03-أغسطس-2017

صورة تعبيرية - (Getty)

هل تعرفون أن للصيف مربعانية مثل فصل الشتاء؟ يتفق الفصلان في هذا الجانب، لكنهما يختلفان في تعدد تقسيمات الشتاء، أما الصيف، فبعد أربعينيته تأتي الخمسينية، فيكتمل الفصل 90 يومًا، وهذا هو موسم القيظ. والقيظ لغة هو صميمُ الصيف، وشِدَّة الحَرّ. ويقولون قاظَ النَّهَارُ: إذا اِشْتَدَّ حَرُّهُ، ومنه قاظ القومُ بالمكان: أقاموا به زمن القيْظ، أي زمن الحرّ .

وموسم القيظ في فلسطين يبدأ من منتصف شهر تموز تقريبًا، وتموز المعروف شعبيًا باسم "سَلاق العَجِر" وبه تبدأ المربعانية من 10 تموز حتى 19 آب، ثم تليها الخمسينية. ومن حر هذا الشهر قالوا: "في تموز بتغلى الميه في الكوز"، ثم يتبعه شهر آب وهو أيضًا من الأشهر شديدة الحر، وعنه قالوا: "آب اللهاب"، وقولهم "آب طباخ العنب والتين"، أي ينضج الثمار بحرارته.

يبدأ موسم القيظ في فلسطين منتصف شهر تموز بموجة حر تُسمى "الصيف الأحمر" لشدة حرها، وهذه لا بد منها لإنضاج الثمار، وتحديدًا العنب والتين

ويبدأ موسم القيظ بموجة حر تُسمى "الصيف الأحمر" لشدة حرّها، كما نقول "جنهم الحمرا"، وهذه الموجة الحارة لا بُد منها لإنضاج الثمار "العَجِر" وتحديدًا العنب والتين. فتموز كما يقولون "شهر العنب والتين" .

اقرأ/ي أيضًا: أبو قاسم وحريمه في الموروث الشعبي

والفلاحون جعلوا اسم القيظ مرتبطًا بالتين والعنب بشكل أساسي، وبثمار هذا الموسم الأخرى بصورة أقل، مثل الصبر والبرقوق والخوخ والدّراق والتفاح والأجاص، وبعض الخضار والمقاثي. وصارت كلمة قيظ مرتبطة بالثمار التي يُعزّب الفلاح في كرومه لأجل جنيها . ويقولون: "فلان قيّظ في كرمه" إذا أمضى موسم القيظ فيه .

التعزيب في موسم القيظ

 ما إن يهل موسم القيظ في الصيف، حتى يُسارع الفلاحون للانتقال خارج بيوتهم في القرى والأرياف للعيش في الكروم والحقول، فيتركون القرى بعد الانتهاء من موسم حصاد القمح، للعيش في كرومهم وبساتينهم المزروعة بالعنب والتين واللوز، ويبيتون هناك في قصور ونواطير وعرائش يتم بناؤها لأجل هذا الموسم، ويصطحبون معهم دوابهم ودواجنهم ويمكثون هناك حتى شتوة المساطيح وانتهاء فصل الصيف.

ويبدأ موسم التعزيب مع بدء نضج الثمار، "وأول الثمار بطوّل الأعمار" على رأي المثل، ولذا يُسارعون للتعزيب مُبكرًا وعدم إضاعة ثمار أول الموسم، ويقولون للتشجيع في التبكير في التعزيب: "أكلت من أول الثمار ريتني من طويلين الأعمار" .

وقد عرف فلاحو بلادنا نوعين من التعزيب في العام الفلاحي، وهما تعزيب الشتاء في الغور، وتعزيب الصيف في الكروم. وهذا العِزب مؤقت سُرعان ما ينتهي باقتراب فصل الخريف، وانتهاء موسم العنب والتين، فيجمعُ الفلاحون أمتعتهم  ليعودوا إلى بيوتهم في القرى تاركين عرائشهم ونواطيرهم للموسم التالي.

 وهذه الأبنية التي ينزل بها الفلاحون أثناء موسم القيظ لها تسميات عدة، فمنهم من يقول عنها "القصر"، وجمعها قصور لأنها تُبنى كالقصر منفردة في الأرض. أو "الناطور" وجمعها نواطير، لأنها تأوي الرجل الذي يَنطر "يحرس" الثمار في الكروم، وهناك من يُسميها "العريشة" وجمعها عرائش، لأنها تبنى بطريقة تعريش الأغصان على بعضها البعض.

وهناك من يبني خربوش أو سقيفة مؤقتة لهذا الموسم، وفي المثل: "اسقيفه إلك ولا قصر لغيرك"، وهي أبنية أو بيوت أو عرائش صغيره، ذلك أن الرجال غالبًا ما يبيتون على المساطيح أو تحت الشجر، بعد سمر وسهر طويلين، ويعبرون عن ذلك بقولهم: "بساط الصيف وَساع"، بمعنى أن الناس في الصيف يستطيعون الجلوس أو النوم ليلاً على الأرض وخارج البيوت وتحت الشجر وبأي مكان دون قلق .

 وحين يكون موسم الثمار ضعيفًا أو يكون أصحاب الكرم مُنشغلين ببعض فلاحتهم في القرى فإنهم يضطرون لإرسال نواطير لحراسة ثمار التين والعنب، وغالبًا ما يكونون من الأطفال.

قوت الفلاحين في موسم القيظ

ويكون قوت الفلاحين في موسم القيظ من ثمار الأرض وخيراتها، إذ يعتمدون بشكل أساسي على ما يجنون من ثمار. وفي المثل الشعبي: "في القيض كل القيض وإلحقة في البيض". بمعنى كُل من ثمار الموسم من عنب وتين وصبر وغيره، وقولهم: "طل العنب والتين بطلوا العجين"، "في أيام التين فش عجين" وذلك للتعبير عن الاكتفاء بالثمار دون الحاجة للخبز، إذ أن الاعتقاد السائد بأن التين "القطين" يغني عن الطعام، وتحديدًا عندما يخلط بالطحين والسكر والزيت، وهي الأكلة المعروفة بـ"البسيسة".  ومثله: " طل البطيخ بطلوا طبيخ "، وعن ثمار الصبر "في تموز بصير الصبر قد الكوز"، و"بعشرين آب اقطف العنب ولا تهاب"، وعن أكل الثمار "كلها عجرة ولا غيرك يوكلها مستوية" .

يعتبر موسم القيظ موسم نقاهة و"شمة هوا" للفلاحين، وفيه تبدأ النسوة بالخطبة لأولادهن، وهو فرصة لرؤية الفتيات أثناء نطر المساطيح

وموسم العنب والتين "القيظ" من أجمل المواسم الفلسطينية، حيث يُعتبر موسم نقاهة "وشمّة هوا"  للفلاحين، مقارنة بغيره من المواسم الزراعية، وفيه تبدأ النسوة بالخطبة لأولادهن وترتيب الزواج والفرح بهم. وفي هذه الموسم فرصة لرؤية الفتيات أثناء نطر المساطيح، ورؤية الفتاة التي يطمح الشباب للزواج بها. وفي ذلك قالوا:

سقا الله أيام العنب والتين .. يوم الحلوة تصير تلاقيني

ومن قولهم:

تين مشطب ع الندى .. ما حدا يطعم حدا

تين مشطب تشطيبه .. الواحد يطعم حبيبه

والقيظ أيضًا موسم خزين للشتاء، إذ يتم جمع التين والعنب وتذبيله على المُسطاح لعمل القطين والزبيب، وهما من مونة فصل الشتاء. كما أن هذا الموسم هو فسحة للأطفال ليمارسوا هواياتهم المفضلة في صيد العصافير بواسطة الفخ أو النقافة، وكذلك اللعب الجماعي، إذ يتيح لهم وقتهم أثناء نُطرة التين والثمار بأن يلعبوها .

وبتوفر المأكل للفلاح من خيرات الأرض، وكذلك بوجود الماء في آبار الكروم التي جمعت مياه الشتاء، "ميتنا في ابيارنا ونارنا من حجارنا"، فإن الفلاح يُعتبر سيد نفسه كما في المثل: "فلاح مكفي ملك مخفي".

ويعتبر موسم القيظ نهاية السنة في التقويم الفلاحي، ويستمر هذا الموسم لحين سقوط أول قطرات المطر في شهر أيلول/سبتمبر، وهي ما تعرف بـ"شتوة المساطيح " التي يبدأ معها العام الفلاحي الجديد في فلسطين. وتبدأ بعد هذه الشتوة دورة الحياة بالعودة للقرى، ومع الناس القطين والزبيب، "وإللي معه قطين بوكل باديه الثنتين"، أو "إن وجد القطين من الجوع آمنين".


اقرأ/ي أيضًا: 

الزبيب الفلسطيني.. هذا ما تبقى لكم من حلوى

عن المستقرضات وعجوزها وأمطارها الغزيرة

رحلة شتوية في تراث فلسطين