13-مايو-2017

أخيرًا أُقيمت الانتخابات البلدية. بعد التأجيل والتسويف، والشكاوى والطعون، والانتقاد والتجريح، أُقيم "العرس الديمقراطي" ناقصًا في الضفة الغربية دون القدس وقطاع غزة، وبمقاطعة حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. أُقيم بصور الورود التي تزيد عن المآخذ على الانتخابات.

والورود هنا ليست احتفاءً بالـ"العرس الديمقراطي" المزعوم، بل بدلاً من وجوه مرشحات في كثير من القوائم الانتخابية. هذا بعد جدلٍ كبيرٍ دار قبيل الموعد السابق المؤجل لهذه الانتخابات، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، حيث القوائم التي أُعلن عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم التعريف فيها عن أسماء السيدات بـ"أم فلان"، و"زوجة فلان".

حضرت "أم فلان" باسمها ولم تحضر صورتها في قوائم الانتخابات، والعذر الحقيقي يكشف انعدام الثقة، وليس الحرية الشخصية كما يقول البعض

هذه المرة، حضرت "أم فلان" باسمها، ولكن لم تحضر صورتها، فكان الورد بديلاً عنها. وهنا سأل كثيرون عبر مواقع التواصل، كيف يمكن للناخب أن يُدلي بصوته لصالح قائمة تضم مرشحة لا تريد لأحد أن يرى صورتها؟ كيف يُمكن إقناع الناخب بأن السيدة التي امتنعت عن إدراج صورتها في "البوستر" الدعائي للقائمة؛ ستكون مستعدة لحضور كافة جلسات المجلس، والمشاركة بشكل فعال في التعبير عن الذين انتخبوها؟

اقرأ/ي أيضًا: مرشحات في الانتخابات المحلية.. أخت وزوجة بدون اسم!

قد يبدو الحديث في الأمر متأخرًا، خاصة بعد دخول الانتخابات مرحلة الاقتراع، وربما عند قراءتكم لهذا المقال تكون النتائج قد أُعلنت. لكن حديثنا هنا لا يتعلق بقوائم محددة، ولا بهذه الانتخابات حصرًا، بل بثقافة مجتمع تقول شريحة لا يستهان بها منه "إن للمرشحة حق عدم إدراج صورتها، وهذه حرية شخصية لا يحق لأحد انتقادها بسببها، أو رفض قائمة كاملة بناء عليها".

هذا العذر يقودنا إلى حقيقة أننا في فلسطين نخلط بين الخاص والعام، ولا زلنا غير قادرين على فهم الفارق بينهما. فعندما يقرر شخص ما خوض تجربة ما تتعلق بعامة الناس، مثل الانتخابات المحلية ودخول المجلس البلدي، فإنه يصبح شخصية عامة، على الأقل في محيط البلدية التي يمثلها والناس التي يسكنون فيها، هذا يعني أنه سيفقد الكثير.

مما يفقده المرشح هذه الحرية الواسعة التي تجعله يمتنع عن إدراج صورته في القائمة الدعائية التي تهتم أولاً بتعريف الناس بأعضائها. نحن هنا لا نتحدث عن حساب شخصي على موقع تواصل، يمكنك أن تديره باسم وهمي مثل "الوردة الحمراء"، وأن تضع لـ"البروفايل" صورة وردة نرجس! إننا نتحدث عن شأن عام، عن مجلس ينتخبه الناس، وينتظرون منه خدمات أفضل، خاصة أن الضفة الغربية التي تجري فيها الانتخابات، تكاد تخلو من المجلس البلدية التي يلقى أداؤها رضا أغلبية سكانها.

والحقيقة أنه خلف العذر الذي أوردناه سابقًا، يختبئ عذر هو الأكثر دقة، نسمعه كثيرًا ولكن لا يصرح به أصحابه، وهو تسجيل حالات كثيرة سابقًا تم فيها تشويه وجوه النساء من قبل مجهولين، بإضافة شارب ولحية لهن، في محاولة لاتهامهن بـ"الاسترجال والتخلي عن أنوثتهن"، وهو ما يعتبر عيبًا في مجتمعنا.

يقودنا هذا العذر إلى التساؤل: كيف لمن تخشى على صورتها من مثل هذه التصرفات الصبيانية، أن تكون جزءًا من مجلس بلدي تصل النقاشات فيه إلى حد الشجار في حالات كثيرة؟ وإذا وقع الشجار أو الجدال، هل ستملك الجرأة والثقة لتشارك دفاعًا عن الناس؟ ثم كيف ستتعامل، بعد انتخابها، مع انتقادات سكان البلدية التي تتطور لتكون هجومًا حادًا في حالات كثيرة؟ إن خوض انتخابات محلية وتولي شؤون الناس أكبر من الالتفات إلى تشويه صورة، أو توجيه انتقادات، كما أنها أكبر من حرية شخصية تجعلنا نخفي صورنا.

ومما سمعناه أيضًا ولا يحب أحد الحديث عنه، أن أغلب السيدات أُدخلن إلى القوائم الانتخابية بغير إرادتهن، لملئ الفراغ في القوائم التي ستُقدم إلى لجنة الانتخابات، ويجب أن تضم حدًا أدنى من السيدات، تنفيذًا لقانون "الكوتة النسائية". يُقنع "زعماء" القائمة السيدات أن القائمة لن تحصل على عدد من المقاعد يكفي لتشارك هي في المجلس، فتقبل إدراج اسمها دون صورتها، وتبقى بعيدة عن كل شيء حتى إعلامها بالنتائج، بل إن بعضهن علمن بها في الانتخابات الماضية من الناس، وليس من أعضاء القائمة!

بقي أن نقول هنا، إن العشائر قد تلعب هذه اللعبة، وربما نقبلها منها مع كثير من الأسف، غير أنه لا يمكن القبول بأن تلعبها الأحزاب أيضًا! ويبدو مثيرًا للسخرية أن يكون اللاعب "حزبًا يساريًا"، وقد أتعبتنا الأحزاب اليسارية بأحاديثها عن الحرية والانفتاح ومحاربة الرجعية، وكل المصطلحات المشابهة،  لهؤلاء تحديدًا نقول: ما دمتم غير قادرين على تشكيل قائمة تتوافق مع شعاراتكم، لماذا لم تقاطعوا الانتخابات؟ على الأقل، كنا سنحترم اتخاذكم موقفًا من خديعة تأجيل الانتخابات! أم أن مقاطعة أحزاب أخرى ذات وزن في الساحة، أغرتكم بأنكم ستتجاوزون هذه المرة حد التنافس مع الأوراق اللاغية!


اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات البلدية الفلسطينية.. كل هؤلاء مرشحون!

فتح وحماس.. المصالحة المستعصية

انتخابات جامعة بيرزيت.. أين تكمن أهميتها؟