08-أبريل-2023
غزيّون ينتظرون وجبة الإفطار خلال شهر رمضان - getty images

غزيّون ينتظرون وجبة الإفطار خلال شهر رمضان - getty images

كثيرة هي الأزمات والمشاكل التي تمُرًُّ بها الجمعيات الخيرية التي تسعى لمساعدة سكان قطاع غزة المحاصر جوًا وبرًا وبحرًا منذ أكثر من 17 سنة، ويتخبّط من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، نتجت بشكل مباشر عن الحصار الذي كرّسه الاحتلال لخنق سكان غزة حتى آخر رمق دون هوادة، وها هو اليوم قرار وزارة الخزانة البريطانية الذي يضع تشديدات جديدة على الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة المتحدة والتي تقدم أشكال دعم مختلفة لقطاع غزة. 

 قرار الخزانة البريطانية كان مدفوعًا بالأساس بتحريض اللوبي الصهيوني الذي يحاول غلق كل المنافذ على سكان قطاع غزة 

ويعمّق قرار الخزانة البريطانية أزمة أهالي قطاع غزة (80 في المئة منهم تحت خط الفقر). وقد جاء القرار بعد أكثر من سنة على إضافة "حركة حماس" إلى "قائمة الإرهاب"، ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع وفقًا لبريطانيا خاضعًا لحكم كيان إرهابيّ وهي الخطوة التي كانت متوقعة منذ ذلك الحين، ما وضع الجمعيات الخيرية بين "كفي عفريت"، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة خدماتها وإرسال المساعدات للقطاع المحاصر.

واستنادًا على اعتبار أن حركة حماس "إرهابية" في القانون البريطاني فقد بعث مكتب تطبيق العقوبات الماليّة التابع لوزارة الخزانة، بخطابٍ إلى العديد من الجمعيات الخيرية الناشطة على التراب البريطاني والتي تقدم خدمات ومساعدات لقطاع غزة، حيث طلب المكتب تزويده بمعلومات عن أي مدفوعات من الجمعيات إلى السلطات داخل غزة منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك من أجل مراقبة مستويات الامتثال للوائح العقوبات، ونصّ الخطاب على أنّ الجمعيات الخيرية يجب أن تقدّم بعض التفاصيل مثل التواريخ والمبالغ المدفوعة بالضبط، وأسماء الأفراد أو المنظمات المستلمة لتلك المدفوعات، مع ملخّص يوضح سبب الدفع، وأي مستندات داعمة مثل الفواتير والإيصالات.

القرار جاء في ظروف استثنائية حيث تلقّت الجمعيات الخطاب في بداية شهر رمضان 

القرار جاء في ظروف استثنائية حيث تلقّت الجمعيات الخطاب في بداية شهر رمضان، وهو الشهر التي تكثف فيه هذه الأخيرة نشاطاتها نظرًا لخصوصية هذا الشهر، ما يعني أن اختيار الوقت لم يكن اعتباطيًا، بل كان مخططًا له، فمثل هذه القرارات تتخذ لغايات معيّنة، خاصة أن بريطانيا وعلى مدار السنوات الماضية لم تشدد على عمل الجمعيات الخيرية التي تعمل لصالح قطاع غزة، وهنا لا يمكن إغفال أن قرار الخزانة البريطانية كان مدفوعًا بالأساس بتحريض اللوبي الصهيوني الذي يحاول غلق كل المنافذ على سكان قطاع غزة من جهة، وتقويض جميع المداخل التي من المحتمل أن تستخدمها حركة حماس في إدخال الأموال لقطاع غزة وتجفيف منابع تمويل الحركة.

مع القرار البريطانيّ من المرجح أن يتم إيقاف العديد من الجمعيات الخيرية، خاصة تلك التي تمتلك بعض التواصل مع حكومة حماس وإداراتها في قطاع غزة، في ظل أن هناك أكثر من 500 جمعية خيرية بريطانية مدرجة -لدى لجنة الجمعيات الخيرية- على أنها تعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عدد الجمعيات العاملة في غزة أقل بكثير؛ نظرًا لتحديات العمل داخل القطاع، وذلك منذ حصار "إسرائيل" له عام 2007.

القرار بداية لسلسلة أخرى من القرارات التي من المرجّح أن تتخذها العديد من الدول الأخرى لتقويض المساعدات التي تدخل قطاع غزة 

قرار بريطانيا بتشديد المراقبة على الجمعيات الخيرية لن يكون سوى بداية لسلسلة أخرى من القرارات التي من المرجّح أن تتخذها العديد من الدول الأخرى لتقويض المساعدات التي تدخل قطاع غزة عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مساعدة الغزيين في مواجهة الحصار والوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري، الذي يتدهور يومًا بعد يوم في ظل صمت دولي، هذا الحصار الذي ترفضه كل الأعراف والشرائع والأخلاق والمبادئ الإنسانية جعل حياة الغزيين جحيمًا لا يُطاق، وانعكس بشكل سلبي وكارثي على كل مناحي الحياة. 

كان أحرى بالجهات البريطانية المسؤولة، ومفوضيّة العمل الخيري إعطاء توجيهات واضحة بشأن المساعدات الإنسانية لغزة، وكيفية إدخالها للقطاع وضمان إيصالها لأيدي مستحقيها بدلًا من توجيه إشعارات وتشديدات تكرّس سياسة العصا لمن عصى، وضمان ألا تُتهم الجمعيات الخيرية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية بأن لها صلات بالعمل الإرهابي، فسكان غزة يتلقون اليوم العديد من المساعدات الإغاثية والغذائية من المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية؛ تلك المساعدات تضررت بسبب إغلاق المعابر ومنع وصول القوافل الإغاثية، ومثل هذه السياسات تعمّق جراح الغزيين أكثر فأكثر وتجعل وصول المساعدات شبه مستحيل.