يعبر عن نفسه بأنه المطرب العربي في كل المحافل العربية والدولية، ويتمسك بأصول الأغاني الصوفية والموشحات والمألوف التونسي، إلى جانب الطرب، ويعتبره مُتابعون ونقادُ حادًا في أغانيه التي تنتقد الساسة العرب، بينما يقول هو إنه "يحب أن يمثل صوت الشعوب المظلومة في المنطقة العربية، وتحديدًا القضية الفلسطينية". آخر أغانيه "أجراس العودة"، قدّمها على مسرح قلعة الشقيف من منطقة النبطية في الجنوب اللبناني، فأصبح أول فنان يتناول "صفقة القرن" فنيًا كمشروع يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وقد أثار بها جدلاً كبيرًا تطرقنا له في هذا الحوار.
الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق في ضيافة الترا فلسطين، متحدثًا عن فلسطين والقدس والتطبيع والأسرى وحصار غزة.
س: من هو لطفي بوشناق؟ وكيف بدأ حياته الفنية؟
لطفي بوشناق (64 عامًا)، قبل كل شيء أنا إنسان بسيط جدًا من عائلة تونسية الأصل ومتوسطة الحال، ترعرعت في أقدم الأحياء العتيقة من تونس العاصمة وهو حي الحلفاوين، وكنت في منزل عائلي ممتد، لدي 17 خال و10 عموم و10 إخوة أنا قبل الأخير بينهم.
لم أُخطط أن أكون فنانًا، لأن فكرة أن تكون مغنيًا كانت مرفوضة في منزلنا وعند والدي، فالفكرة عن الفنان والمغني بأن ليس له مستقبل، ولم تكن التكنولوجيا متقدمة كما اليوم لكي يعرف ما قيمته وكيف ينتشر، ولم تكن الصورة الحقيقة واردة عن الفنان الملتزم. لكن توفي والدي في عام 1972، بعدها بدت فكَّرتُ أن أغني طربًا، وتلقيت مبادئ الغناء والعزف وطرق التحكم بالصوت في المدرسة الرشيدية التي تأسست عام 1934 لإحياء مخزون التراث الموسيقي التونسي الأصيل، وخصوصًا "المالوف"، كما تعلمت على يد نخبة من الموسيقيين التونسيين والعرب.
س: ما هي الهوية الغنائية لك؟
هويتي أنني صوت عربي حر، وحتى في كل الاحتفالات والمهرجانات في العالم أعرف نفسي الفنان العربي لطفي بوشناق من تونس، وأغانيه عن قضايا الوطن والأمة. ورغم أن البعض يتحدث عن أن أغانيه لا تخلو من السياسة، لكني لا أمارس السياسة ولا أتبنى فكرها ولا أيديولوجيتها. صوتي موجود بالقرب من الشعوب المضطهدة في العالم، على رأسهم الشعب الفلسطيني الذي غنيت له عشرات الأغاني، وغنيت للحرية والديمقراطية، وغنيت لأطفال العراق، وحتى أطفال سراييفو.
س: أغنية "أنا مواطن" هي أغنية كل العرب كما قلت عنها، غنيتها في وقت حساس كانت في وقت الشعوب تثور على أنظمتها. حدثنا عن ظروف غنائها؟ وهل كانت موجهة للحكام العرب؟
الأغنية جاءت بعد الثورة التونسية، كلمات النص واقعية، واخترت نصًا صادقًا، وفيه مرآة واقع نعيشه في كلماتها ينطبق على واقعنا. عبَّرتُ فيه عن حالنا التوانسة لأننا عايشنا بداية الربيع العربي، وسردت فيها واقعنا الصعب مع السلطة ومدى وحشية القمع والتعامل مع المجتمع قبل الثورة وخلال الثورة، لكن كل المواطنين العرب اتخذوها على أنها تعبر عن الحالة العربية عامة لأنهم شاهدوا فيها كلامًا يتحدث عن حال واقعهم، وهكذا نظر لها الكثيرون لأن حال بلادهم ينطبق مع كلمات الأغنية.
س: حدّثنا عن أول أغنية أنتجتها لفلسطين.
قبل حوالي 20 عامًا أنتجتُ أغنية "طبعي السلام"، حاولتُ فيها أن أقول لكل العالم أن قضية فلسطين لم تعرف هدوءًا إطلاقًا، ومنذ عام 1973 ولغاية الآن فيها تجاذبات سياسية ولا اتفاق حقيقي يضمن لهم حقوقهم، وأن الإسرائيليين لا يعرفون السلام. قلت فيها: "أرى الحياة تليق بي وبكل من لا يستبد، لكنهم سرقوا ترابي والسماء مع البلد، لم يتركوا لي من سلاحٍ في يدي سوى الجسد".
لقد قدمت عشرات الأعمال للقضية الفلسطينية على مدار أكثر من 20 عامًا. أعتزُّ بأغنية "خليك صامد يا فلسطيني"، وأغنية "أحبك" التي خصصتها لمدينة القدس المحتلة، وغنيت للقدس "زرت القدس مشتاقًا وأداوي الجرح بالصلوات" بعد أن زرت الضفة الغربية المحتلة في عام 2009. وأغنية "تحت السيطرة" أيضًا عن القدس.
كل أغنية كانت تتحدث عن مرحلة يعيشها الفلسطينيون في ظل تطور أحداث الاحتلال الغاشم يومًا عن يوم. ما أُريده وما يجب أن يكون، أن نكون شاهدين على العصر في كل حدث وكل عمل فني نواكب فيه الحلم الفلسطيني في الحياة والحرية والإنسانية.
وقريبًا هناك عمل مع مغني راب من غزة اسمه إبراهيم غنيم، سننتج عملاً مختلفًا ومميزًا نتحدث فيه عن حياة غزة من الممنوعين من السفر والدراسة والدواء، وعن واقع الغزيين الذين لا يستطيعون التنفس.
لطفي بوشناق: سأنتج قريبًا عملاً فنيًا مختلفًا عن واقع قطاع غزة بالشراكة مع مغني الراب الغزي إبراهيم غنيم
س: في أحد اللقاءات قلت إنك لم تعطِ فلسطين حقها في غنائك، رغم أنك تُعتبر من أكثر الفنانين العرب الذين ألزموا أنفسهم بالغناء لفسطين في كل المحافل، لماذا قُلتَ إنك لم تعطها حقها بعد؟
مهما نعطيها لم نعطيها حقها، كم أغنية قدمت أمام تضحية الفلسطينيين بشبابهم وبروحهم أمام بنادق ومدفعيات الاحتلال، ومن ضحوا بأولادهم وبمنازلهم، ومهما أعطيناها فنحن لا نزال قصر فيها.
س: زرت الضفة الغربية وغنيت في رام الله، حدثنا عن هذه التجربة؟ وهل تتمنى أن تُغني في غزة يومًا؟
غنيتُ في رام الله في عام 2009، لا أستطيع أن أصف شعوري وأنا على مسرح فلسطيني، وختمت مع الجمهور بأنني أتمنى العودة والقدس محررة عاصمة لفلسطين. وأنا فلسطيني أعتبر نفسي، وأتمنى أن أغني في غزة، لكن الظروف صعبة والدخول لغزة مشكلة كبيرة في المعبر والدخول والخروج.
س: في الأغنية الأخيرة لك "أجراس العودة" كنت حادًا على الأنظمة العربية - وفق رأي كثيرين - ووصفت جموعهم بأنها قلة أمام صفقة القرن التي تُنهي القضية الفلسطينية، وقد أثارت الأغنية جدلاً كبيرًا. حدثنا عن ذلك.
الأغنية الأخيرة هي إعادة الصحوة للضمير العربي، وإشعارهم بأن قضية فلسطين تكاد تُنسى عند الأنظمة، وأننا نمر بأصعب مراحلنا الحياتية أمام الاقتتال العربي العربي واحتلال فلسطين، والاستيطان في الضفة الغربية، وغزة المحاصرة منكوبة، وأمام الحديث عن حرب كبرى أو "صفقة القرن" المزعومة لتصفية القضية الفلسطينية، لذا هي أغنية إنذار وصحوة لنا.
لطفي بوشناق: زيارة فلسطين ليست تطبيعًا
س: هناك توجه من بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الاحتلال، هذا إلى جانب التطبيع الثقافي والعلمي باعتبار أن دولة الاحتلال من الدول المتقدمة. كيف تنظر لهذه التطورات؟
كلٌ يتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام التاريخ، والتاريخ لن يسامح، وأمام ضميره أيضًا. الذي يحب التطبيع فهو حر والناس أحرار، لكن من يملك ضميرًا ووعيًا عربيًا وانتماء للقضية الفلسطينية الإنسانية التي كانت ولازالت قضيتنا، وعنده ضمير لا "يطيح" في موضوع التطبيع.
س: هناك ما يعتبر زيارة الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال تطبيعًا. كيف تُعلق؟
من يتحدث عن التطبيع فهو حر، أنا شخصيًا زرت فلسطين كأنها أخي أو أمي في السجن، وهنا نكون مُضطرين للاطمئنان عليهم تحت أي ظرف. أنا لم أُغنّ تحت راية الاحتلال، أنا زرت فلسطين، وقابلت العرب في مدينة القدس، وكم كنت فخورًا بهم وبصلاتي في المسجد الأقصى الذي وجدت فيها الراحة والروحانية التي لم أذقها في مكان في العالم من قبل، وسأظل أزورها في كل فرصة، وأنا أعرف ماذا أفعل.
س: ماذا يخطر ببالك عند سماع اسم القدس؟
القدس محفورة في قلبي، الله في قلبي والقدس في يدي، القدس صليت فيها وأملك علاقة روحانية كبيرة فيها. لو زار القدسَ، العربُ ومن يرفضون فكرة الزيارة بحجة التطبيع، لشاهدوا أسوار ومقدسات المدينة المسلوبة، وشاهدوا العار بأنفسهم كيف هذه المدنية تضيع منا، لو زاروها كلهم سيتحركون تحركـًا حقيقيًا أمام ما سيشاهدونه بأعينهم، وليس أمام التلفاز الذي لا يعرض معنى الانتهاك الحقيقي فيها.
لطفي بوشناق: هناك محاولات لإهمال القضية الفلسطينية، والإعلام العربي لا يعبر عن حاضر ولا مستقبل الواقع الفلسطيني
س: إلى قضية الأسرى، إذ قدمت أغنية "ما يهمك السجان" للأسرى الفلسطينيين في ربيع 2014، وكثيرًا ما أرسلت لهم التحيات وعبرت عن تضامنك معهم، باعتقادك لماذا تغيب قضية الأسرى في الفن العربي؟
القضية الفلسطينية كلها يتم محاولة إهمالها، الجيل العربي الجديد ما بين 15 إلى 20 عامًا لا يوجد عندهم فكرة عن فلسطين، وكيف كانت الحياة فيها قبل النكبة، وأسباب النكبة والتطهير العرقي الفلسطيني، فمن الطبيعي أن قضية الأسرى يتم نسيانها بكل أسف. والإعلام العربي الذي يلعب الدور في توجيه العقل العربي، لا يعبر عن الحاضر ولا المستقبل ولا الواقع الفلسطيني الصحيح، لكن عن نفسي أنا املك نفسي وصوتي وسأبقى أغني فيه، ومستمر في دعم قضية الأسرى.
س: إلى أين تذهب القضية الفلسطينية - من وجهة نظرك - في ظل انهيار الكثير من الشعوب العربية؟ وماذا يجب على الفلسطينيين خلال المرحلة القادمة؟
أنا لا أثق بأي تحرك عربي تجاه فلسطين، لا بد من ضم الصف الفلسطيني، وفك الخلافات فيه. فلسطين فوق كل المشاكل الحاصلة ما بين القيادات، ووضع الشعب الفلسطيني فوق كل التجاذبات.
اقرأ/ي أيضًا:
أحمد قعبور: رأيت مع ريم البنا الأمل في أطفال فلسطين