13-مارس-2022

صورة لنقش سلوان

الترا فلسطين | فريق التحرير

عاد الحديث عن "نقش سلوان" للواجهة مرة أخرى، بعد أن كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن صفقة تُسلّم بموجبها تركيا هذا النقش التاريخي الذي يعتقد أن تاريخه يعود للقرن الثامن قبل الميلاد، إلى "إسرائيل" التي تحتلّ مدينة القدس.

 النقش الذي تحتفظ به تركيا في متحف اسطنبول، تطلق عليه "إسرائيل" اسم ‏"‏نقش ‏شيلواح" ‏وتزعم أن له قيمة دينية باعتبار أنه مكتوب بعبرية قديمة  

ووفق ما كشفت عنه الإذاعة الإسرائيليّة العامّة، الجمعة، فإنه ورغم الرفض التركي المستمر في السابق لمثل هذه الخطوة، إلا أن ثمة موافقة أخيرًا، مشيرةً إلى أن الجانب التركي سيحصل في مقابل تسليم النقش على قطع ‏أثرية ‏تعود إلى العصر العثماني، من بينها شمعدان قديم.

‏ولفتت الإذاعة العبرية العامة إلى أن وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية السابقة "ميري ‏‏ريجيف" ‏حاولت بشكل حثيث في السابق استعادة "نقش شلواح" ‏لكن هذا الطلب كان يقابل برفض تركي.

اقرأ/ي أيضًا: صور | العثور على معصرة نبيذ ضخمة قرب الرملة

ويقول يوسف النتشة مدير مركز دراسات القدس في حديث لـ الترا فلسطين إنّ نقش سلوان اكتُشف عام 1880 ونُقل إلى تركيا بعد ذلك بعشرة أعوام تقريبًا، وهو نقش يتحدّث عن حفر نفق عين سلوان في القدس، لذلك يُسمّى "نقش سلوان".

ويضيف أن المكتوب على النقش بلغة أبجدية فينيقية، أو أبجدية كنعانية، والبعض يعتبرها أبجدية عبرية، لذلك هناك اختلاف على تفاصيل هذا النقش.

النتشة: "إسرائيل" تحاول أن تجعل من هذا الحجر دليلًا ماديًا على ارتباطهم بالأرض هُنا، لخدمة المشروع الصهيوني  

ويشير إلى أنّ "إسرائيل" تعتبر النقش بمثابة إثبات لصدقيّة روايتها التوراتية. ولفت إلى أنّ هذا النقش يُنسب عند اليهود لـ "حزقيا الملك" غير أن النصوص فيه لا تذكر "حزقيا" إطلاقًا. 

ويبيّن النتشة أنّ النّص المنقوش هو عبارة عن حديث عن فريقين من الحفّارين معهم معاول، وعن الحفر في نفق صخري صعب جدًا، ولا يستقيم هذا النص مع الواقع في ذلك الوقت، وهناك تفسيرات أخرى.

ويرى مدير مركز دراسات القدس أنه إذا ما أقدمت السلطات التركية على مبادلته مع "إسرائيل" فإن ذلك سيكون له تداعيات كبيرة، وذلك استنادًا لما تروّجه "إسرائيل" بخصوصه وربطه بالتوراة. واعتبر أنّه وبغض النظر عن مصداقية النقش وارتباطه بالإسرائيليين القدماء، فإن إعادته إلى "إسرائيل" سيثير حنق الفلسطينيين لأن هذا تراثًا فلسطينيًا كنعانيًا، وإعطاؤه للإسرائيليين على حساب الفلسطينيين "محاباة سياسية".

أمّا الآثاري والمؤرّخ الفلسطيني، محمد مرقطن فقد علّق على الصفقة التركية الإسرائيلية المتوقعة، قائلًا: "إنّها تذكرنا بوعد بلفور؛ أن تُهدي ما لا تملك إلى من لا تستحق". وأضاف أن هذا النقش "تراث فلسطيني قديم مسروق من القدس، ولا علاقة له بالمستوطنين الصهاينة". 

وأشار إلى أنّ الدولة العبرية أرادت منذ 1948 الحصول على هذا النقش، وقد حاول بنيامين نتنياهو الحصول عليه في 1998، وتم رفض طلبه من الجانب التركي، وقد جدد شمعون بيريز طلب استعارته عام 2007 لعرضه بمناسبة مرور 6 عقود على إقامة "إسرائيل" وقد تم رفض طلبه. 

 مرقطن: نقش سلوان تراث فلسطيني مسروق من القدس، وهو النقش الوحيد من منطقة أواسط فلسطين في القرن السابع/ الثامن قبل الميلاد 

ووفق مرقطن فإن "نقش سلوان" يخلد مشروع حفر النفق الذي تم استخدامه لجلب مياه نبع أم الدرج إلى داخل أسوار مدينة القدس، ويؤرخ بنحو نهاية القرن الثامن قبل الميلاد أو بداية السابع قبل الميلاد بناء على أشكال الخط فقط، لافتًا إلى أنّ النقش مكتوب بخط كنعاني (ويصفه البعض بعبري قديم) وبلغة كنعانية أقرب مقارنة لها هي عبرية العهد القديم.

اقرأ/ي أيضًا: "في معنى الأرض - استعادة الذات الفلسطينية" كتاب لبلال سلامة

وبحسب نصٍّ منشور للباحث والروائي الفلسطيني تيسير خلف، فإنّ قراءة نقش نفق سلوان تمّت وفق تفسير توراتي استبعد كل ما له علاقة بالإله الفرعوني "رع"، مضيفًا أنه وعند قراءة النقش حرفًا حرفًا وكلمة كلمة؛ لا نجد أي إشارة للملك اليهودي (حزقيا)، بل إن النقش يؤكد أن عملية الحفر تمت بأمر وتوجيه من الإله الفرعوني رع، وهذا يشير إلى أن العملية كلها حدثت أثناء الهيمنة المصرية على مدينة القدس، والتي دعيت بناءً على النقش باسم (قرت رعو) أي "مدينة الإله رع".

ووفقًا لخلف فإن هذه القراءة تجعلنا نعتقد أن إنجاز النفق تمّ في العصر الحديدي أي قبل العام 500 قبل الميلاد، لأن الحروف والكتابه تنتمي لتلك الفترة، وليس إلى الحقبة الهلنستية كما يخمّن بعض الباحثين، لافتًا إلى أنه في الفترة الهلنستية كانت الكتابة اليونانية هي المسيطرة، واختفت الحروف الفينيقة - الكنعانية نهائيًا، باستثناء السامريين الذين استخدموها في كتابة أسفارهم.

وختم خلف نصّه المنشور عام 2017، بالقول إنّ هذا النقش دليل وحجة على الذين يدّعون بأن القدس أثناء فترة حفر النفق كانت يهودية، مؤكدًا أنها كانت كنعانية خاضعة للسيطرة المصرية، وتعيش ضمن الفضاء الثقافي المصري القديم، شأنها في ذلك شأن جميع مدن كنعان القديمة، من جبيل إلى صور وصيدا.

من جهته، كتب الباحث في العلوم الاجتماعية وفلسفتها، خالد عودة الله، أن قضية "نقش سلوان" لا بد من إثارتها، لا من موقع الفضح والتشفي، ولكن من موقع الاحتجاج والتحذير من خطورة وتبعات هذه الصفقة في حال كانت حقيقية.

وكتب عودة الله في منشور على "فيسبوك": "لا تخفى أهمية "نقش سلوان" للصهاينة ولكل الإرث التوراتي المسيّس في كتابة تاريخ فلسطين للاستحواذ عليها، وبصرف النظر عن تاريخ كتابته أكان قبل 2700 عام أو كان مدسوسًا قبيل اكتشافه عام 1880، فإنّ تسليم النقش للصهاينة هو اعتراف تاريخي بحق الصهيوني في فلسطين، وأن الاستعمار الصهيوني الحالي هو استئناف للوجود اليهودي في فلسطين منذ آلاف السنين". 

واعتبر عودة الله أن مسألة تسليم "نقش سلوان" أخطر بكثير من اعتراف ديبلوماسي أو إقرار "بشرعية دولية" أو تعامل مع الأمر الواقع، مضيفًا: "المسألة هنا هي الإقرار بالحق التاريخي للصهاينة في فلسطين وبصدقية ما ترتب على هذا الحق المزعوم". 


اقرأ/ي أيضًا:

كتاب يوثق أسماء سكان غزة وبياناتهم في بداية القرن العشرين

صور | افتتاح كنيسة بيزنطيَّة ظلت مدفونة في رمال غزة لقرون