04-يناير-2020

في العادة لم تكن ترغب هناء اللعب مع قريناتها الفتيات، وتميل لِلعب كرة القدم تحديدًا مع "أولاد الحارة"، فقد كانت حارس مرمى ممتاز في وقتها، ما أهلّها بعد سنوات إلى أن تتخصص التربية الرياضية في جامعة الأقصى بغزة، وتنال البكالوريوس عام 2015، لتُصبح بعد ذلك مُدربة كرة القدم للفتيات.

فريق كرة قدم في غزة لفتيات أعمارهن ما بين 10-15 عامًا بدأ يرى النور منذ 3 سنوات

تتحدى هناء مهدي ومتدرباتها قيود قطاع غزة الذي لا يزال عددٌ كبيرٌ من سُكانه يؤمنون بأنَّ المرأة وُجِدت للزواج والإنجاب وتربية الأبناء، ويرون في فكرة تكوين فريق كرة قدم نسوي لأول مرة اختراقًا واضحًا لعادات وتقاليد المجتمع المُحافظ الذي يمنع المرأة "غالبًا" من المشاركة بالأنشطة العامة على الملأ أو ممارسة الرياضات التي تأخذ طابعًا ذكوريًا.

اقرأ/ي أيضًا: نون النسوة تصدح لتشجيع لاعبات الكرة في غزة

اليوم يختلف الأمر قليلًا، فمع عصر الانفتاح التكنولوجي واطّلاع الفلسطينيين على الثقافات المختلفة وانتشار التعليم واعتناق المرأة لفكرة الاستقلالية وإثبات الذات التي تضج بها قنوات التلفزة ومواقع الانترنت، بدأت الفلسطينية تخرق فقاعات المستحيل فتارة تركب الدراجة والخيل وتارة تعزف الموسيقى وتمارس فن الدبكة، حتى وصلت إلى تأسيس فريق كرة قدم نسوي يتدرب على أساسيات هذه اللعبة في نوادي كرة قدم تُخصص من وقتها ساعات لهن.

منذ ثلاث سنوات فقط، بدأت هناء (26 عامًا) تضع حجر الأساس لبناء فريقها مع مساعدتها آلاء العمور برعاية مؤسسة خطوات التي لم تتوانَ لحظة عن تقديم الرعاية الكاملة للفتيات للارتقاء بمستواهن. تقول: "عُينت عام 2016 مدربة في نادي المشتل وبدأنا نؤسس فريق كرة قدم من فتيات شغوفات باللعبة وتتراوح أعمارهن ما بين 10 – 15 عام أو يزيد".

كثيرًا ما تلقت اللاعبة انتقادات لاذعة عندما تُشاهد بِـزيّ الرياضة، وفق عائشة الجبالي (14 عامًا)، قالت: "نظراتهم لا ترحم ويوميًا نسمع عبارات مثل: شوف هاي شو لابسة. وإذا مررنا أمام مجموعة أولاد يلعبون في الحارة يسخرون بقولهم: تعالوا العبو معنا، وحتى تعليقات من زميلات الدراسة مثل: أنت بتلعبي مثل الأولاد، أو انت بتروحي ع النادي؟!، كأنه عيب".

تواجه لاعبات كرة القدم تعليقات ساخرة وناقدة في الشارع، وأهلهن لم يأخذوا اهتمامهن بجدية أول الأمر

تُبين هناء أن الأهل أيضًا لم يأخذوا الأمر بجدّية في البداية، "فالكثير من الأهالي كانوا يعتقدون أن بناتهم يحضرن إلى النادي للتسلية، وبعدما شاهدوا كفاءتهم في اللعب رفعوا القبعة إعجابًا وأصبحوا يصطحبوهم للكافيهات لمتابعة المباريات البارزة، وكثيرًا ما تُهدى اللاعبات من أهلهن وأصدقائهن هدايا رياضية كزيّ وحذاء رياضي أو تُفاجئ إحداهن بكيكة عيد ميلاد على شكل كرة قدم".

اقرأ/ي أيضًا: لاعبات غزيات ضد الزنانات

وهكذا بدأت اللعبة التي تحوز على اهتمام وتفاعل الذكور دون الإناث في البيت غالبًا تسلب ألباب الكثير من الفتيات أيضًا، وبعد أن كانت الفتاة تجلس متفرجة أمام الشاشة في انتظار "الجول" دون إدراك حيثيات اللعبة، أصبحت تُنافس بحرفية جيدة جدًا وتُولي الأمور الكروية اهتمامًا واضحًا جاء عن دراية تامّة بها.

تُهمِل مدارس قطاع غزة دروس الرياضة بشكلٍ جليّ، ورغم إقرار الحصة من وزارة التربية والتعليم العالي إلا أنها تبقى مُهمشة وتقتصر على رياضات محدودة. وفي ما يتعلق بكرة القدم فهي لم تُدْرج ضمن خطط التربية الرياضية في مدارس الإناث حتى عام 2018 الماضي؛ لذلك يُلاحظ إقبال الفتيات على النوادي الرياضية عامةً في قطاع غزة بنسبة تصل إلى 70% وهي نسبة مرموقة.

مدارس غزة لم تُدرج رياضة كرة القدم في حصص التربية الرياضية حتى عام 2018

يُمكن للنادي أن يُقدم لأي لاعبة الدعم المعنوي، لكنه لا يوفر دعمًا ماديًا أبدًا ولا حتى زيًّا رياضيًا، تقول هناء: "ميزانية النوادي ضعيفة جدًا وبالكاد يتمكنوا من تغطية رواتب المدربين الضعيفة، وإن أكثر ما يُمكن تقديمه للاعبات إذا أُصبن هو التكفل بعلاجهن، ومع ذلك يبقى رضاهم عما يقدمه النادي جيد".

وتتلقى كل مدربة قُبيل منحها إجازة التدريب، دورة إسعافات أولية من الهلال الأحمر الفلسطيني، وذلك يمكنها التعامل مع جميع الإصابات مهما كانت طبيعتها.

في نادي المشتل الرياضي، بدا المشهد لطيفًا بالكرة التي تقودها أقدام فتيات يرتدين بناطيل فضفاضة وسُترات زاهية، وكثيرٌ منهن يضعن أغطية الرأس، وقد عَرفن مواضعهن التي يبدعن فيها جيدًا، فمنهن تلعب في خط الدفاع، وثانية في الهجوم، وغيرهما تقف في خط الوسط وأخرى حارسة مرمى. هكذا يتوزعن وتُدافع كل واحدة عن مركزها بقوة لتثبت جدارتها.

ثلاث سنوات من التدريب المتواصل وما يزال الأمر مُعتّم عليه، هل يتدربن يوميًا؟ أجابت هناء: "التدريب مرتين أسبوعيًا، ونلعب بشكل ودي غير رسمي مع الأندية الأخرى مقابل بعضنا البعض، كأنْ أقوم بالاتفاق مع مدربة نادي آخر لإقامة مباراة بيننا من باب تشجيع اللاعبات والتعرف على أداء الفِرق الأخرى". وتجري المباراة بحضور لفيف من الأهل ولكن ضمن خصوصية عالية جدًا.

تجري المباريات بين الفرق النسوية في غزة بحضور الأهل ولكن ضمن خصوصية عالية جدًا

في غزة، هناك أكثر من نادٍ أصبح يتيح إمكانية التدريب للإناث لكن اللعب كله يظلّ داخل نوادي مغلقة، سألتُ هناء عن السبب، فأجابت، "يمنع اتحاد كرة القدم وجود دوري كرة قدم للفتيات داخل قطاع غزة نتيجة العادات والتقاليد". تصمت قليلًا وتستدرك: "هناك خوف واضح من ردّة فعل المجتمع المُحافِظ تجاه تقبُل فكرة وجود لاعبات كرة قدم في غزة".

اليوم، غدت كرة القدم جزءٌ أصيلٌ من حياة اللاعبات اليومية، فمنهن مَن يُلقبن بأسماء لاعبين عالميين، وجُلّ أحاديثهن تدور حول ألعاب كرة القدم التي تجري حول العالم، فيُذكّرن بعضهن البعض بمواعيد المباريات ويأتين في اليوم التالي وأحاديثهن يغمرها الحماس حول المباراة، كما أن هواتفهن تزخر بمقاطع كروية.

أصبحت اللاعبات في هذه الفرق معروفاتٌ بلعبهن لكرة القدم ويملؤهن الاعتزاز بذلك، كما يأملن أن تُفتح الآفاق أمامهن وتكسِر إرادتهن يومًا القيود الاجتماعية، لكن يظلّ السؤال عالقًا: فإذا ما تحطمت قيود المجتمع هل ستُزال القيود السياسية ويُسمح لفريق كرة قدم نسوي من قطاع غزة يومًا ما بالمشاركة في دوري بالضفة الغربية أو في دولة أخرى متجاوزًا الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة؟


اقرأ/ي أيضًا: 

بيسبول غزة: قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية

فيديو | فتيات غزة: الطريق في كرة السلة شائك

حليمة لداودة: هل سمعتم عن هذه البطلة؟