07-يناير-2019

"بيتي الذي اندهم ما زلت أُسدد أقساطه لغاية الآن". بمرارة تقولها آلاء ناجي (33 عامًا)، زوجة الأسير نصر أبو حميد، الوحيد المتزوج بين الأشقاء الستة المعتقلين، أبناء "أم ناصر أبو حميد" في مخيم الأمعري قرب رام الله، وقد كانت تسكن آلاء مع أبنائها في الطابق العلوي فوق بيت "أم ناصر"، قبل أن يُفجّر الاحتلال المبنى المكون من أربعة طوابق في منتصف شهر كانون أول/ديسمبر 2018.

هذا البيت هو الثاني الذي يُخلّف حسرة في قلب آلاء، بعد أن هدم الاحتلال البيت الذي تزوجا فيه وأنجبا طفليهما، عام 2003، بعد سنة واحدة من اعتقال زوجها، حيث اقتحمه جيش الاحتلال عند الساعة الثالثة فجرًا، وبينما كان الجنود يزرعون المتفجرات في أنحائه، كانت آلاء ابنة الـ17 عامًا تُسابق الزمن كي تلبس طفليها من الثياب ما يُمكن أن يقيهما برد ليل آذار.

آلاء، زوجة الأسير نصر أبو حميد، هدم الاحتلال بيتها الأول بعد اعتقال زوجها، ثم هدم بيتها الثاني الذي لا زالت تدفع أقساطه

توالت المتاعب على قلب آلاء وكاهلها، من اعتقال الزوج وهدم البيت ومسؤولية طفلين لا يعيان ما يحدث حولهما، قبل أن تنتقل للعيش في بيت ذويها، ثم تستجمع ذاتها وتُقرر إكمال تعليمها، فتقدمت لامتحان الثانوية العامة بالانتساب، ثم أكملت دراستها العليا في جامعة القدس المفتوحة، وحصلت على وظيفة حكومية إثر تخرجها.

 قبل خمس سنوات، قررت آلاء أن تسكن في الطابق العلوي لبيت عائلة زوجها، وتجهيزه بكل ما يلزم؛ تاركة لابنيها رائد (17 عامًا) وعائد (16 عامًا) أن يُصمما تفاصيل البيت. تقول: "أخذت قرضًا وحققت كل أحلامهما في هذا البيت. حاولت أن أعوضهما بعضًا من الحرمان الذي عاشاه لسنوات، بأن يكون لديهما منزلاً خاصًا، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ هُدم البيت وأصبح ركامًا، والغصة أن أقساطه لا تزال تُسدد وهو مهدوم".

مرة أخرى حُرِمَت الابنان من منزلهما كما حُرِما من حضن الأب. مدّت آلاء ذراعيها قائلة: "هيك كان يحب نصر يتصور، بهالوضعية" ثم انهارت باكية وهي تُحاول أن تصف لنا كيف يتصور زوجها المحكوم بالسجن خمسة مؤبدات، إذ يفتح ذراعية تاركًا مساحة لدوبلاج الصورة؛ وإضافة طفليه رائد وناجي اللذين حرمه الاحتلال من احتضانهما، ثم يؤكد على زوجته أن تحضر نسخة له بعد الدوبلاج في الزيارة المقبلة حتى يعلقها فوق سريره، فيما زيّنت النسخة الخاصة بآلاء جدار المنزل الجديد حتى هدمه.

ومنذ هدم منزلها، وجدت آلاء -كما تقول- رفضًا من جهاتٍ عديدة في رام الله لتأجيرها ووالدة زوجها "أم ناصر" منزلاً تسكنانه، مضيفة أنهما تذهبان بناءً على إعلانات الشقق المعروضة للإيجار، "لكن عندما يعلم المؤجر هويتنا يبدأ بخلق الأعذار مثل وجود عطل في الماء أو الكهرباء يتطلب وقتًا لإصلاحه".

زوجة الأسير نصر أبو حميد لا تجد من يؤجرها منزلاً في رام الله، فيما لم يتصل أحدٌ بالعائلة لمتابعة تنفيذ قرار الرئيس بإعادة بناء المنزل المهدوم

وتابعت، "خُذِلْتُ كثيرًا، فلم أتوقع أن أصادف شيئًا كهذا في حياتي. أين العدد الهائل من الناس الذين أتوا لالتقاط الصور والتضامن شكليًا معنا؟ هؤلاء لم نجدهم عندما بحثنا عن منزل لاستئجاره". لكن ماذا عن المتبرعين من خلال مواقع التواصل بمنح العائلة منازل للسكن فيها؟ تشعر آلاء بالعرفان تجاه ذلك، لكنها لن تستطيع ترك عائلتها ومحيطها ووظيفتها في رام الله والانتقال للسكن في نابلس أو جنين أو الخليل.

وماذا عن قرار الرئيس محمود عباس الذي أُعلِن عنه بإعادة هدم المنزل؟ تقول آلاء إنه منذ إطلاق الوعد "لم يتواصل معنا أحد أو يخبرنا أي تفاصيل. فقط تمت إزالة ركام البيت دون الإفصاح عن خطة زمنية لإعادة الإعمار". وتساءلت، "هل إلى ذلك الحين سنظل مشردين في بيوت أقاربنا؟".

كانت آلاء قد شعرت بشيءٍ من الاستقرار في منزلها حين قررت قبل 6 أشهر أن تزرع أملاً مهربًا من خلف قضبان الاحتلال في رحمها، فنجحت في زراعة نطفة، وهي الآن تخشى أن يعيش كما إخوته قبله حرمانًا مضاعفًا في ظل عدم قدرة العائلة على شراء بيت آخر، خاصة أن أقساط البيت المهدوم لا تزال عبئًا عليها.

يذكر أن نصر المحكوم خمسة مؤبدات، هو أحد ستة أبناء معتقلين للسيدة "أم ناصر" أبو حميد من مخيم الأمعري، فإضافة إلى نصر، يقضي ثلاثة من أبنائها "ناصر، محمود، شريف" حكمًا بالسجن المؤبد، أما جهاد فهو معتقلٌ إداريٌ، فيما إسلام موقوف حتى الآن ويواجه السجن المؤبد أيضًا، على خلفية اتهامه بقتل جندي من وحدة المستعربين أثناء اقتحام قوات الاحتلال لمخيم الأمعري السنة الماضية.


اقرأ/ي أيضًا:

ضياء فالوجي.. اعتقله الاحتلال طفلاً وصار "أبو الأسرى"

الأسير فلنة.. شجرة شامخة في سجون الاحتلال

ناصر أبو سرور.. ظريف الطول الذي نادته مزيّونة لـ26 سنة