"كنت أتصفح حسابي على الفيسبوك عندما وصلتني رسالة بلوغو واسم بنك فلسطين، وطلب أن أضغط على رابط ليدخل اسمي بمسابقة سحب الجوائز، وبعد أن ضغطت على الرابط، دخلت في دوامة لأدرك بعد ثواني أني وقعت ضحية عملية نصب، وأنه تم استخدام حسابي لسرقة المال من حساب آخر".
وتكمل ريناد (40 عامًا) موظفة في القطاع الخاص، "حينما ضغطت على الرابط تم تحويل، 10 آلاف شيكل، إلى حسابي من حساب آخر، وبعد 3 دقائق وصلتني رسالة من الأردن أنني اشتريت من شركة بمبلغ (600 دينار)، وبعدها بدقيقتين وصلتني رسالة ثانية للإشعار بالشراء ببقية المبلغ، حينها أدركتُ أنني ضحية جريمة نصب، فأسرعت لأقرب فرع لبنك فلسطين لأخبرهم عمّا جرى معي، علمًا أنني لا أملك بحسابي أيّ مال، ليخبرني موظف البنك أنني وقعت مثل الكثيرين ضحية عملية نصب إلكترونية".
بدأت عمليات النصب الإلكتروني في الأسبوع الأول للحرب على قطاع غزة، ووقع ضحيتها مئات المواطنين الذين قدموا شكاوى لنيابة الجرائم الإلكترونية
وتقول ريناد:"في اليوم الثاني ذهبت إلى نيابة الجرائم الإلكترونية لأبلغ عمّا حدث معي بناء على طلب البنك، لأجد أن هناك شكوى ضدي من المرأة التي تم تحويل المبلغ من حسابها".
وتختم ريناد:" لقد أخطأت بالضغط على لوغو ورابط بنك فلسطين المزور الذي وصلني، لكن البنك لم يحذّرني إطلاقًا عبر إرسال رسائل نصية على هاتفي النقال من أن هناك عمليات نصب تتم بهذه الطريقة، على الأقل كان سيبقى الأمر عالقًا في رأسي، وكنت سأكون أكثر حذرًا"، بحسب تعبيرها.
وحسب مصادر خاصة لـ "الترا فلسطين" فقد بدأت عمليات الاحتيال الإلكتروني في الأسبوع الأول للحرب على قطاع غزة أيّ منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ووقع ضحيتها مئات المواطنين الذين قدموا شكاوى لنيابة الجرائم الإلكترونية.
وتابعت المصادر لـ"الترا فلسطين" أن هناك حركات تحويل وشراء من الحسابات تتم من الخارج حسب المعطيات الموجودة، وشكاوى المواطنين.
ويتابع المحامي المختص في الجرائم الإلكترونية تامر قمحية عددًا من الملفات لضحايا وقعوا ضحية إعلانات مزورة تنتحل صفة "بنك فلسطين".
وأوضح قمحية لـ "الترا فلسطين" أنه في بعض الحالات يرسل المحتال، بعد التدرج مع الضحية، رابطًا على أساس أنه قد فاز في المسابقة، كي يتم تحويل المبلغ إليه، وفي الوقت الذي يضغط الضحية على الرابط، يدخل على حساب التطبيق الإلكتروني لبنك فلسطين الخاص به.
وقال قمحية، إن لديه ملفين لضحيتين سرق النصاب حساباتهم، وحول من حساب ضحية إلى حساب ضحية آخر، وليس إلى حسابه الشخصي، وتجري عدة عمليات تحويل، ولعدة حسابات.
وتابع قمحية، أن هناك ضحية قد سُرق منها 10 آلاف شيكل، وهناك ضحية أخرى قد سرق منها 40 ألف شيكل.
وفيما تؤكد الشرطة الفلسطينية وصول شكاوى عديدة إليها جراء عمليات النصب والاحتيال هذه، فإن دائرة العلاقات العامة والإعلام في بنك فلسطين ترفض الإدلاء بأيّ تصريح صحفي حول الأمر، بالرغم من عدة انتقادات طالت المصرف، متهمة إياه بالتقصير في توعية العملاء، وتطوير تقنيات حماية لحساباتهم.
وخلال عملية بحث سريعة، رصد "الترا فلسطين" 12 إعلانًا مزيفًا في مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر بشكل خاص عبر فيسبوك، وبشكل أقل كثافة في إنستغرام وتيك توك، والقاسم المشترك بينها هو استخدام ألوان وتصاميم بنك فلسطين بشكل مطابق للحقيقي، ومحاولة إقناع العملاء بتقديم بياناتهم للدخول على سحوبات وجوائز نقدية بشكل يوميّ وشهريّ.
قال المتحدث باسم جهاز الشرطة لؤي ارزيقات لـ "الترا فلسطين"، إن كل هذه الإعلانات هي "انتحالية"، تستغل الضعف المالي عند المواطنين من خلال إنشاء إعلانات وهمية، تتضمن صورًا وتصميمات مشابهة للإعلانات الأصلية الصادرة عن المؤسسة أو المصرف.
وأضاف ارزيقات، أن من يقف خلف هذه الإعلانات كانوا في السابق يطلبون معلومات دقيقة من الشخص، وعندما تم تنبيه المواطنين مرارًا والتحذير من عمليات النصب هذه، طوروا أساليبهم، وحاليًا يحتاجون فقط إلى معلومات قليلة عن الشخص أو صورة هويته للدخول إلى حسابه البنكي أو اتصالاته والنصب عليه.
وأكد ارزيقات على ضرورة عدم التعاطي مع هذه الإعلانات والحذر منها، وحظرها.
وفيما لم يقدم ارزيقات أي أرقام حول عدد الشكاوى التي وردت إليهم، منوهًا إلى تسجيل الكثير منها، علم "الترا فلسطين"، بأن مئات الشكاوى وصلت إلى دائرة الجرائم الإلكترونية حول جرائم من هذا القبيل.
وتواصل "الترا فلسطين" مع مسؤولين في دائرة العلاقات العامة والإعلام في بنك فلسطين، للرد على عدد من الاستفسارات حول عمليات النصب، إلا أن أحدهم طلب مهلة للرجوع إلينا ولم يعد، وآخر رد بشكل صريح بأن القضية تتعلق بعمليات نصب واحتيال تنتحل صفة عدة بنوك وليس بنك فلسطين فقط، وبأن علينا التوجه إلى سلطة النقد.
بدورها، قالت سلطة النقد الفلسطينية، في تعقيب مكتوب خاص لـ"الترا فلسطين": إنها "تتابع جرائم الإحتيال الإلكتروني من خلال عدة مصادر، وتقوم بدراسة الأساليب والأنماط التي يستخدمها المجرمون في الاحتيال على المواطنين وعملاء المؤسسات المالية، وإصدار ما يلزم من تعليمات وإرشادات للحد من مخاطر جرائم الاحتيال الإلكتروني. كذلك الحال تصميم فيديوهات ومنشورات لتوعية وتثقيف المواطنين بأساليب الاحتيال الإلكتروني وسبل الوقاية منها، ومعظم حالات الاحتيال تنتج عن عدم تنبه المواطنين إلى ضرورة عدم نشر البيانات المصرفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأضافت سلطة النقد، أن "جرائم الاحتيال الإلكتروني تؤدي إلى تعريض أموال المواطنين للسرقة، ويعود ارتفاع عدد حالات الاحتيال الإلكتروني إلى قيام عملاء المصارف بمشاركة بياناتهم الشخصية والمصرفية مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، بحسب قولها.
وأكدت سلطة النقد أنها "تولي محاربة الجرائم الإلكترونية أهمية كبيرة حرصًا على تحقيق الاستقرار المالي والنقدي والحفاظ على أموال ومدخرات المواطنين وتجنيبهم أي خسائر مالية قيد يتعرضون لها".
وأوضحت سلطة النقد أنها "تقوم بتعميم أساليب الاحتيال المكتشفة والمتجددة على المؤسسات المالية ومطالبتها بتوعية العملاء والمواطنين بها وسبل الوقاية منها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات فاعلة للحد منها بما يكفل المحافظة على أموال المودعين، كما تعمل سلطة النقد على متابعة التزام المصارف باتخاذ التدابير والضوابط اللازمة بالخصوص".
من جانبه، يرى المحامي قمحية "بإنه لا يوجد عملية تتبع صحيح من البنك لعمليات التحويل المكررة، ولا رقابة صحيحة عليها".
قمحية: المطلوب من البنك تطوير الأنظمة الإلكترونية لديه بحيث تقوم بالتدقيق على هذه الحوالات وحجمها قبل تنفيذها، وتنظيم هذه الأمور
وتابع قمحية، أن "البنك يقوم بنشر إعلانات توعية عبر صفحته، ولكن هذا العدد من الإعلانات غير كافٍ، مضيفًا أن على البنك القيام بدور أكبر لتوعية العملاء". مؤكدًا في الوقت ذاته: "أنه لا يترتب على البنك أيّ مسؤولية قانونية، حيث أن الضحية هو من قام بكل هذه الخطوات وتقديم كل هذه البيانات".
وحول عمليات اختراق أكثر من حساب والتحويل من حساب إلى آخر حيث أن الطرفين ضحية، قال قمحية إنه في هذه الحالة يكون الشاكي والمشتكى عليه ضحية، ولكن يتم تتبع عملية التحويل ومعرفة أين وصلت، ويسهل تبرئة من وصلت إليه الأموال بطلب كشف حساب، حيث يتبين أنها خرجت من حسابه مرة أخرى، لذا يجب أن يتم التتبع بعدها، ولكن في النهاية تُسحب هذه الأموال من آخر حساب وصلت إليه ويصعب استردادها، وبالتالي لا يوجد من يعوض الضحية، إلا في حالة معرفة السارق والقبض عليه.
لكن قمحية، قال إنه لا يوجد تعاون بـ"نسبة 100% من البنوك"، حيث أنه "يجب إلّا يسمح البنك بتنفيذ عمليات تحويل كبيرة بكل سهولة وخلال وقت قصير"، بحسب قوله.
وأضاف قمحية، أن "المطلوب من البنك تطوير الأنظمة الإلكترونية لديه بحيث تقوم بالتدقيق على هذه الحوالات وحجمها قبل تنفيذها، وتنظيم هذه الأمور".
لم يجد معد التقرير أي إعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي يروج لجوائز ومسابقات وهمية إلا تلك التي تنتحل صفة بنك فلسطين، وبالرغم من ذلك امتنع البنك عن الإدلاء بأي تصريحات
وعلى سبيل المثال، قال إنه "في حال كان هناك عملية تحويل متقطعة بقيمة ألف شيكل وبشكل متتابع، يجب أن تكون الأنظمة قادرة على معرفة أن الأمر مريب، فلا يوجد من يصرف هذا المبلغ خلال هذه الفترة القصيرة بشكل سليم".
وأضاف، في حال كان هناك طلب سحب بقيمة كبيرة يجب على البنك أن يوقف هذه العملية حتى التحقق بشكل شخصي من العميل، ليس من باب التدخل في الخصوصية ولكن لحماية العميل نفسه، وتجميد العملية حتى التحقق بعدة طرق من رسالة نصية على الجوال، والتأكيد برقم كود أو اتصال شخصي، أو عمل نظام ما لإيقاف هذه الحركات.
ولخصّ قمحية، أن المطلوب هو توعية أكبر للمواطنين من جهة، ومن جهة ثانية أن يطور البنك أنظمته الإلكترونية.
ولم يجد معد التقرير أي إعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي يروج لجوائز ومسابقات وهمية إلا تلك التي تنتحل صفة بنك فلسطين، وبالرغم من ذلك امتنع البنك عن الإدلاء بأي تصريحات.
لم ينشر بنك فلسطين سوى 6 إعلانات خلال 30 يومًا عبر صفحته في فيسبوك للتحذير من عمليات النصب، على النقيض من بنوك أخرى ترسل رسائل نصية لهواتف عملائها بشكل منتظم
وتحقق "الترا فلسطين" من هاتف جوال عميل في بنك فلسطين، للتأكد من أن البنك يحذّر العملاء من عمليات النصب هذه، إلا أن البنك لم يرسل أي رسالة تحذير، كذلك لم ينشر البنك سوى 6 إعلانات خلال 30 يومًا عبر صفحته في فيسبوك للتحذير من عمليات النصب، على النقيض من بنوك أخرى ترسل رسائل نصية لهواتف عملائها بشكل منتظم.
وعلى صفحة فيسبوك الخاصة ببنك فلسطين، كان العشرات من المواطنين يتساءلون عن مصير أموالهم، وآليات الحماية التي يقوم بها البنك.
وتساءل أحدهم: "وين الأمان تاع البنك للحساب متل بقية البنوك ولا الحساب مودعينه بالشارع ومطلوب منا نحميه!!؟"، بحسب تعبيره.
ورد البنك: "يرجى العلم أنه من طرفنا كبنك يتم تزويدك بيانات الحساب والبطاقة البنكية مع التعزيز من طرفنا بخدمات الحماية كخدمة 3d secure للبطاقة، وطلب تغيير الرقم السري للتطبيق كل 3 شهور وغيرها، ولكن دور العميل هو الحرص على عدم مشاركة هذه البيانات مع أي جهات غير مخولة أو موثوقة تجنبًا لعمليات الاحتيال التي تحصل".
فيما يطلب آخر بالتعليق عبر صفحة البنك "يا ريت البنك يبعث مسجات على جوالات المشتركين بهالخصوص لأن الأمر زاد عن حده هالفترة".
وهنا يرد البنك بشكل عام: "عميلنا الفاضل نشكر لكم اهتمامكم، حمى الله فلسطين وأهلها".
وفي معرض رد البنك على أسئلة عدد من المواطنين إن كان البنك طلب معلومات أو لديه صفحات أخرى.
يرد البنك بشكل يؤكد وجود عمليات النصب والاحتيال هذه، قائلًا: "يرجى الحرص على عدم مشاركة بيانات حسابك أو تزويدها لأي جهات غير موثوقة وغير مخولة بذلك تجنبًا لعمليات الاحتيال التي تحدث خلال الوقت الراهن، علمًا وأنه من طرفنا كبنك فلسطين يتم وباستمرار عبر صفحتنا على مواقع التواصل الاجتماعي تحديث منشورات التوعية بشأن تجنب عمليات الاحتيال التي تحدث".
وأضاف في تعليق آخر: "هذه مواقع مشبوهة يرجى عدم التعامل معها، والتبليغ عنها وعدم تزويدهم بأي معلومات تخص بطاقاتك البنكية أو الحساب".
ومن غير المعلوم؛ لماذا بعد كل هذه الأشهر ومئات عمليات النصب لا يرغب البنك بإرسال رسائل نصية إلى عملائه على هواتفهم الخاصة يحذرهم من عمليات النصب الإلكتروني التي تم رصدها فقط لعملاء البنك، ومن غير المعلوم أيضًا كيف سيتم حل مئات الشكاوى للضحايا الذين خسروا مبالغ مالية طائلة أو أولئك الذين تم استخدام حساباتهم في التحويل.