14-سبتمبر-2019

كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" تفاصيل تجنيد مسؤول رفيع في دولة عربية "يحظر تحديدها" لصالح إسرائيل، وذلك في تقرير نشرته في ملحقها الأسبوعي الجمعة، حمل عنوان: "عملية توربدو.. هكذا حولنا مسؤولاً رفيعًا في دولة عربية إلى جاسوس نشيط دون أن يعلم لحساب من يعمل".

"توربدو" هو الاسم الذي أطلقته المخابرات الإسرائيلية على "المسؤول الرفيع" بعد تجنيده

"توربدو" هو الاسم الذي أطلقته المخابرات الإسرائيلية على "المسؤول الرفيع" بعد تجنيده. يوضح التقرير، أن "المسؤول" دخل إلى مبنى مخصص لمكاتب فخمة، وكان مقتنعًا أنه جاء للحصول على فرصة عمل، لكن في الواقع كان من استقبله رجال وحدة 504 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" المسؤولة عن تجنيد الجواسيس في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تجسس الإسرائيليون علينا في المقاهي؟

هذه الوحدة كانت هي من أعدَّ المكاتب الوهمية، ولدى وصول "المسؤول الرفيع" كان التوتر يتعاظم. وفي غرفة الاجتماعات، "كان رجال الوحدة يرصدون كل إيماءة في وجهه. تساءلوا إن كان هناك شيءٌ قد يُثير شبهة لدى المسؤول الرفيع. هل سيدرك أنه داخل مشهدٍ أُعدّ بعناية لإسقاطه في سلة القمامة؟ وهل هناك سببٌ يدفعه للاشتباه بأنه لا يجتمع مع ممثلي جسم مدني كبير، بل مع رجال الاستخبارات الإسرائيلية" قالت "يديعوت".

ووفق التقرير، فإن هذا الاجتماع استغرق شهورًا طويلة من "الإعداد الدقيق"، وملف "توربدو" هو أحد النجاحات الكبيرة لوحدة 504، إذ أن المسؤول العربي قدم "معلومات نوعية وحيوية وذات قيمة" دون أن يعلم ذلك.

يؤكد التقرير، أن "توربدو" مازال مصدرًا للمعلومات، وهذه هي أول مرة يُكشف فيه عن تفاصيل تجنيده ودفعه للكشف عن "أسرارٍ أمنيةٍ حساسة لدولته"، وذلك في عملية قادها ضابط مهمات خاصة برتبة مقدم، ومن قادة وحدة 504، و"أبرع مشغلي الجواسيس" كما وصفه تقرير "يديعوت".

المسؤول العربي قدم "معلومات نوعية وحيوية وذات قيمة" دون أن يعلم ذلك

يقول المقدم "د"، إنه عشية تنفيذ أية عملية يجب بناء سيناريو كما يحدث في الأفلام السينمائية، "يجب كتابة قصة وحبكة ومحطات يجب أن يمر من خلالها الأبطال".

اقرأ/ي أيضًا: برامج تجسس إسرائيلية تباع لدول عربية

ويصف المقدم "د"، المسؤول العربي "الرفيع"، بأنه شخصٌ في غاية الطموح، ويسعى للوصول إلى الرئاسة في بلده، وبحكم عمله لديه اطلاعٌ على "معلوماتٍ حساسةٍ جدًا وذات أهمية" بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية.

يكشف المقدم جانبًا من آليات عمل الوحدة 504 في تجنيد الجواسيس. فالعمل على تجنيد المسؤول مرَّ بعدة مراحل، أولها جمع المعلومات، وهي المرحلة "الأكثر حساسية" كما يصفها، إذ أن على الوحدة "مراقبة شخص يتجول في العالم ودراسة كل شيء عنه دون أن يشعر بكل ذلك".

في المرحلة الثانية، تختار الوحدة أسلوب التجنيد، وفي هذه المرحلة إما يتم التوضيح للمستهدف أن من يتواصلون معه إسرائيليون، أو بواسطة الخداع كما حدث مع "توربدو". يقول المقدم: "عندما نقول أننا إسرائيليون تكون احتمالات النجاح محدودة. وإذا كان المستهدف شخصية رفيعة، تكون مخاوف من الرفض وإبلاغ بلادهم بالرفض، ولذلك نختار الخداع باستخدام قصة تغطية مختلفة".

بعد تحديد أسلوب التجنيد، يتم بناء قصة تغطية ملفقة، وفي حالة "توربدو"، يُوضح المقدم "د"، أن المعلومات التي جمعوها عنه أظهرت أنه شخصٌ متشككٌ بطبعه، لذلك "كان لا بد من تمويه كل شيء بطريقة صحيحة"، وهذا دور قسم في الوحدة متخصص في اختلاق قصص التغطية، وقد استغرق الأمر هذه المرة شهرًا كاملاً.

وأشارت "يديعوت" في تقريرها، إلى أن عملية جمع المعلومات عن "توربدو" كشفت أن أحد أقاربه "مشهورٌ" ويعمل في "مجال معين" في الخارج، فتم اختلاق قصة تغطية ملائمة لمجال تجارة قريبه، وتم التواصل معه عبر الانترنت حتى اقتنع بأهمية العمل مع الجهة التي انتحلت الوحدةُ الإسرائيلية صفتها، وأظهر الحماس لمساعدتها في التواصل مع المسؤول المستهدف.

مرّت عملية تجنيد المسؤول العربي بعدة مراحل، وتم خلالها استخدام أحد أقاربه

أحد ضباط الوحدة وعرّفه التقرير بالرمز "ع"، قال إن اللقاء الأول مع قريب المسؤول لم يذهب له المقدم "د"، بل شخصٌ من "مستوى متدنٍ". فيما يقول المقدم: "لقد بنينا له أمورًا خيالية تقود في النهاية إلى الاجتماع مع توربدو، وتم الاجتماع به بحضور قريبه وتعارفنا بشكل أولى، وقدموا لنا السيرة الذاتية خاصتهم، وكان الحديث باللغة الإنجليزية".

اقرأ/ي أيضًا: "الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟

الضابط الذي التقى الرجلين، تصفح السيرة الذاتية ثم أعرب عن عدم رضاه لأنها كانت موجزة، وبعد وقت قصير شكر الرجلين وقال متجاهلاً المسؤول وموجهًا الحديث لقريبة، "سنتواصل معكم"، وانتهى اللقاء.

يُعلق المقدم "د" قائلاً: "يتوجب علينا تكوين انطباعٍ لدى المسوؤل العربي أنه تم اختياره بعد نقاش معقد وبعد عملية تمحيص، وأن قريبه لم يعد محل اهتمامنا رغم أنه يرغب بالعمل معنا. كنا ندرك أن المسوؤل يريد العمل معنا، ومن المعلومات التي جمعناها عنه، علمنا أنه يُعاني من مشاكل داخلية رغم منصبه الرفيع".

اختارت الوحدة أن يتم اللقاء مع "المسؤول الرفيع" في مكاتب فخمة على ضفة بحيرة "في غاية الجمال"، وهناك أُدخِل المسؤول إلى غرفة اجتماعاتٍ فيها طاولة كبيرة وشبكة مايكروفونات مخفية. كان المقدم "د" يُراقب المسؤول ويستمع للمحادثات التي تدور في غرفة الاجتماعات، ثم بعد 10 دقائق دخل المقدم الغرفة ورأى المسؤول لأول مرة بشكل مباشر.

يقول: "حافظت على الأداب أثناء الحديث معه، وخلال ذلك دخل مساعدي وعرض أمامنا وثائق، ثم أجريت اتصالاً بينما كنت أراقب توربدو. ثم دخل للغرفة عنصرٌ آخر عرض على الشاشة أمامنا معطياتٍ أُعدت بعنايةٍ باللغة الإنجليزية، عالية المستوى ومعقدة وليست مفهومة لتوربدو".

أثناء العرض، اقترب المقدم من "توربدو" وبدأ يُترجم له ما يدور باللغة العربية، ثم تابع الاثنان ما يتم شرحه على الشاشة. يُضيف المقدم، "أعطيته انطباعًا أنني بحاجة له، وبينت معه علاقة دافئة، في نهاية اللقاء شعرت أنه راض جدًا ويشعر أن بإمكانه تقديم العون لنا، فسألته في ماذا؟ فأجاب في هذا المجال وذاك المجال، فقلت له سنفكر بذلك وسنظل على تواصل".

أبلغ المقدم "د"، المسؤول، أن بالإمكان إبرام اتفاقٍ مكتوبٍ بينهما، وسأله إن كان يُفضل الحصول على راتبه نقدًا أو عبر حوالاتٍ بنكية، فأجاب أنه يُفضل الحصول على المال نقدًا، "وهكذا بدأت مخالفة القوانين، ودخل معنا إلى المسبح" كما قال المقدم.

قال المسؤول إنه يفضل الحصول على المال نقدًا، "وهكذا بدأت مخالفة القوانين، ودخل معنا إلى المسبح" كما قال المقدم

بعد الاجتماع، أبلغ المقدم "د"، المسؤول، أنه بذل جهدًا خاصًا لإقناعهم، لأنه مؤمن بقدراته وأهميته للمشروع الذي يُشرف عليه، وسيتم اتخاذ قرار بشأن ذلك لاحقًا. بعد 10 أيام، أبلغه أن الإدارة لم تقتنع به بشكل تام، لكنه مارس ضغوطًا عليهم وأقنعهم بضرورة توقيع العقد معه، "وبذلك منحته شعورًا بتحقيق إنجاز كبير" أضاف المقدم.

يُبين المقدم، أن المرحلة الأولى من التعاون مع "توربدو" لم يكن بالإمكان خلالها استخراج معلوماتٍ هامة منه، بل كان يطلب منه معلوماتٍ يعرفها الجميع، ثم بعد ذلك بالتدريج بدأ يطلب منه معلوماتٍ بسرعةٍ كبيرة.

يؤكد المقدم "د" أن "المسؤول الرفيع" يعمل الآن لصالح إسرائيل رسميًا، ويتلقى راتبًا يصفه بأنه "ليس كبيرًا جدًا، لكنه ملائم بالنسبة له"، مضيفًا، "إنه يتقاضى عدة آلاف من الشواقل ومن الصعب عليه التوقف عن العمل، ونحن نلتقي به مرة كل عدة شهور، وكل مرة في دولة مختلفة".


اقرأ/ي أيضًا:

باراك يكشف أسرار التجسس على الجيش المصري

المحقق الإسرائيلي الخاص وفضيحة الرجل الثاني

أسرار المخابرات الإسرائيلية في كتاب.. ماذا جاء فيه؟