21-مايو-2019

لن يكون للرد الرسمي الفلسطيني على استضافة البحرين لمؤتمر صفقة القرن الأول أي أثر، فلا استهجان الرئاسة ولا رفض الحكومة سيفيد، وهو ليس مطلوبًا أيضًا، لأن الخارجية البحرينية قد ترد علينا ببساطةٍ في موضوع الصفقة وفي كل مسار تطبيعها بـ"أنتم السابقون ونحن اللاحقون"، ولجنة الحوار في منظمة التحرير أعرق بكثير من منظمة "هذه هي البحرين" التطبيعية.

لا موقف عربيًا سيضغط على نظام البحرين، لا امبراطور الرياض القادم، ولا سلطان الخير ولا أمير القلوب، فكلهم في المسار منذ سنوات

لا موقف عربيًا سيضغط على نظام البحرين، لا امبراطور الرياض القادم، ولا سلطان الخير ولا أمير القلوب، فكلهم في المسار منذ سنوات، وجندوا راكبي "بسكليتات" ورجال دين حكوميين وتجار جملة ومفرق، ليزوروا إسرائيل وينعموا برؤية الدولة التي ستوفر لهم "أمنًا استراتيجيًا" في مواجهة البعبع الإيراني.

اقرأ/ي أيضًا: البحرين: استضافتنا للمؤتمر هدفها دعم اقتصاد فلسطين

هكذا هو الوضع، لا موقف رسميًا فلسطينيًا مثاليًا سيعبئ الشارع، ولا موقف رسميًا عربيًا يقبل بالتراجع أو حتى الحذر من مرحلةٍ لن يكون بيد المنطقة العربية أية أوراق ضغط، لا نفط ولا يحزنون، فحتى هذا صودرت عوامل قوته في الحرب والسلم.

ثمة رهان دائمًا وأخيرًا على الشارع العربي العام، بحراكاته التاريخية والتجديدية، على المجتمع المدني والمعارضة السياسية أن تقود الفعل والممارسة ضد ترامب وضد فرقة "موساد" إسرائيلية تجوب العالم العربي بربطات عنقٍ وحقائب دبلوماسية، تعطي وعودًا بالسلام والتنمية، ويتم تهريبها إلى القصور من الأبواب الخلفية لتوشوش الأمراء والسفراء وتسقط المساعدين وتعد بلدانًا كاملة لاستعماراتٍ اقتصاديةٍ قادمة.

ثمة رهانٌ فقط على هؤلاء الذين هم خارج السلطات العربية أن يصنعوا سياسة طبيعية خالية من الشواذ، تمامًا مثلما كنست فعاليات البحرين المدنية شوارع العاصمة المنامة بعد أن استقبلت وفودًا تطبيعية، وقالت للعالم إن هذه السقطات "ليست البحرين". وبإمكان شوارع عربية كثيرة أن تتحرك منذ الآن وحتى 25 حزيران المقبل لتُعرّي مؤتمر صفقة القرن البحريني، ولتقدم للمجتمع العربي الطاقة السياسية المطلوبة لإفشال سيناريو الإسقاط الأمني والاقتصادي لمنطقة كاملة في حبائل الأمن الإسرائيلي.

هنا أيضًا في رام الله وغزة والخليل لا يمكن الركون إلى دبلوماسية البيانات التي توزع على الصحف ولا على متحدثي منظمة التحرير على الفضائيات

هنا أيضًا في رام الله وغزة والخليل لا يمكن الركون إلى دبلوماسية البيانات التي توزع على الصحف ولا على متحدثي منظمة التحرير على الفضائيات، فالمجتمع المدني والحراكات الشبابية والنسوية وكل تلاوين المعارضة مدعوة لـخمسة وثلاثين يومًا من الفعاليات المناهضة والكاشفة لأخطر مراحل ضعف العرب في مواجهة إسرائيل وأمريكا، والتي قد تشكل وخزة في عقل مستشاري بيوت الحكم العربية لتقول لهم: سيبيعونكم على أقرب مفرق، عندما سينتهون منكم سيبيعونكم مع أول مظاهرة مساواةٍ مدنيةٍ في البحرين.

في الشارع العربي أيضًا مكاسب تحتاجها السياسية العربية والاقتصاد العربي، مقاطعة المطاعم والشركات، مضايقة السفارات بالوقفات، الاحتجاج على الزيارات بالموسيقى وبالأحذية أو بالطناجر ليس مهما، فهذا العالم بحاجةٍ إلى من ينبهه لخواء الموقف الرسمي العربي ودخوله في دهاليز تصممها "حثالة" أمريكية على رأي ترامب، ستختفي كل صفقاتها مع أقرب انتخاباتٍ لا يفوزون فيها. فأصحاب هذه الصفقات يعرفون تمامًا أن الصوت اليهودي من "جي ستريت" إلى "أيباك" سينتهي منهم في أقرب انتخابات، لسببٍ بسيطٍ هو أنه حصّل منهم أثمن ما قد يتم أخذه لإسرائيل منذ عقود: نقل السفارة والسيادة على الجولان.

لم تعد صفقة القرن فلسطينية الاستهداف فقط، وستكون لها ملاحق أشد صعوبة على عواصم الوداد والاستبداد، فلا ينجو أي شريكٍ لأمريكا منذ عقودٍ من الاستهلاك والرمي في الشوارع لأي تغييرٍ شعبيٍ أو تحولٍ تاريخي، هذا حدث في موقف الإدارة الأمريكية مع مبارك وزين العابدين ويليتسن وآخرين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وكل قارات العالم.

على الشارع العربي والفلسطيني أن يقول لعواصم "الشهامة والعمومة وحوار الأديان"، التطبيع لن يحميكم في المسألة الإيرانية، فإيران على بعد أشهر من دخول النادي النووي، والتطبيع مع إسرائيل هو كلمة سرٍ اقتصاديةٍ لصعود رأسماليةٍ بشعةٍ في مفهوم بريء هو السلام الذي ستدوسه صفقات الأسلحة من واشنطن وصفقات "الهاي تيك" الإسرائيلي، فلا سلام مع شركات، ولا تنمية مع هيمنة، مثلما حدث في كل علاقات دول الاستعمار بدول "الوداد".


اقرأ/ي أيضًا:

القضية الفلسطينية خارج الوعي.. هل من انبعاث؟ 

25915

"رجل يعود".. عن المخيم المقبرة وانتحار البشر