تحت عنوان "الثقافة الفلسطينية في الداخل، الواقع الراهن، التحديات والآفاق"، عقد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، الثلاثاء (26 أيلول/ سبتمبر)، يومًا دراسيًا هو الأول من نوعه فلسطينيًّا، لرصد ومعالجة الإشكاليات التي يعيشها الحقل الثقافي في الداخل المحتلّ، وتتبّع مراحل تطوّره التاريخية منذ النكبة، وسبر آفاقه المستقبلية ضمن الهوامش المتاحة لفلسطينيي الداخل، وصولًا إلى بناء خطاب ثقافي فلسطيني قادر على تجاوز الحدود المحلية.
اليوم الدراسي الذي انعقد في قاعة المسرح البلدي في بلدية رام الله، بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، وبمشاركة وتعقيب من الوزير إيهاب بسيسيو، شهد مشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين، إضافة إلى نشطاء في ميادين ثقافيّة متنوّعة؛ السينما والغناء والأدب والفن التشكيلي.
وبين الأوراق البحثيّة المقدّمة، واستعراض بعض التجارب الشخصية الناجحة في الميدان الثقافي، سعت المداخلات إلى توثيق الدور الذي لعبته الثقافة في بناء الهويّة لفلسطينيي الداخل، والدور الذي يمكن أن تسهم به في تكريس الهويّة الفلسطينية الجامعة.
اقرأ/ي أيضًا: في مُدونة "الشيف المُتنكر" القصة تزيّن الطبق
وفي كلمته، أكد بسيسو على أهمية المراكمة على مداخلات ودراسات وأبحاث هذا اليوم الدراسي، من أجل صياغة بيان ثقافي فلسطيني، بالمفهوم الإبداعي، ليصبح ذلك التعدد في الميدان الثقافي واجهة لمكافحة "سياسة الجدران والمعازل التي يبرع فيها الاحتلال الإسرائيلي".
وقال الوزير بسيسو "مخطئ كل من يحاول أن يعزل الثقافة الفلسطينية عن عمقها العربي، أو عمقها الإنساني، بل إن من يحاول أن يحاصر الثقافة في جدران من صناعته السياسية هو عنصري بامتياز".
ووجه الوزير أيضًا رسالة تضامن مع الفنان الفلسطيني محمد بكري، مستنكرًا ما قالته وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغف، في حقه، لكونه أكد على أن الثقافة الفلسطينية جزء من الثقافة العربية. وقال: "إذا كانت ميري ريغيف لا تعرف التاريخ، فعليها أن تقرأ التاريخ جيداً لتعرف أن من يصر على تثبيت حقوقه الوطنية، ومن يصر على مد الجسور بين فلسطين وعمقها العربي، فإنه يمارس فعلاً يندرج في إطار السياق الطبيعي للإبداع، ومهاجمته والمطالبة بمحاكمته هي العنصرية".
اليوم الدراسي، الذي تضمّن عرض فيلم قصير بعنوان "أرق"، من إخراج قاسم خطيب، توزّع على خمس جلسات تحت عناوين مختلفة، وقد أدار الأولى منها "الثقافة الفلسطينية في الداخل: نظرة تاريخية"، الشاعر وسيم الكردي، وتحدث فيها كل من الباحث الفلسطيني أنطون شلحت، ومديرة مركز "مدار"، هنيدة غانم. أما الثانية، التي حملت عنوان "واقع الإنتاج الثقافي الحالي، الملامح والمميزات"، فقد أدارتها رانيا إلياس، وتحدث فيها الباحثون هشام نفاع، ومحمد جمال وعلي مواسي.
وأدار الجلسة الثالثة، تحت عنوان الموسيقي في الداخل، المخرج السينمائي من حيفا عطالله حنا، وتحدث فيها الباحث السينمائي صالح دباح، وقدم الموسيقار سمير جبران شهادة شخصية حول تجربته الموسيقية، أمّا الجلسة الرابعة فأدارتها الباحثة همت زعبي، وشارك فيها الباحث المتخصص في الأنثروبولوجيا، نديم كركبي، والمخرج بشار مرقص، وحملت عنوان "هل نجحت المدينة الفلسطينية أن تكون حاضنة للإبداع؟".
وكانت الجلسة الخامسة والأخيرة بإدارة الشاعر محمود أبو هشهش، وجاءت تحت عنوان "تحديات أمام الثقافة في الداخل"، وشارك فيها المدير التنفيذي لسرية رام الله، خالد عليان، والمدير العام لجمعية الثقافة العربية في الناصرة، إياد البرغوثي، ووزير الثقافة إيهاب بسيسو.
واستعرض سمير جبران من فرقة "تريو جبران" تجربته، متحدثًا عن الإشكاليات التي واجهته بدايةً لكونه حاملًا الجنسية الإسرائيلية من جهة، وعدم معرفة الكثيرين للواقع الذي يعيشه مليون ونصف فلسطيني في الداخل من جهة أخرى، مستهلًّا مداخلته بقوله: "مسار الفنان، بشهادتي الشخصية، جزء كبير منه مرتجل، وجزء كبير منه فيه معاناة، وفي نقاط معيّنة منه ثمّة وطنية وهمية، وفي نقاط أخرى ثمّة وطنية حقيقية، وفي مراحل ثانية ثمّة ظروف؛ هذا ما يمكن أن ألخص به مسيرتي الفنية التي عمرها 30 عامًا".
اقرأ/ي أيضًا: صحيفة عبرية: "المنسق" هو الرئيس الفلسطيني وروابي من ثماره
سؤال الهويّة ظلّ ملازمًا لجبران على امتداد مسيرته الفنيّة، من الدراسة حتى الشهرة، كما يظهر في شهادته، حتّى وصل أخيرًا إلى مرحلة "تحرّر" فيها من هذا السؤال، لأن "التحرر من الضغوط هو صفة من صفات الإبداع"، كما يقول، وقرّر أخيرًا، في ألبومه القادم، أن ينتج الموسيقى من أجل الموسيقى، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه "فلسطيني ويفتخر".
وتطرّق جبران في مداخلته إلى تحدّيات كثيرة تخطّاها قبل أن يصل إلى هذا التناغم، إن صحّ التعبير، بين هويّته الوطنية كفلسطينيي من أراضي الـ48، وهويّته كفنان، وعاد بالذاكرة إلى مراحل تعليمه الأولى في مصر، حيث لم يكن ثمّة من يعرف أن هناك حوالى مليون ونصف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، وهي التي طرده بسببها عميد الكليّة في مصر فور أن رأى جواز سفره "الكحلي". يقول جبران: "آنذاك بدأت أدافع عن فلسطينيتي وعن عروبتي في عالم عربي، ومن هناك بدأت القضية الفلسطينية تفترسني".
ويسرد جبران كذلك عدّة عقبات واجهته منذ قراره بأن يعزف كممثل لفلسطين في المهرجانات والمحافل الدولية، أبرزها حينما استجوبه "عربي" من وزارة المعارف الإسرائيلية، وخيّره بين العزف باسم إسرائيل أو خسارة وظيفته كمدرّس للموسيقي في المعاهد الإسرائيلية. يقول جبران إنّه قرّر حينها قطع تذكرة والسفر إلى لندن على الفور قبل العودة إلى عائلته.
لكن تحدّيات الهويّة لم تتوقّف بالنسبة له عند تلك المرحلة، إذ يستذكر جبران أمسيته في قاعة "كارنيغي هول" بنيويورك، "حلم كل فنان في العالم" كما يقول، والتي اعتذرت فرقته عن الغناء فيها بداية بعد أن عرّفتها باسم "تريو جبران – إسرائيل"، قبل أن تعدّلها إلى فلسطين بعد إصرار الفرقة على عدم الغناء تحت مسمى آخر.
اقرأ/ي أيضًا:
في غزة.. صناعة الممثلات "زراعة في أرض بور"