21-ديسمبر-2019

صورة معدّلة لبوابة يافا في القدس عام 1910 إبان الحكم العثماني - gettyimages

لم يطلق أجدادنا القدماء على الدولة العثمانية التي حكمت بلادنا نحو 400 عام، اسم "دولة الورق" من فراغ، فقد فاق عدد الوثائق في الأرشيف العثماني وحده 95 مليون وثيقة.

       بمجرد البحث عن كلمة "قدس" في الأرشيف العثماني ستظهر لك 30 ألف وثيقة       

تضم هذه الوثائق بين ثناياها الكثير من المعلومات المهمّة التي تشكل جسرًا بين الماضي والحاضر، وتحمل بين طيّاتها معلومات عن الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسكانية والثقافية، كما ترصد وقائع وأحداث أثرت في مجريات الحياة العامة، ما يبرز أهمية هذه الوثائق، وفق عبد القادر سطيح مدير المركز الثقافي التركي في رام الله.

الأرشيف العثماني

يقول سطيح لـ "الترا فلسطين"، إنه بمجرد البحث عن كلمة "قدس" في الأرشيف العثماني سوف تظهر لك 30 ألف وثيقة، وهذا فقط من بين وثائق الأرشيف التي تم الانتهاء من العمل عليها بنسبة 50% من الأرشيف الكامل.

تُظهر وثيقةٌ تعود لعهد الدولة العثمانية، أن عدد منازل المسلمين في مدينة القدس عام 1872 كان يبلغ 1025 منزلًا، ويسمى المنزل في الوثيقة "خانة". أمّا عدد منازل المسيحيين الروم في المدينة فكان 399 منزلًا، واللاتين 179 منزلًا، والأرمن 175 منزلًا، والكاثوليك 18 منزلًا، والبروتستانت 16 منزلًا، والقبط 44 منزلًا، والسريان 7 منازل. أمّا اليهود فقد بلغ عدد منازلهم في نفس العام في القدس 620.

خريطة لواء القدس

ويُوضح سطيح، أن معدّل عدد الأفراد في كل منزل خمسة أفراد، وبذلك فإن عدد سكان القدس المسلمين عام 1872 بلغ حوالي 5125 شخصًا، بينما عدد اليهود حوالي 3100، مشددًا أنه في تلك الفترة لم يكن هناك فرق بين مسلم ويهودي ومسيحي.

اقرأ/ي أيضًا: القدس من خلال 4 مذكرات شخصية

​الوثيقة التي حصل عليها موقع الترا فلسطين من المركز الثقافي التركي "يونس آمرة" في رام الله، تُصنّف ضمن وثائق "السالنامات" (السجل السنوي) في الأرشيف العثماني، وجاء فيها أن عدد الجوامع في مدينة القدس، كان جامعًا واحدًا وهو المسجد الأقصى، علمًا أن الجامع هو الذي تُصلى فيه صلاة الجمعة.

من الأمثلة على السالنامات
من الأمثلة على السالنامات

أمّا عدد المساجد في المدينة فكان 18 مسجدًا، إلى جانب 37 كنيسة، و8 كنُس يهودية، و8 تكيات، و53 ترب أولياء.

في القدس عام 1872 كانت 7 مدارس للمسلمين، وتسمى المدارس في الوثيقة "مكتب س" أي مدرسة للمسلمين، وبلغ عدد المسلمين المتعلّمين في الدرجة العليا أو الثانوية (شاكردان) 341 شخصًا، أما عدد مدارس غير المسلمين (مكتب غ) فبلغت 19 مدرسة، وعدد المتعلّمين في الدرجة العليا من غير المسلمين (شاكردان غ) 1243 شخصًا.

في القدس عام 1872 كانت 7 مدارس للمسلمين، و19 مدرسة لغير المسلمين

عدد الدكاكين في نفس العام كانت 910 دكانًا، ومخازن البضاعة (مغازة) 141 مخزنًا، إضافة إلى أربع حمامات، وخانين، و14 مطحنة وكانت تسمى بالعثماني "دكرمان"، و32 فرنًا، و20 مصنعًا للصابون وتسمى "صابون خانة"، إلى جانب 9 معاصر زيتون.

مصادر تاريخ القدس في العهد العثماني

ويمكن تقسيم المصادر التي تتحدث عن تاريخ القدس في العهد العثماني إلى قسمين؛ مصادر تم إنتاجها داخل الأرض الفلسطينية، ومصادر تم إنتاجها خارجها.

المصادر التي أنتجت داخل فلسطين يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأول ما أنتجته الدوائر الرسمية العثمانية في فلسطين، مثل المحاكم الشرعية (أكثر من 20 محكمة)، والمحاكم النظامية، والبلديات (21 بلدية آخرها بلدية رام الله)، والطابو، والغرف التجارية، ودائرة النفوس، وفروع بنك الإقراض الزراعي العثماني، وأقسام النظارات.

اقرأ/ي أيضًا: كلمات عثمانية على ألسنتنا.. هل تعرفون معناها؟

القسم الثاني هو ما أنتجته مؤسسات غير حكومية، ومن الأمثلة عليها ما كتبه القناصل الأجانب وخاصة قناصل فرنسا، ووثائق الكنائس والأديرة. أمّا القسم الأخير فما أُنتج بجهودٍ فرديةٍ مثل كتب التراجم (السيرة الذاتية)، وكتب الفتاوى، والكتب العامة.

ويُمكن أيضًا تقسيم المصادر التي أنتجت خارج فلسطين وفيها عن القدس إلى ثلاثة أقسام أيضًا. القسم الأول ما أنتجته الدوائر الرسمية العثمانية في العاصمة اسطنبول، والقسم الثاني ما أنتجته مؤسسات غير حكومية مثل القناصل الأجانب وبخاصة الفرنسيين ووثائق الكنائس والأديرة، والقسم الأخير ما أنتج بجهود فردية، مثل كتب الرحلات وكتب اليوميات الدمشقية.

القدس والأرشيف العثماني

كانت الوثائق الصادرة عن دوائر الدولة العثمانية توضع في صناديق يُكتب عليها تاريخ السنة مع غطاءٍ من الجلد، ثم يتم تخزينها ليتم الرجوع إليها عند الضرورة.

ومع مرور الزمن تركت الدولة العثمانية إرثًا ضخمًا من الوثائق التي تم إيداعها في العديد من الأماكن، حتى انتهى بها الأمر في العام 2013 إلى مقرّها الحالي في اسطنبول.

       الوثائق العثمانية موزعة على ثلاثة مقرات للأرشيف العثماني، أحدها يُمكن الدخول له بسهولة      

وينبغي الإشارة إلى أن هذه الوثائق موزّعة على ثلاثة مقرات للأرشيف العثماني؛ الأول في أنقرة ويحتوي على دفاتر الأراضي (الطابو)، والثاني في قصر التوب قابي في اسطنبول وفيه وثائق الحرب العالمية الأولى، والدخول إليهما بحاجة إلى إجراءات معقدة، أمّا المقر الثالث فهو الأرشيف العام الموجود في منطقة الكاغت هانة، وإجراءات الدخول إليه سهلة.

مخطط قناة المياه من برك سليمان للقدس

ميزة وثائق الأرشيف العثماني

جميع نتاج الدوائر الرسمية العثمانية وضعت في الأرشيف العثماني، وبهذا تميّزت أنها مجتمعة في مؤسسة واحدة على عكس المصادر التي أنتجت في فلسطين، فهذه لا يحتويها مكانٌ واحدٌ بل موزعةٌ ومنتشرةٌ في أماكن ودول مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: 100 عام على احتلال القدس.. قصة غزوها

يُعلل سطيح ذلك أولًا بتبعية الأراضي الفلسطينية للعديد من الدول بعد خروج العثمانيين منها، وثانيًا بحكم أنّ الجهود التي بُذلت لجمعها والحفاظ عليها متواضعة، فالإنسان الفلسطيني نتيجة الظروف التي عاشها لم ينشغل كثيرًا بحفظ هذه الوثائق.

جنود الدولة العثمانية في القدس

ووفق سطيح، نجد أن الكثير من الوثائق التي نجت من الحرب والدمار ذهبت للأرشيف الإسرائيلي، فالنكبة والنكسة الفلسطينية لم تؤد فقط لتشريد الشعب وتحطيم بناه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بل أدت إلى ضياع وثائقه وأوراقه الرسمية.

     الكثير من الوثائق العثمانية التي نجت من الحرب والدمار ذهبت للأرشيف الإسرائيلي     

ولم تقتصر الوثائق العثمانية التي تتحدث عن تاريخ القدس على جهة رسمية دون أخرى، بل كانت لكل مؤسسة بطريقة أو أخرى صلةٌ بموضوع القدس، ونستعرض هذه الوثائق بحسب أنواعها:

القسم الأول: الكتب وأهمها، وقعة نويس (كاتب الوقائع)، منشآت السلاطين (أجمل الوثائق)، سجل عثمانية (ترجمة الموظفين الكبار في الدولة)، السالنامات (السجل السنوي).

القسم الثاني: الدفاتر، وهي الدفاتر المتسلسلة التي دونت فيها القرارات المتخذة في البيروقراطية العثمانية وعددها يتجاوز 400 ألف سلسلة دفترية يتم الحفاظ عليها بحساسية. وتنقسم هذه الدفاتر إلى أنواع كثيرة: منها دفاتر المهمة والأحكام والشكاوى، ودفاتر الصرة، ودفاتر الكنائس، ودفاتر غير المسلمين، ودفاتر القلاع الكبيرة والصغيرة.

القسم الثالث: الوثائق، وعددها يفوق 95 مليون وثيقة، من بينها في البحث الأولي عن القدس 30 ألف وثيقة، وأهمها وثائق الديوان والباب دفتري ووثائق قصر يلدز ووثائق النظارات.

وأهم ما نجده في هذه الوثائق، هي المخططات وتقسم إلى مخططاتٍ داخل الدولة وخارجها، وأهمها مخططات القلاع وقنوات المياه، بالإضافة إلى الخرائط، ففي سنة 1880 تم تكليف الشعبة الخامسة من الجيش العثماني برسم خرائط لكافة أراضي الدولة. وفي العام 1885 تم تشكيل لجنة الخرائط، وبعدها بعام تم إصدار أول أطلس عثماني. وآخر شيء ستجده في الوثائق هي الصور، وتبدأ من عام 1895.


اقرأ/ي أيضًا: 

عن صرفند الصغرى وجنود "أنزاك" وبندقيّة العنكوش

فيديو | المتحف الفلسطيني: أرشفنا 70 ألف وثيقة

8 أفلام أجنبيّة تناولت القضيّة الفلسطينيّة

الطلاق في فلسطين لم يكن فضيحة.. كيف كان يحدث؟

المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا..