لم تعد برامج الكاميرا الخفية التي تُنتج في غزة مصدرًا للضحك بالنسبة للفلسطينيين، فالكثير من حلقاتها تتعرض لانتقادات حادة من متابعين ومختصين ومُخرجين، بعد أن أصبحت غالبية حلقاتها تقوم على مقالب لاستفزاز الناس، تُفضي إلى ردات فعل عنيفة من ضحايا المقالب، فيما بلغ السوء أقصى حدّ له في حلقة بُثّت على مواقع التواصل تضمنّت دعوات إلى علاقات جنسية مُثلية، وأثارت غضبًا كبيرًا.
في العام الماضي، أحدث برنامج "طول بالك 6" ضجة "لإهانته ذوي الإعاقة"، في الحلقتين الثامنة، والرابعة عشر، بعد أن اقتبس ممثلو البرنامج شخصية تمثل رجلاً من ذوي الإعاقة السمعية يظهر فيها أنه "شخص لا يفهم"، فيما أظهرت حلقة أخرى ذوي الإعاقة الحركية بأنهم لا يستوعبون الكلام.
الكاميرا الخفية في غزة تنتقل من إهانة ذوي الإعاقة، إلى الإساءة لدولة عربية، والدعوة لعلاقات جنسية مقابل المال
لكن الأمور تدهورت نحو مزيد من السوء في رمضان 2018، إذ عرض برنامج "اوت فوكس" مثلاً حلقة تقوم على عرض شاب من دولة خليجية إقامة علاقة جنسية مع شبان في الشارع مقابل مبلغ من المال. حملت الحلقة شعار فضائية معًا، لكنها نُشرت على مواقع التواصل، ولم تُبث على الفضائية أو أي من حساباتها في مواقع التواصل، وهو ما أكدت عليه القناة، مبينة أنها واحدة من عدة حلقات رفضت بثّها لأسباب فنية أو تتعلق بالمحتوى.
اقرأ/ي أيضًا: وطن ع وتر: أفكار مسروقة وإيحاءات جنسية
إثر ذلك، اعتذر مُقدم البرنامج موسى شراب عن بث الحلقة وأعلن عن حذفها، لكن مصادر خاصة قالت إن الأجهزة الأمنية في غزة استدعته إلى التحقيق وأوقفته. فيما أعلنت وزارة الإعلام أنها ستُطبق القانون بحق مُنتجي هذه الحلقة من البرنامج، "بسبب ما اشتملت عليه من مضمون مسيء لشعبنا وتقاليدنا، ومس فاضح للعلاقة مع الأخوة في الدول الشقيقة" وفق بيان للوزارة.
لكن هذا ليس كل شيء، فبرنامج "مش برنامج" الذي يعرض على قناة القدس الفضائية، عرض حلقاتٍ وجد فيها مواطنون "استهتارًا بعقلية المجتمع"، إذ تضمّنت مقالب أمنية وأخرى سرقات، وأخرى تشبيهًا بالمافيات.
عرض "مش برنامج" في الحلقة الرابعة منه، مستوطنين يرتديان زي "حريديم"، ويحمل أحدهما ملامح شقراء مثل اليهود الشرقيين، ويؤديان صلواتهما التلمودية على حائط المطعم كأنه حائط البراق، ويتجولان في المطعم بادعاء أنهما دخلا إلى غزة لتحقيق السلام مع الغزيين.
يُعلق المصور فادي شناعة على هذه الحلقة متسائلاً: "هل إلى هذا الحد من المسخرة وصلنا؟"، مُعتبرًا أن هذا المشهد ليس حقيقيًا، وفيه استهزاء بعقول المشاهدين.
في الحلقة ذاتها، قال أحد الشابين في النهاية بعد كشف المقلب لصديقه "مش قلتلك إنها كاميرا خفية". حدث ما يُشبه ذلك أيضًا في برنامج "طوّل بالك مع ثائر"، الذي يُعرض على فضائية النجاح. فخلال الحلقة الثالثة من البرنامج بعنوان "الإزعاج"، مثَّل الفنان ثائر أبو زبيدة أنه بائع مزعج للبائعين المتجولين، وعندما كشف عن نفسه في نهاية المشهد، قال البائع إنه صمت لأنه لاحظ أنها كاميرا خفية.
حلقات كاميرا خفية رآها متابعون استهزاء بعقول الناس، وأخرى استهزاء بكرامتهم وإضاعة لوقتهم
وكانت الحلقة التاسعة من "طولك بالك مع ثائر" صادمة بالنسبة للكثيرين، فالمقلب هذه المرة كان بالاتصال مع أشخاص للحضور إلى مؤسسة خيرية، بعضهم ترك عمله ليأتي على أن المتصل فتاة طلبت منه القدوم للضرورة لمقابلة في المؤسسة، لكن يتضح أنها مقابلة على أنهم مرضى نفسيين.
اقرأ/ي أيضًا: فنانون غزيون هجرهم الحصار والناس
ينتقد الأخصائي الاجتماعي أيمن التتري محتوى هذه الحلقة، فهو يرى أن "غزة لا ينقصها حلقات تبين أن المجتمع مريض نفسي" معتبرًا برامج الكاميرا الخفية، "برامج تكسب الشهرة على حساب هموم وغضب الناس".
ويعتقد التتري أن هذه البرامج "تشجع العنف في المجتمع، تحديدًا بالنسبة لمن يشاهدها من الأطفال"، مضيفًا لـ الترا فلسطين، "الهدف جميل أن تُضحك مجتمع قطاع غزة، لكن ليس بهذا الشكل. مقالب وضرب وسكانين وعملاء وصهاينة، هذا هراء".
المخرج الفلسطيني صلاح أبو دهيشة، الذي أخرج عددًا من المسرحيات وبرامج كوميدية في فلسطين والأردن، يرى أن "برامج الكوميديا في فلسطين تحولت إلى برامج استقطاب نسب مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي، لمحاولة إثارة الناس وتحقيق أرباح عند المعلنين، أكثر من المضمون الكوميدي".
ويقول أبو دهيشة لـ الترا فلسطين إن من أساسيات الكاميرا الخفية، أن يكون مقدّم الحلقة شخصًا كوميديًا يمازح أكثر من أن يغضب الذي أمامه، مبينًا أن على المُقدم كشف المقلب فور ظهور غضب ضحية المقلب وتوجهه إلى الضرب، حتى لا تتحول الحلقة من الكوميديا إلى الأكشن.
وتابع، "لكن الكاميرا الخفية التي تنتج حاليًا أشعر وكأنها حلقات أكشن وليست كوميديا. أين الكوميديا في التلاعب على مشاعر الناس في غزة والتمثيل؟".
مُختصون: برامج الكاميرا الخفية الفلسطينية ربحية دون كوميديا، وتُشجع على العنف
بينما يعلق المخرج والناقد الإعلامي مصطفى النبيه، بأن برامج الكاميرا الخفية في غزة تأثرت بمضمون البرامج الكوميدية العربية، وعلى رأسها برنامج المقالب الموسمي لرامز جلال، "وهي تأتي لعرض لقطات أكشن أكثر من الفكاهة على حساب أذية الإنسان" وفق قوله.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | "الزوبعة".. مسرحية لا ترحب بالإعلام
ويبيّن النبيه لـ الترا فلسطين، أن العلوم الفنية - تحديدًا السنيما والمسرح - تُعرّف الكاميرا الخفية بأنها برامج لإضحاك الناس عبر التهريج، لكنه يلاحظ أن الدراما العربية بشكل عام أصبحت لا تهتم بالمضمون الأساسي بقدر الأكشن، "وهكذا أصبحت الكاميرا الخفية أيضًا تُسبب الأذى للناس".
ويضيف، "نحن للأسف تابعين لطبيعة الكوميديا العربية التي أصبحت تشهد انحدارًا في الأخلاق نتيجة الصراعات العربية، ونطبق السلبيات فيها، ولا نعلم أننا نشهد انحدارًا في المستوى الثقافي والإنساني. في فلسطين يجب أن تكون كوميديا إنسانية ضحك ونُظهر فيها واقع الإنسان الفلسطيني لنصحو على حالنا".
وبينما ذهبت كثيرٌ من الآراء إلى القول بأن هذه البرامج تضمنت استهزاءً بفئات محددة، وإضاعة لوقت أشخاص، ومساسًا بكرامتهم، توجه الترا فلسطين إلى المحامي والمستشار القانوني أحمـد المصري طالبًا رأيه في ذلك.
يرى المصري أن هذه البرامج تحتوي بالفعل على أخطاء قد تجر صاحبها لمساءلة قانونية رسمية، منوهًا إلى أن "الدول المتقدمة" أصبحت تُلزم القائمين على هذه البرامج بدفع مبلغ مالي إلى ضحايا المقالب كتعويض نفسي لتجنب المساءلة القانونية.
مستشار قانوني: برامج الكاميرا الخفية الفلسطينية تحتوي على أخطاء قد تجر صاحبها لمساءلة قانونية
ويقول: "الكاميرا الخفية دخلت في مرحلة الاستهتار والعبط، وهناك أضرار نفسية تقع على الضحية حتى لو كانت للحظات، والقاعدة العالمية القانونية واضحة: من سبب ضررًا للغير وجب عليه تعويضه وجبره. وفي حال كان الضرر خطأ وتسبب بالضرار، وتبيّن قانونيًا وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر، فإن القانون المدني الفلسطيني رقم 4 لعام 2012 يُلزم بدفع تعويض، وكذلك قانون المخالفات المدنية رقم 36 العامل منذ عام 1944".
لكن المصري يرى بأن المجتمع الفلسطيني في غزة "لا تنتشر الثقافة القانونية لديه"، وأنه بمجرد كشف المقلب يبدأ الضحية بالضحك حتى لو أثار المقلب غضبه وألحق به الضرر، مضيفًا، "لو كان الضحايا ومُقدمو البرامج يدركون الضرر لأوجد ذلك رادعًا وضبطًا لحلقات الكاميرا الخفية".
الترا فلسطين تواصل كثيرًا مع الفنان مؤمن شويخ، مُقدّم برنامج "مش برنامج" من أجل الحصول على ردود منه على هذه الآراء، لكن دون جدوى.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف تطورت الأغنية الفلسطينية في قلب الأغنية الشعبية؟