20-مايو-2018

تنام الحياة حزينة هنا فالموت سبقها مرةً أخرى وسرق أحد أبنائها، ومهما كثرت سرقات الموت إلا أنّ الحياة تظل محافظة على دهشتها الحزينة عند كل خسارة تمنى بها.

***

الحياة كائنٌ هش، ولكن يمكنها أن تفاجئ الموت بصلابتها عندما يتعلق الأمر بأبنائها، تمسك بهم بينما يسحبهم الموت ليضعهم في ثلاجاته الباردة، تبكي الحياة إذا نجح، ولكنها تظل حياةً مهما غرقت بالدموع، فتصمم أن يغطي الطبيب أجساد أبنائها قبل أن يضعهم في الثلاجة.

***

الموت لا يحدث إلّا للذين لا يعرفهم أحد، ونحن في بيتنا الصغير الذي نسميه "وطن" كلنا نعرف بعضنا، فكيف يموت موتانا إذًا؟ كل الذين ماتوا من أجل أن يظل بيتنا لنا، موجودون على جدران غرف هذا البيت، تحوّلوا إلى صور هادئة تراقبنا ولا تقول شيئًا.

***

إذا قلبنا التراب سنجد كل موتانا، جالسين، مستعدين للقائنا، متحمّسين لسرد قصص الانتقال بين العالمين، سنبكي، وسيخبروننا بأن لا شيء يستدعي البكاء، فالموت ليس حدثًا سيّئًا ولكنّها الحياة هي التي يعز عليها أبناءها فتخيفهم من الموت.

***

الموت لا يسمح لك بحزم حقيبتك، لا وقت لديه لينتظر حتى يلملم الميّت أغراضه، وحتى لو كان الميت طفلًا فالموت لا يسمح له بأخذ ألعابه رغم أنه يعرف أنّه قد يحتاجها، وهُنا تكمن قسوة الموت، فهو كائن مشغول جدًا ولديه جدول زمني دقيق لتنفيذ عمله، فلا تهمّه التفاصيل لأنها تعيقه عن عمله، وبسببها ربما يرتبك ويغيّر رأيه أمام فستان العيد الذي كانت سترديه الطفلة التي قرر أنه سيأخذها بعد قليل. الموت كائن بخيل العاطفة.

***

ينتبه الأحياء لغياب الميّت بسبب ملابسه التي تركها في الدولاب، بسبب شهيّته للطعام التي ظلّت عالقة على باب الثلاجة، كيف نأكل وهو لم يأكل منذ سنوات؟ يظلّ جوعه يحاصر رغبتهم في الطعام كل مرة يجلسون حول المائدة بدونه، قد تغرف أمه له طبقًا وتضعه أمام كرسيّه الفارغ، من يعلم ربما سينقص.. ربما ستشعر حبات الأرز بحاجة الأم لنقصانها فتنقص من تلقاء نفسها حتى يهدأ قلب الأم.. من يعلم ربما.

***

يتركك الموت أمام كومة من الأسئلة، معظمها أسئلة تعارفيّة، فكل مرة يحدث بينك وبين الموت تماس بأحد أقاربك أو أصدقائك تزيد رغبتك بالتعرف عليه، وغالبًا ما تكون رغبة التعرف عليه مليئة بالكلمات النابية أو الحزينة، فسؤال الموت من أنت، وماذا تريد منا، ولماذا جئتنا؟ لا يسألها إنسان هادئ، لأن الانسان عندما يهدأ يمتلك الإجابات كلّها.

***

لم ينج أحد من الموت لأنه بكى أمامه، فلا تجرّب أن تفعل هذا عندما تراه، الموت لا يعرف ما هي الدموع. لا يعرف كيف تتجمع هذه المياه المالحة في العين ثم تهبط دفعةً واحدة لتدلل على خوف القلب أو حزنه. الموت لا يفهم أنّك تطلب منه التوقّف فهو ليس خبيرًا بجسد الإنسان إلّا عندما يتعلّق الأمر بإيقافه عن العمل.

***

للموت رائحة تشبه انتظار أحدٍ لن يأتي، تشبه أن تصلك رسالة تنتظرها وتختفي قبل أن تقرأها، تشبه وحدتك لأنّك غير مرئي، تشبه أن تطبق جدران الغرفة حصارها عليك. فجأة يهوي السقف فوق رأسك وتقترب الجدران من جسدك لتمنحك مساحتك من الوحدة. تسمع الجميع ولا أحد يسمعك، تراهم ولا يرونك، يحول بينكم هذا القبر.


اقرأ/ي أيضًا:

مهيب البرغوثي.. ماذا في مختبر الموت؟

الموت يعمر الأرض

مقاومة الموت

البكاء في مواجهة الموت