يقضي المواطن كايد دعنا (55 سنة) معظم الليالي يقظًا بلا راحة، فقط لأنه يقطن في منطقة وادي الحصين بالخليل، الواقعة ضمن تصنيف H2 الذي فرضه الاحتلال على مدينة الخليل، وبالقرب من مستوطنة "كريات أربع". يمارس كايد دعنا دور الحارس على عائلته وممتلكاته من اعتداءات المستوطنين المستمرة عليهم.
لا تستطيع عائلة كايد دعنا قضاء عطلة نهاية الأسبوع بشكل طبيعي، فجيش الاحتلال يفرض عليهم منع تجول لتأمين يوم سبت "السلام" للمستوطنين. بينما يقيم عبد الكريم الجعبري كافة مناسباته في المنزل لمحاولة ترجيح كفة الديموغرافيا لصالح الفلسطينيين ولو لساعات
كايد دعنا أبٌ لـ 7 أبناء، وجدٌ لـ 12 حفيدًا، لم يستطع أحدٌ منهم أن يلعب في باحة منزله إلا خِلسة عن المستوطنين، تجنبًا لاعتداءات المستوطنين المتكررة. وفوق ذلك، يقطعون أربع كيلومترات للوصول إلى أقرب مكان تصل له السيارات لنقلهم إلى مدارسهم، لأن السيارات الفلسطينية ممنوعة من الدخول لتلك المنطقة.
ولا تستطيع عائلة كايد دعنا قضاء عطلة نهاية الأسبوع بشكل طبيعي، فجيش الاحتلال يفرض عليهم منع تجول لتأمين يوم سبت "السلام" للمستوطنين.
ولايفوت مستوطنو "كريات أربع"، و"جفعات هأفوت"، و"خارصينا" فرصة للتنكيل بعائلة عبد الكريم الجعبري (64 سنة)، الذي يسكن هو وعائلته في منطقة البويرة شرقي مدينة الخليل، إلا أنه يتعمد تنظيم كافة مناساباته في المنزل الذي يقع وسط المستوطنات. يوضح عبد الكريم الجعبري أنه يفعل ذلك لهدفين: أولهما، أن يُعرّف زواره على ما يعيشه وعائلته من انتهاكات يومية من المستوطنين، وثانيهما، محاولة ترجيح كفة الديموغرافيا لصالح الفلسطينيين حتى لو لساعات قليلة. وفي كل الأحوال فالجميع في مرمى اعتداءات المستوطنين سواءً في الأفراح أو في الأتراح.
ويقول عبد الكريم الجعبري، إن أفراد عائلته يتعرضون لاعتداءات بشكل شبه يومي، في أحدها حاولوا إطلاق الرصاص عليه، وفي آخر ضربوه على رأسه متسببين له بجرح احتاج إلى (32 غرزة)، مبينًا أن أحد أبناءه طعنة بسكين من أحد المستوطنين، هذا عدا عن الاعتداءات التي لا تُحصى على بناته خلال ذهابهن للجامعة وعودتهن منها.
كما استولى المستوطنون بوضع اليد على أرض لعائلة الجعبري مساحتها حوالي 20 دونمًا مزروعة بالزيتون، وفي موسم الزيتون تخوض العائلة معارك مع المستوطنين لقطف ثمار أرضها ووجودها.
عوض زلوم (60 عامًا)، الذي يسكن في منطقة وادي الغروس شرقي الخليل، المحاذية لمقر "حرس الحدود"، يُضطر لأن يقطع مسافة لا تقل عن 800 مترًا مشيًا على الأقدام، يتخللها المرور بحاجزين إلكترونيين للوصول لبيته. الأصعب أنه يقطع هذه المسافة حاملاً حاجيات منزله مهما صغرت أو كبرت.
معاناة زلوم وعائلته المكونة من 15 فردًا تتضاعف في الشتاء، فمن جهة المشي على الأقدام كل هذه المسافة وهم يحملون أغراضهم، ومن جهة أخرى الرياح القوية التي تحرك الأوراق والكراتين الطائرة بجوار منزلهم، فستفتز البوابة الإلكترونية القريبة من المنزل، ليستنفر جنود الاحتلال ويبدأون التحقيق مع المارة والسكان والأطفال وكل من في المنطقة.
ولأن جيش الاحتلال يمنع عوض زلوم من العبور بسيارته حتى مسافة 800 متر عن بيته، فإنه يوقفها في أقرب منطقة مسموح بها من البيت، ما يجعلها معرضة للسرقة أو التخريب، وهو ما حدث قبل 10 سنوات
ولأن جيش الاحتلال يمنع عوض زلوم من العبور بسيارته حتى مسافة 800 متر عن بيته، فإنه يوقفها في أقرب منطقة مسموح بها من البيت، ما يجعلها معرضة للسرقة أو التخريب، وهو ما حدث قبل 10 سنوات، حيث فقد سيارته في ظروف غامضة، وحتى يومنا هذا لم يصله أي خبر عن مصيرها.
الحال ليس الأفضل بالنسبة لسامر الزعتري (30 سنة)، الذي يسكن في منطقة البويرة ويفصلها عن مستوطنة خارصينا 500 متر، ويعمل نجارًا في الخليل، لكنه يصل منجرته متأخرًا لأنه يقطع مسافات طويلة للوصول لأقرب مكان للمواصلات ويضطر أن يترك ورشته مبكرًا حتى يصل منطقته قبل أن يحل الليل، تلافيًا لاعتداءات المستوطنين التي تتضاعف في الليل، حيث يتستر المستوطنون بالظلام لمباغتة المواطنين والاعتداء عليهم.
يضطر الزعتري لتغييب أولاده عن مدارسهم يومين أو أكثر إذا ما صادفت أعياد المستوطنين منتصف الأسبوع، لأن سبل المواصلات في الأعياد اليهودية تنقطع على الفلسطينيين في هذه المناطق، فيصبحون معزولين عن العالم مسافة بضعة كيلومترات وعيد يهودي.
فكرة وجود سيارة لدى الزعتري أو جيرانه تعني لهم حلمًا يمكن أن يحرقه المستوطنون في أي لحظة في حال تحققه، وهذا ليس مجرد تخوف، بل واقع نتج عن تكرر حالات إحراق المستوطنين للسيارات بشكل جماعي أكثر من مرة ولنفس المواطنين.
يؤكد المواطنون في المناطق التي أقيمت المستوطنات بمحاذاتها في الخليل أنهم لا يتلقون أي دعم أو مساندة حكومية من شأنها أن تُسهل عليهم ما يعايشونه من معاناة يومية ومخاوف لا تنتهي.
يعيش في منطقة H2 حوالي 40 ألف فلسطيني، مقابل 700 مستوطن إسرائيلي يتوزعون على خمسة تجمعات استيطانية
يُذكر أن الاحتلال الاسرائيلي فرض "بروتوكول الخليل" بتاريخ 15 كانون ثاني/يناير 1997، ويقضي بتقسيم المدينة إلى قسمين: منطقة H1 وتشكل 80% من مساحة المدينة وتخضع لسيطرة السلطة، ومنطقة H2 ومساحتها 20% وتتركز في البلدة القديمة وسط الخليل، وتحتفظ "إسرائيل" بجميع مسؤوليات النظام العام والأمن فيها.
ويعيش في منطقة H2 حوالي 40 ألف فلسطيني، مقابل 700 مستوطن إسرائيلي يتوزعون على خمسة تجمعات استيطانية.
وأعلنت سلطات الاحتلال، أواخر العام 2015، المستوطنات المقامة في المنطقة H2 منطقة عسكرية مغلقة، وعزلت بذلك أكثر من 800 فلسطيني، وقيدت حركتهم من منازلهم وإليها بالتسجيل لدى السلطات الإسرائيلية، والخضوع للفحص على حاجز عسكري، إضافة إلى عدم السماح بدخول الزائرين.
ويوجد ما يزيد عن 100 نقطة تفتيش وحاجز طرق في منطقة H2، بما فيها 20 حاجزًا عسكريًا يتواجد عليها جنود تفصل منطقة المستوطنات عن محيط المدينة.