انقسم الشارع الفلسطيني في مدينة الخليل بين مؤيد ومعارض لمشروع تقسيم المدينة، الذي تنوي السلطة الفلسطينية تنفيذه، وسط جدال حول آثار ذلك في ظل السياسات العنصرية الإسرائيلية المتواصلة بحق المدينة منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967. المؤيدون للمشروع رأوا فيه "إنصافاً للمواطنين في المدينة، وفرصة لتوفير الأمن والخدمات التي يطمحون إليها"، بينما يرى المعارضون أنها "خطوة للانقسام والتجزئة والتفرقة في ظل مطامع الاحتلال ومحاولاته لتهويد المدينة واحتلال قراها والاستيطان فيها".
لكن هذا المشروع ليس وليد اليوم، ففي العام 2013 أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بتشكيل لجنة برئاسة أمين سر منظمة التحرير صائب عريقات لدراسة واقع الخليل، لكن هذه اللجنة لم تخرج بشيء. ومع بداية العام الجديد، أوعزت الحكومة الفلسطينية إلى وزير المالية ووزير الحكم المحلي بوضع تصور عن واقع الخليل، ودراسة ما إذا كانت تقبل تقسيمها إلى أربع محافظات.
الحكومة تدرس تقسيم الخليل إلى أربع محافظات، وهي الشمال والجنوب والوسط، ويطا ومسافرها
يؤكد عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أن الخليل لم تحصل على امتيازات الحكومات منذ نشوء السلطة الفلسطينية، لأن الاحتلال الاسرائيلي لم ينسحب منها، إلا أن الرئيس الراحل ياسر عرفات منحها امتياز أربع محافظات نظراً لتعدادها السكاني الكبير، فأصبحت حصتها خمسة وزراء كحد أعلى، وأربعة وزراء كحدٍ أدنى، ثم بعد وفاته عادت الخليل للصفر، بحجة أنها غير مدرجة ضمن الهيكليات الإدارية ولا يمكن معاملتها إلا كمحافظة واحدة.
اقرأ/ي أيضاً: مساجد الخليل: المستوطنون والجيش يتولون الإرهاب
وأضاف زكي، أن مجلس الوزراء ناقش فكرة تقسيم الخليل لأربع محافظات، وهي شمال الخليل ووسطها وجنوبها، ومحافظة يطا والمسافر. ويرى زكي أن هذا الحل سيجعل كل مواطن في الخليل يستمتع بكافة الحقوق الأمنية والتنموية والبنية التحتية، وسيضيف كافة أرجائها فعلاً على خطة الموازنة الفلسطينية.
ويرى زكي، وهو من أشد المؤيدين لفكرة التقسيم، أن ذلك سيزيد من قوة الخليل بعد إزاحة الثقل السكاني عن قلبها، وستمتد القوة على كافة الأطراف حولها. أما على المستوى الاقتصادي، فإن وجود أربع محافظات سيوفر طواقم وكوادر وظيفية، وسيستوعب عدداً من الموظفين، متسائلاً ألا يشكل هذا دخلاً لكل محافظة؟
عباس زكي: تقسيم الخليل سيزيح الثقل السكاني عن قلبها، ويوفر وظائف جديدة، وسيمنح المواطنين فيها حقوقهم الأمنية والتنموية
رؤية زكي اختلفت معها شخصيات رسمية وغير رسمية في الخليل، فالحديث عن التقسيم أثار سخطهم على المشروع وتبعاته، نظراً لتوقيت طرحه في ظل الهجمة الشرسة على مدينة القدس، معتبرين أن التوقيت بحد ذاته كارثة لتقسيم مدينة تأتي في المرتبة الثانية بعد القدس، من حيث محاولات التهويد وسرطان الاستيطان.
الأكاديمي والسياسي عبد العليم دعنا، أكد أن القوى الوطنية اجتمعت مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي وعبرت عن موقفها الرافض لأي خطوة تقسيمية للخليل، وأبلغوه أن ذلك يعد تجزئة للمدينة والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين المدينة وما حولها.
وأضاف دعنا، أن عملية التقسيم ستجعل الاحتلال الاسرائيلي يتفرد بكل محافظة بشكل منفصل، ويخلق صراعات جديدة، مستذكراً حقبة روابط القرى في الثمانينيات من القرن الماضي، وقال إن "التقسيم هو روابط قرى أخرى لكن بثوب جديد".
وطالب دعنا بالمساواة ومعاملة الخليل على أساس تعدادها السكاني والامتيازات التي تمتاز بها، داعياً الحكومة لأخذ ذلك بعين الاعتبار في تقديم خدماتها لها، وليس بتقسيمها وإضعافها.
شخصيات وطنية تحذر من أن تقسيم الخليل يعني روابط قرى بثوب جديد، ويهدد باستفراد الخليل بكل جزء منها
وحذر دعنا من مشاكل قد تقع في النسيج الاجتماعي للمحافظة، ومشاكل اقتصادية قد تنجم عن التقسيم، كتسريح العديد من العمال في المحافظات المقسمة، وفرض ضرائب جديدة على حركة نقل البضائع والمواد الخام والمصنعة عند انتقالها من محافظة لأخرى، وغيرها.
اقرأ/ي أيضاً: الخليل: مراكز أشعة غير مرخصة وأجهزة متهالكة
وتتوافق رؤية دعنا مع ما يقوله القاضي حاتم البكري، عضو محكمة الاستئناف الشرعية في الخليل، إذ رأى أن أي خطوة لتقسيم الخليل ستؤدي لتشتيت قوتها وتفريق تجمعها، "لما تمتلكه الخليل من بعد ديني، ففيها المسجد الإبراهيمي، وهو ثاني مسجد بعد المسجد الأقصى، إضافة لما تعانيه المدينة من محاولات الاحتلال لتهويد البلدة القديمة فيها، وبالتالي فإن أي بعد للمواطن في معاملاته عن الخليل سيضعف من قوتها أمام الاحتلال".
وأضاف البكري أن الخليل هي الحضن الاقتصادي الفلسطيني، "وعلى الحكومة أن تقدر ذلك وتقدم كافة الخدمات للمواطنين في المحافظة على أكمل وجه، مع الحفاظ على وحدتها".
مدير عام محافظة الخليل خالد دودين، أكد أن تقسيم الخليل لن يكون يوماً أداة للتنمية والتطوير، "فالاتحاد الأوروبي مثلا أكبر دليل على ذلك، خاصة أن المشاريع الكبرى والبنية التحتية المتينة لن تأتي إلا من خلال محافظة موحدة".
وأضاف دودين، أن محافظة الخليل تمتلك ميزة من حيث المساحة، إذ تشكل ثلث الضفة الغربية، أما على المستوى البشري فإنها أكبر محافظة من حيث التعداد السكاني .
وأقرّ أن محافظة الخليل ينقصها البعد الأمني والسيادي، وتأدية الرسالة الحقيقية للوزارات في تقديم الخدمة للمواطن، "وبالتالي فالمواطن بحاجة لهذه الخدمات أكثر من استحداث محافظات جديدة، لكن من جهة أخرى يظن البعض أن التقسيم سيوفر كافة هذه الحقوق".
مدير عام محافظة الخليل يؤكد أن التقسيم لن يمنحها الخدمات المطلوبة، لأن الموازنة العامة لا تحتمل، ويقترح جعلها إقليماً أو أن ينبثق منها ألوية
وشدد دودين على أن التقسيم ليس حلاً، "فبإمكان الحكومة تقسيم الخليل لكنها لن تقوم بتقديم الخدمات المطلوبة، لأن المحدد الرئيسي في هذه المعادلة هو الموازنة العامة وما إذا كانت تسمح بذلك أو لا" .
اقرأ/ي أيضاً: وادي القف.. مكرهة صحية بدلاً من منتزه قومي
وحول الحلول البديلة الممكنة للتقسيم، أوضح دودين أنه يمكن للحكومة التعامل مع الخليل كمحافظة كبرى تنبثق منها ألوية، وهذا التقسيم ممكن من خلال مرسوم رئاسي، كونه متاح في القانون الأساسي الفلسطيني، أو التعامل مع الخليل على أنها إقليم تنبثق منه أربع محافظات، مع الحفاظ على الخليل كوحدة واحدة، مضيفاً أنه كان مفترضاً أن تكون هذه المقترحات قيد الدراسة منذ سنوات.
وأكد دودين أن البنية التحتية بالمحافظة غير جاهزة للتقسيم، "فإذا كانت الخليل بزخمها ومساحتها وتعدادها السكاني لا تمتلك سوى مستشفى حكومي واحد يعاني كوارث إنسانية، فكم من السنوات ستحتاج بقية المدن التي من المفترض أن تكون محافظات لتمتلك مستشفى على سبيل المثال لا الحصر".
ولم ينكر دودين ما وصفه بالظلم الواقع على محافظة الخليل، من حيث حصتها من الموازنة العامة، وعدم منحها حقها قياساً بعدد السكان والمساحة، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن التقسيم "سيحدث فتنة لا يمكن السيطرة عليها".
يذكر أن التعداد السكاني لمحافظة الخليل تجاوز 750 ألف نسمة. ويسكن 210 ألف مواطن شمال المحافظة، و180 الف جنوباً، و 230 ألف في الوسط، وصولا إلى 80 ألف نسمة في يطا ومسافرها.
اقرأ/ي أيضاً:
نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل
في الخليل.. فتاة تحكم مباريات كرة القدم
كنت أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن