل إليها، مؤكدًا أنه لا توجد أي جهة رقابية على أعمال النيابة العامة.
محامي عائلة غروف: أسباب النيابة لحجب المعلومات غير منطقية، والحجب أسهم في زيادة انتشار الشائعات
وأفاد الهريني لـ الترا فلسطين بأن الأسباب التي ساقتها النيابة لحجب المعلومات هي أسباب غير منطقية، مضيفًا أن عائلة المغدور التي وقع عليها الاعتداء من حقها الحصول على كافة التفاصيل.
ويشدد الهريني على موقف العائلة بأن العطوة العشائرية التي عُقدت بعد وقوع الجريمة لا تعني إسقاط الحقوق، "وهي لتهدئة النفوس فقط وعدم التعرض لعوائل المتهمين الثلاثة، ولا تشمل الجناة بالمطلق".
وطالب الهريني بإيقاع أقصى العقوبة على الجناة في حال ثبت تورطهم في الجريمة، "لأنهم حاولوا طمس الحقيقة والإيهام بأن الأمر تم بعد انتحار، فلولا تدخل الأجهزة الأمنية لسُجلت الحادثة ضد مجهول" وفق قوله.
اقرأ/ي أيضًا: