10-يناير-2017

"رحت ع محافظة نابلس وبلدية سبسطية، وكلهم بحكولي بعوضك الله. فش حدا بدو يساعدني.. ظلّ قُدّامي حل وحيد، بدي أعلّق عليها علم الأردن وصورة الملك عبد الله عشان ما يهدّوها ثاني مرّة".

يقول الستّينيّ بلال محمد عمر (أبو محمد)، مُعلّقًا على سحق الاحتلال الإسرائيلي لبسطته الخشبية التي يبيع عليها الذرة، عند مدخل بلدته الشهيرة سبسطية، شمال مدينة نابلس، بالضفة الغربيّة.

يسلق الذرة على نار الحطب، ويبيعها على مدخل بلدته سبسطية، يكسب نقودًا ضئيلة، ويرفض عروض الاحتلال لشراء أرضه

وبالرغم من حيازة أبو محمد للوثائق التي تثبت أنّه صاحب الأرض التي يبيع الذرة عليها، يمنعه الاحتلال من إنشاء "بسطة أو بركس" أو أيّ منشأة يعتاش منها، والذريعة، بحسب ما جاء في قرار سلمه الاحتلال له أثناء هدم البسطة، أنّ أرضه مصنفة "ج" وفقًا لاتفاقية أوسلو، ومحاذية للشارع الرئيس السريع الذي تعبره مركبات المستوطنين باتجاه مستوطنة "شافي شومرون" القريبة من أرض أبو محمد. أسباب كافية لدى الاحتلال ليمنع هذا الرجل البسيط الفقير من استغلال أرضه بحريّة!

اقرأ/ي أيضًا: عايد كاستيرو.. معركة على جبهتين

يبدأ "أبو محمد" يومه عند السادسة صباحًا بالتوجه إلى سوق نابلس لشراء الذرة، ومن ثم إلى مدخل سبسطية، هناك يسلقها على نار الحطب وينتظر المارّة بالشارع السريع، مُعوِّلًا على بريق الذرة الذهبية الساخنة وبخارها المغري في اصطياد الزبائن، يستمر في سلق الذرة وبيعها، أو محاولات بيعها حتى مغيب الشمس. وعن معدل ما يجنيه، يقول: "بطلّع 20 شيكل صافي باليوم الميّت، وبأحسن الأحوال بطلع يوميتي 70". 

وعبّر أبو محمد، خلال حديثه لـ "ألترا فلسطين" عن رضاه بكسب هذه النقود الضئيلة، إذ يُفضّلُها على العروض التي تلقّاها لبيع أرضه، مشيرًا إلى قدوم أشخاص إليه وصفهم بالمشبوهين، يتحدثون بالعربية وتنزلق منهم بعض الكلمات العبرية ويركبون سيارات تحمل اللوحات الصفراء، دفعوا له 35 ألف دينار مقابل الدونم الواحد.

وبحسبة أولية، يستطيع أبو محمد أن يبيع أرضه البالغة مساحتها 12 دونمًا بقرابة مليونيّ شيقل، لكنّه يرفض قطعًا كل العروض.

بائع الذرة هذا، ليس ثريًا ولا بغنى عن المليونيّ شيكل، ولا يبيع الذّرة ترفًا ونقاهةً. فالمطالع لأحواله المعيشية، يجده زوجًا لامرأة يلزمها المرض بالفراش ويحيجها للدواء والعلاج، وأبًا لطفلين ما زالا في المدرسة. بيت من 8 أنفار بالكاد تتوفر لهم ملحّات العيش الأولي من مستلزمات مدرسية وغيرها. لكن، لأبو محمد علاقة الفلاح الفلسطيني مع أرضه؛ الذي يعتبرها جزءًا من العِرض والشرف، "الواحد أرضه زي مرتو كيف بدو يبيعها"، تساءل أبو محمد مستهجنًا مجرّد التفكير في قبول العروض التي وصفها بالمغرية لإنسان محتاج مثله.

اقرأ/ي أيضًا: الضفة.. مقبرة نفايات "إسرائيل" السامّة!

وبنبرة عادية هادئة كمن ألِف المقاساة: "هاي مش أول مرة"، مبيّنًا أن الاحتلال يحطّم بسطة الذرة للمرة الثانية فقد أعاد بناءها بعد أن هدمها الاحتلال قبل شهرين وغرفة خشبية "دقدقها" بالأرض ليستظلَّ بها.

وأضاف أن الآليات العسكرية هدمت قبل سنوات "بركسًا" على ما بداخله من بضاعة، كان ابنه الأكبر محمد قد افتتحه في أرضهم لتميّزها بقربها من الشارع الرئيس؛ لبيع الأدوات المنزلية، ما تسبب لهم بخسارة 70 ألف شيكل لم تتجاوز الأسرة حتى الآن ما تبع خسارتها من ديون.

"بلا مؤاخذة بطلت أقدر أصبر بدون مرحاض" قال أبو محمد، وهو يحدثنا عن لجوئه إلى بيع الذرة على إثر إصابته بمرض السكري الذي أجبره على ترك مهنة سائق عمومي، بعد عشرين عامًا من العمل على خط جنين- نابلس؛ إذ لم يعد قادرًا على احتمال السياقة لمسافات طويلة بدون قضاء حاجته.

اقرأ/ي أيضًا: كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

يبقي حطام البسطة المهدومة بعناية، عاقدًا العزم على إعادة تجميعه من جديد

من جهته، يدلل رئيس بلدية سبسطية نائل الشاعر لـ "الترا فلسطين"، على عجز البلدية والجهات الرسمية عن حل مشكلة أبو محمد. إذ قال "ما بإيدنا إشي نعملو، منطقة (ج)، جنب مستوطنة، وعلى الشارع الرئيسي".

ما زال أبو محمد حتى الآن، يسلق الذرة في أرضه ويبيعها بدون بسطة، أمّا حطام البسطة المهدومة فيبقيه بعناية، عاقدًا العزم على إعادة تجميعه من جديد؛ عندما يصله علم الأردن برفقة برواز فيه صورة الملك عبد الله الثاني، اللذان قال إنه أوصى عليهما ويصلانه خلال أيام. في محاولة أخيرة لحل مشكلته؛ سيعلق بائع الذرة العلمَ والصورةَ على البسطة متأملًا أن يرتدع الاحتلال عن الهدم في الأيام المقبلة، فهل يفلح أبو محمد بالبقاء على أرضه؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم "جرافيتي".. القصة بأبعاد ثلاثة

البرجوازية الوطنية الفلسطينية

"عيون الحرامية".. استعادة الانتفاضة الثانية