ازدادت في السّاعات الأخيرة المؤشّرات الدالة على نيّة "إسرائيل" تنفيذ هجوم بريّ على لبنان، إذ قال وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، إن مرحلة جديدة من الحرب ضد حزب الله ستبدأ قريبًا، فيما قالت الخارجية الأميركية، إن "إسرائيل" أبلغت أن العملية ستكون "محدودة"، وتركّز على بنية حزب الله التحتية.
محللون إسرائيليون: التوغّل البري قد يورّطنا، والحل على الجبهة الشماليّة يكمن في الجبهة الجنوبية (غزة)
ومع تعاظم السِّجال داخل "إسرائيل" بشأن المحاذير والدوافع الموجبة لتنفيذ عملية عسكرية بريّة في لبنان، تحدّث محللون وخبراء عسكريون إسرائيليون حول إمكانية تنفيذ عملية برية وتأثيرها على الوضع الأمني، وبين ضرورة التدخُّل العسكري الواسع أو الاكتفاء بالغارات الجوية لتحقيق الأهداف المرجوة.
هل العملية البرية ضرورية لتحقيق الاستقرار في الشمال؟
عاموس هارئيل المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، قال إنه مع تصاعد التوترات مع حزب الله، يواجه بنيامين نتنياهو، ضغطًا متزايدًا من رؤساء المجالس المحلية في الجليل وسكان الشمال الذين يحثّون على عدم الاكتفاء بالهجمات الجوية، ويدعمون اتّخاذ خطوات أكثر حزمًا، تشمل تنفيذ عملية برية تهدف إلى تعزيز الوضع الأمني على الحدود مع لبنان.
وأضاف أن هذا المطلب يُعبّر عن القلق المتزايد بين السكان الإسرائيليين، الذين يخشون تصاعد تهديدات حزب الله، ويعتبرون أنّ عملية برية قد تكون ضرورية لتحقيق الاستقرار، وعلى الرغم من وجود استعدادات لتنفيذ هذه العملية، يبدو أن القرار النهائي لم يُتخذ بعد.
ويقول هارئيل، إنّ التوترات الداخلية بين الدوافع العسكرية والسياسية، تُعقّد اتخاذ القرارات الاستراتيجية، كما أن نتنياهو يعتمد بشكل كبير على شركائه في الائتلاف من اليمين المتطرّف، والذين يضغطون للاستمرار في الحرب بلا هوادة.
شمعون شيفر: قد نخسر مئات الجنود
كما يُعبّر شمعون شيفر، الصحفي في يديعوت أحرونوت، عن مخاوفه من العملية البرية، مؤكدًا أنه يأمل ألا تصل "إسرائيل" إلى مرحلة تنفيذ عملية بريّة.
وأضاف شيفر أن هذه الخطوة قد تكلّف أرواح مئات الجنود، ما يسلّط الضوء على المخاطر المرتبطة بأي تصعيد عسكري واسع النطاق.
خشيّة من تكرار 7 تشرين الأول/أكتوبر
من جانبه، يرى يوسي يهوشوع، محلل الشؤون العسكرية في قناة I24 أن هناك قادة في الجيش يعتقدون أنه لا مناص من تنفيذ عملية برية محدودة وقصيرة تستهدف البنية التحتية لحزب الله، خاصة تلك الموجودة على خط المواجهة مع المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان، ويجب أن يكون ذلك متماشيًا مع الاستراتيجية العسكرية التي تهدف إلى تقويض قدرات العدو من خلال عمليات محددة الهدف، على حدّ قوله.
ويشير يهوشوع إلى أن الوضع الحالي يثير قلق رؤساء الهيئات المحلية الاسرائيلية، الذين يتلقون تقارير تفيد بعدم قدرتهم على إعادة السكان إلى منازلهم خشية تكرار أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث يُعتبر مقاتلو قوة الرضوان أكثر مهارة وتدريبًا، مقارنة بعناصر كتائب القسام.
التسوية خيار أفضل
ويعتقد يوسي ميلمان، الخبير في الشؤون الاستخبارية العسكرية، أنّ "إسرائيل" ربما في الطريق نحو عملية برية، مشيرًا إلى تصريحات رئيس الأركان هرتسي هليفي حول الاستعدادات الجارية داخل الجيش الإسرائيلي للشروع بالحرب البرية.
ورغم ذلك يعرب ميلمان عن أمله في عدم تنفيذ عملية برية، لأنّه من "الأفضل التوصل إلى تسوية بوساطة دولية، وذلك لتجنّب الكلفة البشرية والمادية الكبيرة التي قد تنجم عن أي تصعيد عسكري".
كما أشار ميلمان إلى أن استمرار حزب الله في إطلاق عشرات الصواريخ، واستهداف مقر قيادة الموساد، قد يعكس أنه يواصل تنفيذ استراتيجياته العسكرية بشكل يتوافق مع قدراته الحالية، ما يزيد من تعقيد الوضع.
لماذا تريد أن تتدخّل "إسرائيل" بريًا في لبنان إذا كان بإمكان الغارات الجوية أن تحقق الأهداف المرجوّة؟
أمّا نوعام تيبون، القائد السابق للفيلق الشمالي في الجيش الإسرائيلي، فذكّر بتجربة حرب لبنان الثانية، حيث كانت العملية العسكرية الجوية ناجحة، لكنّه انتقد عدم التوقّف في الوقت المناسب، ما أدى إلى عملية برية زادت من تعقيد الوضع. وأكد أن الحل المناسب يكمن في الجبهة الجنوبية، بما في ذلك صفقة مخطوفين، مع إنهاء الحرب في الشمال.
وعلق تيبون على الدعوات المطالبة بعملية برية في لقاء بثته القناة الـ13 الإسرائيلية، بالقول إنّ "العملية البرية قد تؤدي إلى تعقيدات وتورّط غير مرغوب فيه، ولهذا من المهم أولًا إعداد القوات بشكل جيّد. وثانيًا، يجب التفكير بعناية في نوع العملية التي يجب القيام بها، حيث توجد عدة خيارات عملياتية متاحة. وثالثًا، إذا كانت الغارات الجوية فعّالة، فلا داعي للتعجّل في الدخول بعملية برية واسعة".
أما اللواء احتياط ران كوخاف، قائد منظومة الدفاع الجوي سابقًا فأعرب عن اعتقاده في حوار تلفزيوني بثه التلفزيون الإسرائيلي (قناة كان)، بأنه لا يمكن حسم المعركة من الجو، رغم إمكانية القضاء على القدرات العسكرية لحزب الله.
وعقّبت أورنا مزراحي، الباحثة الرئيسة في معهد دراسات الأمن القومي، بالقول إن هزيمة حزب الله تتطلّب تنفيذ عملية برية معقّدة قد تطول، ولكن القصف الجوي يمكن أن يُحقق إنجازات جيّدة.
بين الغارات الجوية والعملية البرية.. خيارات إسرائيلية متباينة في الحرب على لبنان
من جهته، أكّد اللواء احتياط غاي تسور، القائد السابق لسلاح البر في الجيش الإسرائيلي، في لقاء مع القناة الـ12 الإسرائيلية، أنه إذا أرادت "إسرائيل" هزيمة حزب الله، فلا بد من عملية برية شاملة في عمق لبنان لضرب كافة قدراته.
وردّ عليه نمرود شيفر، رئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي سابقًا، إلى القول إن استخدام القوة البريّة يجب أن يخدم مهمة واضحة، متسائلًا عمّا إذا كانت هذه المهمة ستدفع حزب الله لقبول شروط "إسرائيل" لوقف الحرب.
عملية برية؟ إذًا حرب بحجم مختلف تمامًا!
وأوضح رون بن يشاي، المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت، أن القوة البرية يمكن أن تحتل منطقة وتجعلها ورقة مساومة، أو يمكن أن تقضي على القدرات العسكرية لحزب الله، ولكن ذلك قد يستغرق وقتًا طويلًا.
أمّا تامير هايمان، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فقال في لقاء تلفزيوني مع القناة الـ12 الإسرائيلية، إنه "إذا تم تنفيذ عملية برية، فإننا نتحدث عن حرب بحجم مختلف تمامًا. هناك عدة أهداف محتملة لتلك العملية. الهدف الأول، وهو هدف محدود للغاية، يتمثل في دخول بري لإنهاء تواجد قوات الرضوان في عدد من المواقع، وهذا سيُحسّن الوضع الأمني بشكل بسيط. والخيار الآخر هو القيام بعملية أوسع تهدف إلى إنشاء حزام أمني، والذي يتطلّب الدخول لمسافة أكبر والبقاء هناك لفترة. والخيار الثالث يتضمّن تغيير أهداف الحرب لتصبح إسقاط حزب الله، وهذا الهدف يتطلّب عملية أعمق وأكثر تعقيدًا".