20-يناير-2018

بينما كان المواطنون في قطاع غزة يلتقطون أنفاسهم إثر انتهاء عدوان 2014، وقبل أن يتمكنوا من إحصاء مُجمل خسائرهم، كان المئات منهم، ومن بينهم الشاب أحمد شفيق (25 عاماً)، يبحثون عن تفسير لأعراض أمراض جلدية ظهرت في تلك الأيام، لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل، وكان منها، وفق أحمد، احمرار الجلد، وحكّة مستمرة، وتهيّج يتزايد مع ارتفاع درجات الحرارة أو التعرض لأشعة الشمس، وكذلك في أوقات البرد الشديد.

أمراض جلدية تغزو قطاع غزة منذ عدوان 2014، لم يكن المواطنون قد سمعوا بها من قبل، ويرجح أخصائيون ارتباطها بأسلحة الاحتلال

التقينا أحمد داخل عيادة الرمال وسط مدينة غزة، وفي هذه العيادة غرفتان للأمراض الجلدية وستة أخصائيين، وعشرات المرضى يجلسون على كراسي بلاستيكية في قاعة الانتظار التي لا تتجاوز مساحتها طول ممر الاستقبال.

اقرأ/ي أيضاً: العيادات الخاصة في غزة: مرضى يتعلقون بقشة أدوية عشوائية

تبرُزُ على جلد أحمد نتوءات وتوّرم جلدي في بعض أنحاء الجسد كاليديّن والرقبة والجبين، لمْ يجد لها حلاً جذرياً إلى الآن، رغم مراجعة  العديد من الأطباء، وتقديم العديد من العلاجات لحالته معظمها مرتفع الثمن، هذا إضافة للحقن الشهريّة وبشكل دوري كما يقول.

أما الأربعينيّة "م.ع" فقد أتت إلى العيادة برفقة بناتها الثلاثة، وجميعهن أُصبنَ بطفح جلدي متبوع بحكة شديدة، مُعدي وسريع الانتشار. توّضح أنها تنتظر في كل مرة أكثر من ساعة لتقابل الطبيب الذي يتابع حالات بناتها الثلاث.

 تقول: "أراجع عند ذات الطبيب مرتيّن أسبوعياً، فمن العيادة الخارجيّة للعيادة الخاصة، مما يسبب لي إزعاجاً بسبب طول فترة الانتظار، بالإضافة لغلاء سعر الأدويّة الطبيّة التي تم تغييرها لأكثر من مرة في أقل من شهريّن"، مضيفةً، "أعداد المُراجعين كبير، والحجوزات بالطوابير، ومن الصعب أن أبقى منتظرة لفترة طويلة من أجل المقابلة".

أغلب الحالات التي قابلها "الترا فلسطين" في العيادة، تلتقي في أن معاناتها بدأت بعد انتهاء عدوان 2014، الذي استخدم فيه جيش الاحتلال أسلحة محرمة دولية، مثل العدوانين السابقين، لكنهم جميعاً لا يعلمون ما إذا كانت هذه الأسلحة وما نتج عنها من ركام وغبار سبباً رئيسياً ومباشراً في ظهور هذه الأمراض الجلدية.

بحسب إحصائيات وزارة الصحة، فإن أعداد المصابين بأمراض جلديّة ارتفعت بنسب كبيرة مقارنة بالأعوام الماضيّة؛ لتقارب المائة ألف مريض خلال عاميّ (2014-2016)، أي بزيادة حوالي أكثر من 6 آلاف مريض جديد. فيما كانت الطواقم الطبيّة قد سجلت انتشاراً للأمراض الجلديّة، وتحديداً القمل والجرب، في بعض مراكز الإيواء التابعة لـ"الأونروا" في القطاع إبانَ صيف 2014، التي ضمت حينها قرابة 400 ألف نازح.

أمراض الجلد في قطاع غزة وحده خلال السنوات الأربع الأخيرة تقارب النسب العالمية في كل دول العالم

يؤكد فارس صبرة، استشاري الأمراض الجلديّة في وزارة الصحة، ظهور حالات مرضيّة مُزمنة "كمرض الأرتكاريا"، وهي نوع شائع من أنواع حساسيّة الجلد، ويوضح أنها حالة جلدية يُعبر بها الجسم عن ردة فعله تجاه مُحسس لمْ يتقبله الجسم.

تظهر"الأرتكاريا" على شكل طفح جلدي يسبب حكة ويترافق مع وجود نتوءات تصيب أي مكان في الجسم، واحمرار والتهاب بشكل عام.

ويبين صبرة لـ"الترا فلسطين" أن زيادة مرضى الجلديّة في غزة يُقارب النسب العالميّة في كل دول العالم، مُرجعاً ذلكَ للحروب المتكررة والتلوّث البيئي، وهي ما سببت، وفق قوله، أمراضاً يصعب التعامُل معها كالأكزيما بالتلامس، والالتهابات بأنوعها "الفيروسيّة والبكتيريّة"، وكذلك الحكة مجهولة الأسباب، وهذه تحتاج لعلاجات مُتعددة قد تمتد لشهور أو سنوات.

يُذكر أن هذا العدد الكبير من المرضى يقوم على علاجه 22 طبيباً مختصاً بالأمراض الجلديّة فقط في قطاع غزة، أي أن كل طبيب يعالج من 500 - 600 مريض شهريًا، وهو معدل مرتفع جداً مقارنةً بالمعدل الطبيعي المتعارف عليه في الأوساط الطبيّة، الذي لا يتجاوز 20 حالة يومياً.

22 طبيباً مختصاً بالأمراض الجلدية في قطاع غزة يعالج كل منهم 500 – 600 مريض شهرياً

وفي نهاية عام 2016، أُغلقت أقسام الأمراض الجلديّة في المستشفيات المركزيّة لمدة أسبوعين، وتم نقلها لأقسام الرعاية الأوليّة، بحُجة أنها غير تابعة للمستشفيات، قبل أن يتم التراجع عن القرار وإعادة افتتاحها بسبب تكدُس المرضى، فيما تحول قلة إمكانيّات وزارة الصحة دونَ وجود مستشفى تخصصي للأمراض الجلديّة في غزة.

وأظهرت دراسة علميّة أعدّتها الباحثة أمل صرصور، مستشار محافظ غزة لشؤون الصحة والبيئة، أن جيش الاحتلال استخدم في عدوان 2014 قنابل المعدن الخامل الثقيل (DIME)، وهي من نفس عائلة القنابل العنقوديّة التي استخدمها في حرب لبنان (تموز 2006) وفي عدواني 2008- 2012 على غزة.

تتكون قنابل(DIME) من ألياف الكربون محشوة بخليط من المواد المتفجرة ( (HMX و(RDX) ومسحوق مكثف من جزيئات صغيرة من معدن ثقيل مثل حبات الرمل، وهو خليط من معدن "التنغستون" الثقيل (HMTA) والمكون من مادة "التغستون،النيكل، والكوبالت، والكربون، والحديد"، مما ساهم في تلوث البيئة بشكل واضح.

جيش الاحتلال استخدم في حروبه على غزة قنابل عنقودية تؤدي إلى البتر وتشوهات دائمة وأمراض جلدية

تُحدث هذه القنابل إصابات بالغة في أجساد الأفراد؛ وتؤدي إلى البتر أو التشوهات الدائمة، فعند انفجارها تُسبب تهتكاً شديداً في أجساد الضحايا، وتتحول إلى أشلاء صغيرة يصعب علاجها أو إجراء أي عمليات جراحيّة للمصابين لاستخراج الشظايا، بالإضافة إلى حروق شديدة من الدرجة الأولى، تقضي على أي فرد تصيبه، وتصيب أمراضاً جلديّة مستقبليّة متأزمة.

اقرأ/ي أيضاً: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" في غزة

ويؤكد المهندس منذر سالم، مدير عام السياسات والتخطيط في سلطة جودة البيئة، أنه تم أخذ عينات من التربة بعد حرب 2008 وفحصها في جمهوريّة مصر العربيّة، وقد أظهرت نتائجها وجود عينات تعرضت للتلوث الإشعاعي.

فيما يوضح أستاذ الفيزياء الطبيّة أنوّر عطالله، أن المواد المشعة التي استخدمها الاحتلال، تندمج بعد ترسبها في عناصر البيئة المختلفة لتنتقل بعد ذلك إلى جسم الإنسان وتستمر لفترات طويلة، مسببةً تشوه الأجنة وزيادة الإصابة بحساسيّة الصدر والرئتين على المدى القريب. أما على المدى البعيد فإنها تسبب أمراضاً سرطانيّة نتيجة ترسبها داخل الخلايا والأعضاء.

وفيما يتعلق باحتمالية الإصابة بالسرطان نتيجة الشظايا التي تستقر في الجلد، يقول: "هذا متوقف على المادة الموجودة في الشظيّة، وقد تكون سامة لدرجة كبيرة لاحتوائها على معدن الدايم، والتنغستون، والمصابون بها أكثر عرضة لمشاكل جلديّة وصحية مستقبليّة".

ويوضح استشاري الأمراض الجلدية في وزارة الصحة عاطف زيارة، أن الأمراض الجلدية المُعدية انتشرت بشكل كبير في المناطق الحدوديّة والمكتظة بالسُكان تحديداً، فزادت حالات الجرب ومرض "أبو داج"، وهو مرض جلدي معدي أصابَ ما نسبته 60 -70% من الأطفال، يتمثل في حبوب متحوّصلة في الفم وحول كف اليدين، ويصاحبه ارتفاع في درجات الحرارة، وأكثرها خلال فصل الشتاء.

ويبين زيارة لـ"الترا فلسطين" أن قلة الإمكانيات التكنولوجيّة كالميكروسكوبات الطبيّة والليزر وغُرف الحجر الصحي وأماكن الكشف، حالتْ دون القدرة على السيطرة على تلك الأمراض بالصورة المطلوبة، فيما يقوم الطبيب المتابع للحالة فقط بتقديم العلاج اللازم للمريض.

وتحتاج وزارة الصحة في قطاع غزة إلى 40 مليون دولار سنوياً، كنفقات تشغيلية للخدمات الصحية، و700 كادر بشري كل عام، وفق ما أفادنا به مسؤول في الوزارة، موضحاً أن هذه الإمكانيات لم تتوفر للقطاع الصحي منذ عام 2013، وقد شكل ذلك عجزاً في الخدمات، وهو ما ينذر بكارثة حقيقة في ظل إغلاق باب التوظيف في القطاع الصحي.

ويوجد في قطاع غزة أربعة مستشفيات مركزيّة، هي مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، ومجمع ناصر الطبي في خانيونس، والمستشفى الأوروبي في خانيونس أيضاً، ومستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة.


اقرأ/ي أيضاً:

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

منشطات جنسية قاتلة تباع سراً في الضفة

نفايات "ديمونا" قاتل صامت في الخليل