مرّت القضية الفلسطينية بتغيّرات دراماتيكية طوال سنوات الصراع مع إسرائيل، لكنّ الثلاثين من آذار/ مارس الجاري قد يشهد بداية إحداث تغيير جديد، هذه المرة على صعيد عودة اللاجئين، بعد قرار تسيير مسيرة العودة الكبرى، تحديدًا في قطاع غزة، على الحدود مع الداخل المحتل.
ينوي آلاف الفلسطينيين اللاجئين من شتى أماكن لجوئهم المؤقت في غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا، الانضمام إلى مسيرات شعبية تجاه حدود فلسطين المحتلة
وينوي آلاف الفلسطينيين اللاجئين، الانضمام إلى مسيرات شعبية تجاه الداخل الفلسطيني المحتل، بحيث يكون ثقلها في غزة لتحقيق العودة التي نصّت عليها القرارات الدولية. لكن تطبيق تلك الفكرة سيُجابه بعوائق كثيرة جدًا، وصعوبات يحاول الداعون للفكرة تجاوزها.
وبحسب الهيئة الوطنية للاجئين فإنّ "مسيرة العودة الكبرى" في غزة ستقيم مئات الخيام في خمسة مراكز على بعد مئات الأمتار من الحدود. وستقيم عائلات لاجئين في هذه الخيام ستة أسابيع.
اقرأ/ي أيضًا: ذكرى النكبة..احتفالات واستغلال سياسي
ويرى منظمو تلك المسيرات الكبرى، والتي ستكون بدايةً للحدث الأكبر الذي سينطلق في منتصف أيار/ مايو المقبل، أنّها إحدى الوسائل المهمة لمواجهة "صفقة القرن" الأمريكية، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية المتأججة منذ 70 سنة.
إحدى الوسائل لمواجهة "صفقة القرن" الأمريكية، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية
ذلك الحدث الاستثنائي، والذي يتجاوز أدوات الدفاع عن حق العودة بالطرق التقليدية، لن يكتفي بتلك المسيرات فحسب؛ فقد شرعت جرافات بتسوية الأراضي الحدودية المتاخمة لإقامة خمسة تجمعات لخيامٍ دائمة على بعد 700 متر من السياج الفاصل مع حدود قطاع غزة الشرقية.
الناطق باسم اللجنة التنسيقية للمسيرة العودة الكبرى عماد سليم يقول لـ "الترا فلسطين" إن تلك الخيام ستكون مزوّدة بأقسام طبية ومراحيض ومياه وإمدادات لوجستية وفعاليات يومية على مدار الساعة.
"حرب عام 1948 انتهت منذ 70 سنة، والآن لا مبرر لاستمرار بقاء أولئك اللاجئين خارج ديارهم، خصوصًا وأن القرار الأممي رقم 194 يكفل حقهم في العودة"، يضيف سليم.
ويرى مراقبون أن ذلك الحدث سيُحقق نجاحًا؛ خاصةً أنه لن يكون مُلوّنًا بأي لون حزبي، وهو سبب قد يدعو الفلسطينيين للالتفاف حول بداية تحرك على الأرض لتحقيق حلمهم بالعودة، بعيدًا عن الشعارات وبيانات التنديد الشفوية.
ووفقًا لوثيقة المبادئ العامة للمسيرة التي حددتها اللجنة التنسيقية، فإن المسيرة ليست فعاليةً موسميةً أو حدثًا ليوم واحد ينتهي بغروب شمسه، بل هو أسلوب نضالي مستدام ومتراكم لن ينتهي إلا بتحقيق العودة الفعلية للاجئين الفلسطينيين.
وكان النائب مشير المصري القيادي في حماس قال "نحن النواب سنتصدر مسيرة العودة الكبرى مع ابنائنا واطفالنا ونسائنا ونحن نهتف عائدون عائدون". وقال النائب صلاح البردويل إن "مسيرة العودة تبدأ في 30 آذار/مارس وتصل الى ذروتها في 15 أيار/مايو في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية" عام 1948.
اقرأ/ي أيضًا: صنّاع النكبة الفلسطينيون
ولا ينوي منظمو هذه الفعالية التي ستوافق يوم الأرض افتعال أي مواجهات، لكن ذلك لن يكون مُقنعًا للجنود الإسرائيليين الذين سيتواجدون بالتأكيد على الطرف الآخر للسياج.
فقد طوّر الجيش –وفقًا للقناة الثانية-طائرات مُسيّرة مزودة بقنابل للغاز لمواجهات تلك المسيرات، عدا عن نصب سياج شائك لعرقلة أي محاولات لتدفق تلك الجماهير التي ستحتشد قريبًا من السياج.
وبحث "الكابينت" الإسرائيليي مساء الأحد، الخيارات التي يمكن أن تؤدي إلى حرف مسيرة العودة عن مسارها، ومن بين هذه الخيارات وفقًا للقناة العبرية الثانية، إلقاء أغذية وأدوية من الجو، وهو الطرح الذي قوبل بسخريّة وتهكّم من قبل الغزيين.
وعقّب وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان، أنّ قوات جيشه مستعدّة لأيّ سيناريو لمواجهة مسيرات غزة، موجّهًا نصيحته لحركة حماس بأن "لا تستفز قواتنا على الحدود".
وحذّر وزير الإسكان والبناء يواف غلانت، العضو في مجلس الوزراء الأمني المصغّر ورئيس القيادة العسكرية السابق في منطقة الجنوب، الفلسطينيين من محاولة خرق الحدود الجنوبية كجزء من فعاليات "يوم الأرض"، وقال "إن منسوب التوتر يرتفع وحالة التحفّز أكبر من الماضي".
وأضاف غلانت "إذا أرادوا السير بمسيرتهم بسلام داخل غزة فهذا شأنهم، أمّا إذا رأينا أنّ دوافعهم هي عبور الحدود، فنحن لن نتحرّك إلّا في اللحظات الأخيرة، عندما تقوم الكتل البشرية بتدمير السياج".
لكن ذلك لم يمنع من التفكير بطرق أخرى لكبح الجيش عن استخدام القوة المفرطة، كالتنسيق مع الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام لدفع الاحتلال نحو عدم استخدام أي وسائل عنيفة ضد المتظاهرين.
أحد الكتاب الإسرائيليين ويُدعى تال ليف رام قال في تغريدةٍ له إنه يتوقع أن تقيم الأطفال والنساء طويلًا في تلك الخيام ويزاولون أعمالهم إلى جانب أقربائهم من الرجال بشكل سلمي. وأضاف أن تلك المسيرات ستمثل تحدٍّ إعلامي لإسرائيل على الصعيد الدولي، على الرغم من بعد تلك المسيرات نسبيًا عن السياج الشائك.
واليوم، ليس أمام أولئك اللاجئين المتحمسين للمشاركة، إلا انتظار اليومين الموعودين لاستثارة شغفهم بالعودة –ولو حتى وجدانيًا-، خصوصًا وأن بعضهم لا يبعد عن أراضيه وقريته سوى أمتارٍ قليلة تبعث مشاهدتها حسرة يومية في قلوبهم وقلوب أحفادهم.
الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا لله يقول لـ "الترا فلسطين" إن إسرائيل ستكون عاجزة أمام تلك المسيرات، فهي كفيلة بأن تكشف سوءتها أمام أعين الرأي العام الدولي، وبالتالي إضفاء مزيدٍ من التعاطف العالمي لصالح قضية الفلسطينيين".
اقرأ/ي أيضًا: