في مثل هذه الأيّام، وقبل نحو 50 عامًا، عقد الكنيست الإسرائيلي جلسة نقاش حول إقامة محطة تلفزيون عامّة في إسرائيل، لأهداف تربويّة فقط. سبق هذه الجلسة النقاشيّة، جلسة أخرى عام 1963، ولذات الغاية، لكنّ معظم الكتل البرلمانية رفضت الفكرة بحجّة أنّ ذلك يُفسد المجتمع الإسرائيليّ.
في النهاية جرى التوافق على إنشاء تلفزيون تربوي تعليميّ بدأ بثه عام 1966، رغم أنّ أوّل "دافيد بن غوريون" وهو أوّل رئيس وزراء إسرائيلي كان من أشدّ الرافضين للفكرة، ولنفس الدواعي.
ركّز التلفزيون الإسرائيليّ في بثّه لاستقطاب المشاهد العربي على عرض الحياة في إسرائيل، والتركيز على القيم الإنسانيّة؛ مثل الاهتمام بالمرضى والعاطلين عن العمل، والمهاجرين الجُدد، وتطوير الزراعة والصناعة
عد أربع سنوات من مصادقة الكنيست على إقامة التلفزيون التعليمي، ورفضِ إنشاء تلفزيون عامّ، استدعت "التطورات المُلحّة" في حينه، إعادة فتح النقاش. فالدول العربيّة وبالأخص تلك التي تملك حدودًا مع "إسرائيل" كانت تُعزز ساعات البثّ التلفزيوني الذي كان بالإمكان التقاطه داخل الأرض المحتلة عام 48، أو في مناطق الضفة الغربية، كما أنّ الجمهور الإسرائيليّ كان يمتلك أكثر من 40 ألف لاقط بث.
وفق وجهة النظر الإسرائيليّة حينها، فإنّ حرب حزيران/ يونيو أدّت لارتفاع ملحوظ في أعداد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، والاعتبار الأخطر الذي دفع الكتل البرلمانية اإاسرائيلية لتغيير موقفها الرافض من إنشاء تلفزيون رسميّ إسرائيلي، هو الاعتقاد بأن التلفزيونات العربيّة توجّه دعاية مناهضة لإسرائيل.
في 13 تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1967، طالب وزير الإعلام وعضو الكنيست، يسرائيل غليلي، الحكومة الإسرائيلية، المصادقة بشكل عاجل على قرار إنشاء تلفزيون عام يُغطي كل الأراضي التي يسيطر عليها جيش الاحتلال. غليلي قال إنّ على إسرائيل المسارعة في إطلاق بث عبر أجهزة بث التلفزيون التعليمي يستهدف "السكّان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي حديثًا"، على أن يتم لاحقًا إنشاء تلفزيون موجّه للإسرائيليين.
هكذا إذًا، بدأ التلفزيون في إسرائيل، باعتباره "أداة حيوية تُقدّم عونًا كبيرًا في جمع كلمة الأمة في الدولة التي تجمع شتات اليهود"، وباعتباره "وسيلة فعّالة ضدّ تأثير بثّ قنوات معادية، يتعرّض لبثّها عدد ليس بقليل من سُكّان الدولة".
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يتحدّث المجرمون مع أطفالنا؟
في حينه، حذّر غليلي من بثّ المضمون المعادي لإسرائيل في تلك القنوات العربيّة، فأشار في حديثه إلى أنّ سوريا تبُثُّ خمس ساعات متواصلة يوميًا، بينما يبث العراق 14 ساعة، ومصر التي كانت تملك عدّة قنوات تبث بما مجموعه 26 ساعة يوميًا، والأردن سيبدأ البثّ قريبًا. ونوّه غاليلي إلى أنّ "نسبة مشاهدة مواطني إسرائيل العرب للتلفزيونات العربيّة كبير جدًا"، وبالإضافة إلى هوائيات الالتقاط في البيوت، ثمّة هوائيات في المقاهي في القرى وفيها جمهور كبير، وفي الضفة الغربية هناك ستة آلاف هوائيّ لالتقاط البث.
راهن غليلي، على أهميّة التلفزيون الإسرائيلي في تغيير توجّهات الفلسطينيين بخصوص إسرائيل، وفي محاربة "التأثير السام للتلفزيون السوري والمصري"، كاشفًا عن نظرية "احتلال الاستماع والمشاهدة"، والتي تقوم على منع أو التشويش على بثّ الآخرين، ودفع المشاهد العربيّ إلى الإقلاع، والشعور بعدم الحاجة لمشاهدة التلفزيونات العربية.
أشار غليلي إلى أنّه ليس هناك ما يمنع نجاح البث التلفزيوني الإسرائيلي، تمامًا مثلما نجح البثّ الإذاعي الإسرائيلي باللغة العربية، والذي تفوّق على بث الإذاعات العربية المحيطة.
فكرة إنشاء تلفزيون إسرائيليّ موجّه للفلسطينين كانت مطروحة قبل احتلال الضفة الغربية
وتُظهر المحاضر المدوّنة للنقاش، أن أعضاء الكنيست انتقلوا سريعًا لبحث سبل إنجاح التلفزيون الموجّه للفلسطينيين. فعضو الكنيست يتسحاك غولان، الذي خشي من الفشل، قال إنّه لمنافسة التلفزيون المصري، على التلفزيون الإسرائيلي أن يكون بمستوى راق جدًا. أمّا عضو الكنيست، يستحاك نفون، فاقترح في البداية إقامة تلفزيون ناطق بالعبرية من أجل مراكمة الخبرة، ثم إطلاق البثّ بالعربية، باعتبار أنّه "من المحظور الفشل في التلفزيون الناطق باللغة العربية"، لأنّ فشلًا كهذا وفق رأيه "غير قابل للإصلاح".
وتساءل عضو الكنيست، أوري افنيري، حول إمكانيّة أن يبثّ التلفزيون الموجّه للفلسطينيين، رقصًا شرقيًا، فجاء ردُّ الوزير غاليلي أنّه في حال وُجد في إسرائيل أو المناطق الخاضعة لسيطرة جيشها، أُناس متحمّسون أو يحصلون على إشباع من مشاهدة الرقص الشرقيّ، فإن من واجب الدولة توفير هذا الإشباع. وأضاف: "ليس عبر هذه الطريقة ننوي منافسة التلفزيونات العربية، لا أملك ضمانة بأن نكون أصحاب اليد العليا في المنافسة في مجال البرامج الرخيصة، ولكني أعتقد أن السّكان في المناطق الخاضعة للجيش متنوعة، وليس كلها بحاجة للإشباع الناجم عن مشاهدة الرقص الشرقي".
وعن ذلك، قال عضو الكنيست يتسحاك نفون الذي صار لاحقًا رئيسًا لإسرائيل، إنّ العرب سيستمعون ويشاهدون التلفزيون، ويريدون سماع إجابات عن التساؤلات المُلحة والمقلقة بالنسبة لهم. وبالإمكان أنّ نقدّم عبر التلفزيون أمورًا دون أن نحدد الموقف النهائي منها، ومن المهم أن نعرض لهم مدى قوة الجيش الإسرائيلي.
بعد أيّام، وتحديدًا في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر توافق ذكرى طرح مقترح الحكومة الإسرائيليّة عام 1967، لإقامة تلفزيون عام، موجّه بالأساس للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر، القانون حظي بغالبيّة الأصوات.
وفي يوم "استقلال إسرائيل" من شهر أيار/ مايو عام 1968، انطلق البثّ التلفزيوني الإسرائيلي العام، باستعراض عسكريّ لجيش الاحتلال في القدس المحتلة.
اقرأ/ي أيضًا:
إذاعة "الجيش الإسرائيلي" ستبُث من القدس المحتلة