12-مايو-2018

الباحثة شيرين صيقلي وكتابها الذي لم يترجم إلى العربية بعد

تشير كثير من كتابات المتخصصين في التأريخ للقضية الفلسطينية وأبحاثهم، أن فلسطين كانت تشهد حالة حداثية متقدمة على مستوى الوطن العربي، وكانت تملك مشاريع مميّزة على مستوى العدد والقيمة، إلا أن النكبة وإقامة دولة الاحتلال أجهضت هذه المحاولة الحداثية، ووضعت حدًا حاسمًا في موت هذه المشاريع.

من هذه الجوانب على سبيل المثال: الإعلام والفن والزراعة، إلا أن هناك جانبًا مهمًا، كثيرًا ما يتم إغفاله، بل وإطلاق الأحكام التعميمية عليه، وهي "أقوالٌ لا تاريخية، وتفتقد التمحيص العلمي" كما تصفها الباحثة شيرين صيقلي.

الباحثة شيرين صيقلي: هناك أقوال لا تاريخية وتفتقد التمحيص العلمي في التأريخ لفلسطين قبل النكبة

على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب في نسخته الحادية عشرة، أقيمت ندوة تحت عنوان "فلسطين قبل النكبة"، تحدث فيها كل من صاحب مؤسسة "الأسوار" يعقوب حجازي، والباحثة صيقلي، صاحبة كتاب "أصحاب رؤوس الأموال: الندرة والاقتصاد في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني".

اقرأ/ي أيضًا: الأمن الوطني في معرض الكتاب.. لماذا؟ 

تحدث حجازي عن الدور الذي لعبته مؤسسة "الأسوار" خلال 47 عامًا - منذ تأسيسها - في توثيق وأرشفة وتأريخ مدينة عكا، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، مؤكدًا أن الدار تحاول باستمرار استرجاع المكتبة العربية المنهوبة من الداخل المحتل عام 1948.

وكشف حجازي سرًا قال إنه يذيعه للمرة الأولى، وهو أن المؤسس الحقيقي والداعم للدار في بداياتها كان خليل الوزير "أبو جهاد". كما ساهمت فدوى طوقان، وسميح القاسم، وخليل توما، في التواصل مع الكتّاب من مختلف العالم العربي والاتفاق معهم على طباعة كتبهم في فلسطين، بسبب الصعوبات التي كان يفرضها الاحتلال على الكتب في تلك الأيام.

وأضاف حجازي أن خليل توما كان يقوم بالاتفاق سرًا مع هؤلاء الكتاب على إعادة الطباعة، وبالفعل تم نشر عشرات الكتب عن مؤسسة "أسوار"، دون الحاجة لدفع أي أموال لهؤلاء الكتّاب.

من جانبها قالت شيرين صيقلي لِـ الترا فلسطين، إن دراسة التاريخ إحدى طرق التحرر من الاستعمار، لأن التفكير في التحرر من الاستعمار يشمل التفكير في تاريخنا، وهو ما تسميه صيقلي بِـ"التذويت".

يتعامل الفلسطينيون - كما تقول صيقلي - مع تاريخ القضية قبل النكبة بشيء من الرمزية التي تمنعه من النزول لمستوى البحث والنقد حتى، في حين أنه لا يوجد ما يسمّى بِـ"العيب" في التاريخ، "وكل شيء قابل للبحث والنقد بعيدًا عن الآراء الشخصية والقيمية" حسب قولها.

الباحثة شيرين صيقلي: يتعامل الفلسطينيون مع تاريخ القضية قبل النكبة بشيء من الرمزية التي تمنعه من النزول لمستوى البحث والنقد

وتشكك صيقلي في مقولة الحداثة التي كانت تشهدها فلسطين قبل النكبة، فهي ترى "أن مفهوم الحداثة ليس وصفيًا فقط، وإنما عملية مستمرة، بجانب أن الحداثة تحتوي على أشيائها الرديئة أيضًا. كل هذا يجعل من الحداثة مشروعًا متحركًا، وليس نقطة يمكن الوصول إليها".

وترى أن ما أنهته النكبة هو "أرض فلسطين الكاملة" بجانب مشاريع ثقافية وفنية وإعلامية متقدمة، "ولكن هذه المشاريع لم تكن ضحية الاستعمار فقط، وإنما ضحية القومية العربية أيضًا؛ التي تطورت فيما بعد لتصبح أنظمة دكتاتورية".

وتشير صيقلي إلى أن كتابها - الذي لم يترجم إلى العربية حتى اللحظة - يقدم قراءة جديدة للمجتمع الفلسطيني قبل النكبة. "المجتمع الذي يختزل في شريحتين فقط هما: الارستقراطية الإقطاعية التي يتم وصفها بالخيانة، والفلاحون الذين يوصفون بالفداء والوطنية".

ما تقدمه صيقلي يقول إنه كانت هناك طبقة ثالثة متوسطة، معتمدة في تفكيك هذه المقولة على الجانب الاقتصادي للمجتمع الفلسطيني. ففي الفصل الأول من الكتاب تعالج أفكار الرأسماليين ومقولاتهم وكتاباتهم في تلك الفترة، وتحاول فهم الفكر الاقتصادي المنتشر آنذاك، الذي يشكل مزيجًا من أفكارٍ من آدم سميث، وحتى أبو حامد الغزالي، مرورًا بابن خلدون وماركس.

في الفصل الثاني تتناول صيقلي "التدبير المنزلي" كونه مشروعًا انطلق من البيت الفلسطيني، ليشكل اقتصادًا موازيًا للاقتصاد الوطني، ثم تتطرق للحرب العالمية الثانية ودور الإنجليز في تغيير الاقتصاد الفلسطيني، وتغيير العلاقة التي جمعت بين الحكومة ورجال المال.

يكمل الكتاب في فصله الثالث ما بدأه حول الطرق التي اعتمدها الاستعمار البريطاني في تهميش رجال المال الفلسطينيين، ويشرح بالتفصيل القوانين والإجراءات التي قام بها لتسهيل وصول البلاد إلى أيدي الاحتلال الإسرائيلي.

وعند سؤال صيقلي عن الأوضاع الفلسطينية اليوم بعد 25 عامًا من اتفاقية أوسلو؛ بالمقارنة مع الحال الفلسطينية الاقتصادية قبل الـ 48، قالت إنها ترى أن ما نعيشه اليوم أصعب لحظات في تاريخ القضية الفلسطينية.

يُذكر أن معرض فلسطين الكتاب يُختتم يوم الأحد 13 أيار/مايو، بعد 10 أيام من العمل في المكتبة الوطنية في سردا شمال رام الله.


اقرأ/ي أيضًا:

صور | عن "الناس الطيّبة" في فلسطين قبل النكبة

 الكتب الأكثر مبيعًا في الضفة عام 2017

"انتصار الغضب" يوثّق الحياة والمقاومة في القدس