30-سبتمبر-2016

تصوير دجانه علي

عام 2005، نفّذ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أريئيل شارون، خطّة "فك ارتباط"، أخلى بموجبها كافة مستوطنات قطاع غزة، إضافة لأربع مستوطنات في محافظة جنين، باتت مواقعها هذه الأيّام، تعاني تلوثًا بيئيًا ملحوظًا، وإهمالًا من الجهات الرسمية، رغم الموقع الاستراتيجي لهذه الأماكن التي كانت مستوطنات، في يوم ما.

المستوطنات الأربعة التي تم إخلاؤها، هي: "حومش"، "كاديم"، "جنيم"، "سانور"، وتعاني مواقعها مشكلة متفاقمة، بدأت منذ شحن الاحتلال بيوت مستوطنيه القابلة للنقل، وخرج بشكل مفاجئ، وباتت تلك الأماكن حجارةً وأتربة فقط، بعد أن تمكّن الأهالي من انتزاع كل ما يمكنهم الاستفادة منه، وظلّت دون أيّ مشاريع رسمية للاستفادة منها. فالسلطة تتذرّع بأن المواقع ضمن المناطق المصنفة "ج" بموجب اتفاقية أوسلو، والتي تقضي بأن هذه المناطق تخضع مدنيًا وأمنيًا لسلطة الاحتلال، علاوة على أن الأخير لم ينسق مع السلطة ليسلمها تلك المواقع.

السلطة تتذرّع بأن مواقع المستوطنات المحررة، ضمن المناطق المصنفة "ج" بموجب اتفاقية أوسلو

مستوطنة "جنيم" التي كانت تتاخم مدينة جنين قبل عام 2005، يتميّز موقعها بالعلو المشرف على مستطيلات بنيّة اللون وخضراء وصفراء من سهل مرج ابن عامر السابح في الأفق، ويطل الموقع على قرى كثيرة في محافظة جنين، بل إن الطالع إلى ذلك الجبل يرى منه العفولة ومقيبلة والناصرة وغيرها من مناطق الشمال الفلسطيني المحتل إداريًّا ومكانيًّا بالكامل عام 48. الهواء هناك يكاد لا يتوقف صيفًا عن العبث بشعر الزوار وملابسهم. كل هذا يميز موقعًا هو في الأصل عبارة عن حرش من شجر الصنوبر والبلوط والمغارات. ثم إن محافظة جنين تعرف عمومًا بانخفاضها وندرة مناطقها ذات المناخ اللطيف صيفًا، وتفتقر المحافظة إلى المتنزهات والحدائق العامة.

المستوطنات ورغم موقعها المميز تعاني إهمالًا شديدًا

هذه العوامل جعلت من موقع مستوطنة "جنيم" -التي جثمت على قرابة 300 دونم من أراضي الفلسطينيين منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي حتى عام 2005- وجهةً للتنزه يقصده الناس من مختلف الأرجاء بعد أن غادره الاحتلال؛ يقيم فيه بعض الزوار حفلات الشواء العائلية، وبعضهم يترك مذياع السيارة صادحًا بالأغاني بينما يتناول ما يحلو من صنوف المأكولات والمشروبات، وبعضهم يأتي للتمتع بالإطلالة على الأضواء التي تفوق بأضعاف، عدد ما يعلوها من نجوم ليلًا، وللإطلال على الجغرافيا المتسعة نهارًا.

اقرأ/ي أيضًا: صنّاع النكبة الفلسطينيون

يعاني الموقع من مشاكل عدة، أولها مخلفات التنزه التي يتركها الناس للهواء يذروها في المكان. يكاد الحرش يغرق بالأكياس والقناني والعلب والملاعق وحطام الزجاج وغيرها من مخلفات المتنزهين. هذا غير الروائح الكريهة الفواحة من جيف الحيوانات التي تموت عند أصحابها من أهل القرى المجاورة فيسحبونها إلى الموقع، إضافة إلى بقايا الأعراس من اللحم والعظام والطبائخ. ببساطة، لأن المواطنين يرون هذا الموقع الواسع طريقة سهلة للتخلص من نفاياتهم فيه، فيتحول تدريجيًا من متنزه لطيف نادر إلى مكب يعوم بالأوبئة والقاذورات.

السلطة تذرع بأن المستوطنات المحررة تقع في مناطق (ج) وهي ليس من اختصاصها

الشاب حمزة الخطيب (24 عامًا) يواظب مع مجموعة من أصدقائه على القدوم أسبوعيًا للموقع، ومعهم "الأرجيلة" والمكسرات والعصائر ومختلف المأكولات الخفيفة. يجيب الخطيب عن كيفية تخلصهم من مخلفات تنزههم بالقول: "نفعل أقصى ما بوسعنا، نجمع قمامتنا في كيس ونتركها في مكان بارز لعلّ الجهات المعنية تراها عندما تأتي لتنظيف الموقع ذات يوم"، مشيرًا إلى أنّه "لا توجد أية حاويات للقمامة هنا، ولا يعقل أن نحمل مخلفاتنا معنا إلى المدينة كي نرميها".

البلديات أيضًا، تقول إن جمع النفايات ليس من اختصاصها

شاهدنا في رابع أيام عيد الأضحى، مجموعة تناهز العشرين فردًا من كلا الجنسين ومختلف الأعمار، يحتفلون بجانب موقدين يزودانهما باللحم المشوي. تنتشر حولهم ضجة الضحك والتطبيل والتصفيق والأغنيات. انفردنا بأحدهم للحديث معه حول الموقع، فوجدنا فمه مزدحمًا بالكلام. قال المهندس عبد الباسط نعيرات وهو مدير مدرسة، إنه يصطحب العائلة ويتوجه إلى الموقع في زيارة أولى، مشددًا على أن صدمته كبيرة بسبب الفارق بين ما سمع من سحر وجمال عن المكان وبين ما وجد فيه من أوساخ وقاذورات وروائح نتنة.

اقرأ/ي أيضًا: قباطية.. ثلاثة أيام من الحصار

واستكمل نعيرات: "هذا التشوه الدخيل على الموقع الجميل لا يثنينا عن التمتع بالمكان، فقد نظفنا المساحة التي نحتاجها، وها نحن سعداء، ونتمنى أن نأتي في المرة القادمة والمكان نظيف ليس فيه ما يعكر الصفو". واعتبر أنّ ممارسات التلويث والتدمير هذه، تسهم بتشريع الاستيطان عندما تدعي إسرائيل أمام العالم أن الفلسطينيين غير قادرين على استغلال مواردهم البيئية، متسلحة بصور للموقع الذي كان جنةً قبل إخلائه، وبصور أخرى تظهر تحوله إلى مستودع أوبئة بعد ذلك.

ما الذي يمنع تدخل السلطة؟

نائب محافظ جنين كمال أبو الرب، قال إن الاستثمار في هذه المواقع يتعذّر حاليًا، ولقد طالبنا مرارًا، بشكل رسمي، الارتباط المدني والعسكري الإسرائيلي بتسليمنا مخططات هذه المواقع لنستغلها، ولاقينا الرفض في كل مرة.

نائب محافظ جنين يقول إن الاستثمار في هذه المواقع يتعذّر حاليًا، كما أنّ الارتباط الإسرائيلي يرفض تسليم مخططات هذه المواقع 

وأضاف أبو الرب، خلال حديثه لـ "ألترا صوت" أنّ هذه المواقع ضمن مناطق "ج" التي يمنع الإسرائيليون الفلسطينيين من التصرف فيها بشكل رسمي، غير إن الإسرائيليين يقتحمونها بين الفينة والأخرى منذ أُخليت حتى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: شباب غزة.. بدنا نشوف الضفة!

هذا فيما يتعلق بتشييد مشاريع كبيرة في المواقع، أما فيما يخص توصيل خدمة جمع النفايات من الحكم المحلي للمواقع، فلا يعتقد أبو الرب أن الاحتلال سيمانع تنظيف القمامة من هناك، مناشدًا البلديات المجاورة والتنظيمات والمجتمع المحلي للتطوع في تنظيف هذه المواقع واستصلاحها بالحد الأدنى.

وبعد سؤالنا أبو الرب، حول ما إذا كان دور المحافظة يقتصر على المناشدة في حل هذه المشكلة، أجاب "لا". ثم وعدنا بأن يكلّف لجنة السلام العامة التابعة لمحافظة جنين بالعمل على حل مشكلة تلوث المواقع في أقرب وقت.

من جهتها، تتذرّع بلدية جنين المجاورة لموقع مستوطنة جنيم المخلاة، بأن الموقع خارج حدودها. وعليه فإنه ليس من مسؤوليتها أن تتحمل التكاليف المترتبة على توزيع الحاويات في المكان وتفريغها، ملقيةً باللوم على عاتق وزارة الحكم المحلي.

مستوطنات محررة

 

هل يقاوم الفلسطينيون الاحتلال ويضحون في سبيل استعادة أراضيهم المسلوبة كي يحولوها إلى مهملات عندما "تتحرر"؟

من هنا، توجهنا إلى مديرية الحكم المحلي في جنين، فوعد المدير العام للمديرية، إياد خلف، أن يترأس بنفسه لجنة مكونة من المجالس المحلية المجاورة للمواقع المخلاة، ليحثها على المساهمة والتطوع بتحمل الأعباء والتكاليف اللازمة لتنظيف المواقع.

وبدا لنا أخيرًا، أن حلّ مشكلة التلوث البيئي لمواقع المستوطنات المخلاة في جنين، كان ينتظر مقابلات صحافية مع المسؤولين ليعدوا بتكليف لجان تنهي مشكلة التلوث بعد 11 عامًا من اندلاعها.

ثم يبقى السؤال مُلِّحًا على المستويين الفردي والجماعي، هل يقاوم الفلسطينيون الاحتلال ويضحون في سبيل استعادة أراضيهم المسلوبة كي يحولوها إلى مهملات عندما "تتحرر"؟

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجاني علي

 

تصوير: دجاني علي

 

تصوير: دجاني علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير: دجانة علي

 

تصوير دجانة علي

 

تصوير دجانة علي

 

تصوير دجانة علي

اقرأ/ ي أيضًا: 

من الليمون والتفاح إلى البارود والقنابل

هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

ماذا يحدث في ريف نابلس الجنوبي؟!