22-فبراير-2020

الحديث في أمر النقابات ليس شأنًا داخليًا يعود إلى أعضاء النقابات، وبالتالي يحق لمن هم خارج هذه النقابات التحدث به خاصةً إذا كانت هذه النقابات تتمع بصلاحيات ذات علاقة بالخدمات التي تقدم للجمهور، كما هي نقابة الصيادلة، وتعمل بموجب قانون ينظم المهنة وينظم العلاقة مع باقي الفئات المعنية بمهنة الصيدلة.

تصل أسعار رُخَص بعض الصيدليات في المناطق الحيوية في المدن إلى أكثر من 250 ألف دولار

 يبلغ عدد الصيادلة العاملين في فلسطين 8400 صيدلي، منهم حوالي 4900 صيدلي في الضفة الغربية والباقي من قطاع غزة. ويبلغ عدد الصيدليات في الضفة  1084 صيدلية، في حين لا يوجد رقم محدث حول أعدادها في قطاع غزة.

اقرأ/ي أيضًا: نقابة الصيادلة تضبط أسعار الأدوية: مضاربات وأدوية مهربة

وينص القرار بقانون رقم (15) لسنة 2016 بشأن نقابة الصيادلة أن مجلس النقابة يحدد عدد الصيدليات في كل مدينة وقرية ومخيم بالنسبة لعدد السكان، بحيث لا يقل عن أربعة آلاف نسمة لكل صيدلية. ويحدد المجلس بموافقة الوزير المسافة بين كل صيدلية وأخرى في المدينة والقرية والمخيم، ومساحة كل صيدلية، لكن على أرض الواقع توجد صيدلية واحدة لكل 2300 - 2700 نسمة، ومن غير السهل حاليًا منح تراخيص لصيدليات جديدة، مما فتح الباب لبيع تراخيص الصيدليات بأسعار عالية.

تصل أسعار رُخَص بعض الصيدليات في المناطق الحيوية في المدن إلى أكثر من 250 ألف دولار، ويقل المبلغ عن ذلك في المناطق النائية أو الريف، مما يعني أن مالكي رخص هذه الصيدليات أصبحوا مالكي ثروات فقط من ثمن التراخيص التي يحصلون عليها.

هذه الأسعار تتعلق فقط بأثمان التراخيص ولا تشمل خلوات مقرات الصيدليات أو بدل إيجارها أو ثمن الأدوية الموجودة فيها، مما يظهر مدى  تكلفة  شراء صيدليات قائمة، بحيث أصبحت تتركز بأيدي فئة متمكنة اقتصاديًا، ولم يعد بإمكان الصيادلة الشباب تملك صيدليات جديدة أو شراء صيدليات، رغم أهمية تنظيم المهنة دون حصرها بيد فئة دون غيرها.

أصبحت الصيدليات تتركز بأيدي فئة متمكنة اقتصاديًا، ولم يعد بإمكان الصيادلة الشباب تملك صيدليات جديدة أو شراء صيدليات

اللافت للانتباه أن نقابة الصيادلة أصبحت منظمة منذ عام 2016 بموجب قرار بقانون صدر عن الرئيس محمود عباس. وينظم هذا القانون أوضاع  المهنة وانتخابات مجلس النقابة، حيث ينص القانون على أن يجري اجتماع الهيئة العامة في النصف الثاني من شهر نيسان/إبريل في كل عام، وتختص بانتخاب النقيب وأعضاء المجلس ومناقشة التقرير المالي والإداري للمجلس، ومتابعة كافة الشؤون التي تتعلق بمهنة الصيدلة، وتعيين مدقق حسابات قانوني بتنسيب من المجلس لتدقيق حسابات النقابة وصندوق التقاعد وغير ذلك من المهام التي حددها القانون.

اقرأ/ي أيضًا: عن تاريخ الصيدلة في فلسطين

وينص القانون على أن مجلس نقابة الصيادلة يتشكل من النقيب وستة عشر عضوًا، ينتخبون من قبل الهيئة العامة لمدة ثلاث سنوات، ويجري انتخاب النقيب وأعضاء المجلس في آن واحد بالاقتراع السري في مقر القدس أو في أي مراكز أخرى يحددها المجلس في النصف الأول من شهر أيار/مايو. ويجوز إعادة انتخاب النقيب لدورة ثانية، ولا يعاد انتخابه بعد ذلك إلا بعد انقضاء دورة واحدة على انتهاء مدته السابقة.

وجرت آخر انتخابات لمجلس النقابة في عام 2014، استنادًا إلى قانون نقابة الصيادلة الأردني لعام 1957، ولم يحدث منذ ذلك الحين أي انتخابات، وبقي المجلس قائمًا منذ ذلك الحين حتى اليوم، وعدده سبعة أشخاص. وما زال عددٌ من أعضاء مجلس النقابة يحافظون على مقاعدهم في مجلس النقابة منذ سنوات طويلة، فالنقيب مثلاً في مجلس النقابة بين عضو ونقيب منذ عام 1993، دون أي تغيرات حيوية تتيح وصول أعضاء جدد للمجلس، بل أن الهيئة العامة ناقشت التقرير المالي لعام 2017، ولم يناقش بعد العام الماضي أي تقرير من الهيئة العامة وفقًا لما يردده أعضاء من الهيئة العامة، وهذا يعني فعليًا وجود مجلس مشكل على خلاف ما نص عليه القرار بقانون، وتعطيل لإجراء الانتخابات.

ويبرر المجلس الحالي عدم إجرائه الانتخابات إلى وجود الانقسام وتعذر إجراء انتخابات في فرع الجنوب (قطاع غزة)، علمًا أن القرار بقانون هو أصلاً أحد نتاجات الانقسام، ويعي وجود الانقسام.

نقابة الصيادلة بحاجةٍ ماسةٍ إلى تجديد ديمقراطي وإجراء انتخابات نزيهة تتيح وصول جيل جديد إلى مجلس النقابة، والغريب أن القرار بقانون مُرِّرَ على ما يبدو من أجل أن يحافظ على مراكز القوى القديمة في مجلس النقابة، فقد اشترط القرار بقانون أن يكون النقيب مزاولاً للمهنة مدة 15 عامًا وأن يكون عضو مجالس النقابة مزاولاً لمدة 10 أعوام، ويتضمن ذلك إبعادًا لفئة الشباب عن الوصول إلى مجلس النقابة، علمًا أن القانون الاردني لعام 1957 الذي كان معمولاً به اشترط فقط أن يكون النقيب قد زاول المهنة لمدة خمسة أعوام، ولم يحُل دون وصول الأعضاء المزاولين إلى المجلس ما دامت قبلت عضويتهم اصلاً قبيل انعقاد اجتماع الهيئة العامة.

القرار بقانون الخاص بنقابة الصيادلة تضمن شروطًا تحول دون وصول الشباب إلى مجلس النقابة

الأعين الآن موجهةٌ إلى اجتماع الهيئة العامة، حيث ينشط الآن حراكٌ واسعٌ للجيل الشبابي في نقابة الصيادلة بمطالب نقابية متعددة يرون أنها من حق الصيادلة، من ضمنها إجراء انتخابات جديدة وتجديد عضوية مجلس النقابة، وضخ دماء جديدة اليها، فحين نص القرار بقانون أن المدة الأقصى للنقيب دورتين متتاليتين فقط هدفه ضخ دماء جديدة إلى مجلس النقابة، ولا يستبعد أن يتوجه بعض أعضاء الهيئة العامة هذه السنة إلى محكمة العدل العليا لأجبار مجلس النقابة الحالي على إجراء انتخابات جديدة.

المحافظات الجنوبية التي تستخدم كحجة لتعطيل الانتخابات، جرى فيها عام 2019 انتخابات لمجلس جديد، لذا لا بد أن تكون مهمة المجلس الجديد في حال انتخابه هو توحيد النقابة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصةً أن سجلات أعضاء النقابة من قطاع غزة لم يتم تحديثها منذ عام 2011.

استخدام موضوع قطاع غزة للحيلولة دون إجراء انتخابات يعد تحايلاً على القانون، خاصة ما ورد في النظام الذي نص في أحد مواده أنه إذا حالت أية ظروف استثنائية دون انعقاد الهيئة العامة لإجراء الانتخابات في أي من المحافظات الشمالية أو الجنوبية، يستمر النقيب والمجلس القائم بممارسة مهامه كمجلس انتقالي إلى حين إجراء الانتخابات، ويكون للنقيب والمجلس القائم ممارسة كافة الصلاحيات المخولة للمجلس المنتخب، وهذا بند يخالف ما ورد في القرار بقانون.

إن هذا البند الذي أُدخِلَ قسرًا إلى نظام النقابة بشأن الانتخابات يحمل في طياته مساسًا خطيرًا بالحق في إجراء انتخابات لمجلس النقابة، ويضعف من النقابة، ويترك للهيئة مسؤولية توزيع المقاعد بين المحافظات وليس تعطيل إجراء الانتخابات. وعليه يتوجب على مجلس النقابة تشكيل لجنة انتخابات مركزية، ولجنتين فرعيتين للمحافظات الشمالية والجنوبية تتكوّن كل لجنة منهما من خمسة أعضاء، ومن ثم تنتخب المحافظات الشمالية 10 أعضاء، ويخصص للمحافظات الجنوبية في عضوية المجلس ستة أعضاء ينتخبون انتخابًا حرًا حين يصبح الأمر متاحًا لهم، فلا يجوز أن يبقى الانقسام وسيلة لمصادرة الحق في إجراء الانتخابات.


اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا تخشى قيادتنا الانتخابات؟

هل أضاعت السلطة هويتها المدنية؟