03-يونيو-2019

أيامٌ فقط تبقت، وتنقضي المدة القانونية التي أمهلتها المحكمة الدستورية للرئيس للدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ للمجلس التشريعي الفلسطيني، فقد ختمت المحكمة بتاريخ 12 كانون أول/ديسمبر 2018 قرارها الذي حلت بموجبه المجلس التشريعي بدعوة الرئيس إلى إعلان إجراء الإنتخابات التشريعية خلال ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية، وتم نشر القرار بتاريخ 23 كانون أول 2018، مما يعني أن المدة المحددة للرئيس توشك على النفاد  بتاريخ 22 حزيران الحالي.

الرئيس نفذ الشق الأول من حكم المحكمة الدستورية وحل المجلس التشريعي، لكن الشق الثاني مازال معلقًا

الرئيس محمود عباس مشهودٌ له، أنه لم يسجل له في كل تاريخ حكمه كرئيسٍ للسلطة الوطنية الفلسطينية أن امتنع عن تنفيذ حكم قضائي، وحكم المحكمة الدستورية هو حكمٌ قضائيٌ واجب التنفيذ وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، نفذ منه الشق الأول بحل المجلس التشريعي، لكن الشق الثاني ما زال معلقًا حتى اليوم، ولم يصدر عنه حتى هذه اللحظة إعلانًا بالدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ للمجلس التشريعي تنفيذًا لقرار المحكمة الدستورية.

اقرأ/ي أيضًا: الديموكتاتورية نظام حكم فلسطيني

المحكمة الدستورية ورغم كل الانتقادات التي سجلت بحق قرارها بحل المجلس التشريعي، انطلقت قي قرارها من أن تحديد المدة الزمنية لولاية المجلس التشريعي له أهميةٌ عمليةٌ من حيث احترام إرادة الشعب، باعتبار تلك المدة هي العقد الدستوري بين الشعب وأعضاء المجلس التشريعي.

المحكمة الدستورية أشارت في قرارها إلى مخاطر جمة تنجم عن غياب وجود مجلس تشريعي على النظام السياسي، وقالت بصريح العبارة إن الوضع الذي تعيشه مؤسسة النظام السياسي في فلسطين تفتقد لوجود السلطة التشريعية الممثلة بالمجلس التشريعي المكلف بصياغة القوانين باعتباره ممثلاً للسيادة الشعبية ومنذ انتخابه في العام 2006، والمجلس لم يعقد إلا جلسة واحدة منذ الانقسام الداخلي، وبالتالي فإن تعطل المجلس التشريعي وغياب عمله منذ الانقسام وإلى الآن (كانون الأول/ ديسمبر 2018)، كان له تأثيرٌ كبيرٌ على منظومة التشريعات في فلسطين، واستهداف سلامة الوحدة الوطنية وسلامة الجبهة الداخلية وأرض الوطن، والمساس بالمقومات الأساسية للمجتمع وتهديد التضامن الاجتماعي والمساس بالأسرة والأخلاق والتراث التاريخي للشعب الفلسطيني، إضافة إلى تعطيل وغياب أحد أهم السلطات الأساسية لوظيفتها المتمثلة في التشريع والرقابة التي تعد من أهم الوظائف في الدولة وبفقدانها يغيب وضع التشريعات عن طريق المجلس التشريعي، ما يشكل خطرًا على الأمن القومي القانون في البلاد ومساسًا به، على الرغم من نص المادة (43) من القانون الأساسي التي تعطي الرئيس سلطة التشريع في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي.

المحكمة الدستورية كانت واضحة وملزمة بقرارها للرئيس بالدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية دون أي شروط، فلا يمكن مثلاً التذرع بعدم تنفيذ القرار بسبب الانقسام، فالقرار انطلق أصلاً من رحم الانقسام، والقضاة مدركين تمامًا لمعنى الانقسام، ولم يضعوا أي قيدٍ قانونيٍ يحول دون إجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ مثل الانقسام أو تمكين الحكومة من حكم قطاع غزة، أو موافقة حماس أو أي فصيل آخر على إجراء الانتخابات شفويًا أو خطيًا،  بل إن قرارها قد يحول دون اللجوء إلى المحاكم لتعطيل الانتخابات كما حصل في الانتخابات البلدية، فالانتخابات تستند إلى حكم قضائي لا يمكن الطعن به.

لا يُمكن وضع أي ذرائع لعدم تنفيذ قرار المحكمة الدستورية، لا الانقسام ولا "صفقة القرن"

لا يمكن لأحد التذرع بوجود "صفقة القرن" لمنع إجراء انتخابات، بل إن الدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ عامةٍ فلسطينيةٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس في آن واحد هو أهم معركةٍ سياسيةٍ يمكن للشعب الفلسطيني أن يخوضها رفضًا لـ"صفقة القرن"، فهي إعلانٌ فلسطينيٌ برفض ضم القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل، ورفض إقامة دولةٍ منفصلةٍ في قطاع غزة، ورفض أية خطة ضم لأراضي الضفة الغربية، وفيها تجديدٌ لإعلان وحدة الشعب الفلسطيني على أرضه الفلسطينية من خلال عمليةٍ ديمقراطيةٍ ستحرج كل طرفٍ دوليٍ يحاول معارضتها، وتتيح تجنيد المناصرين للقضية الفلسطينية.

الدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ وفقًا لما جاء في قرار المحكمة الدستورية هو عودة إلى الشعب مصدر السلطات وتوحيدٌ لطاقاته، فالعودة إلى الشعب تكون في أكثر الظروف حلكةً، ولا قوة غير قوة الشعب قادرة على إفشال أي مخطط يستهدف وجوده، فقوة الشعب أقوى من قوة الحكومة والرئيس معًا، لا يمكن لأحد بمفرده أن يفشل أخطر مشروعٍ  يواجه الوجود الفلسطيني دون العودة للشعب أو نيابةً عنه، وإعلان إجراء انتخابات عامة هو إلقاءٌ للأمانة في أحضان الشعب، وهو عليه الدفاع عن وجوده، والانتخابات وسيلة لحشد طاقاته، فحذاري من ضياع هذه الفرصة التاريخية.

المطلوب من الرئيس أبو مازن هو فقط احترام وتنفيذ قرار المحكمة الدستورية بالدعوة لإجراء انتخابات، ولا يوجد في القانون ما يحول دون ترشحه للانتخابات، عليه فقط إلقاء الأمانة في أحضان لجنة الانتخابات، وهي  المخولة بالتقرير إن كان بالإمكان ان تجرى الانتخابات أم لا. دعونا نرى إن كان هناك أي طرفٍ فلسطينيٍ سيعمل على منع إجراء الانتخابات،  عندها يقع على الشعب مسؤولية التصدي له، وبغير دعوة الرئيس للانتخابات وإلقاء الأمانة في حجر لجنة الانتخابات، تبقى الأمانة معلقة في عنق الرئيس وحده، فهذا هو روح قرار المحكمة الدستورية.


اقرأ/ي أيضًا: 

هل تنهار السلطة مع نهاية تموز؟

سلطتان على ورق وحطب على عامود خيمة المنسق

حقائق غائبة في تبعات الانقسام السياسي