28-سبتمبر-2019

نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في ملحقها الأسبوعي، الجمعة، مقابلة مطوّلة أجراها معلّقها العسكري أليكس فيسشمان مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت، حملت عنوان "آيزنكوت في كل الجبهات"، تحدث فيها عن ما أسماه "تحولاً لافتًا" في السياسة الإسرائيلية مؤخرًا، وتطرق إلى فرص الحرب والعقيدة الأمنية الإسرائيلية.

وللمرّة الأولى تحدّث آيزنكوت منذ تقاعده، في ملفاتٍ ساخنة؛ عسكريًا وسياسيًا، وأفرد مساحة واسعة لـ"التحوّل اللافت في السياسة الإسرائيلية" مؤخرًا، حيال ما وصفه بانتهاك "سياسة الغموض" التي كانت تنتهجها "إسرائيل" في الإعلان عن عمليّات عسكرية تنفذها في دول عربية محيطة. وقال إن انقشاع الضباب الذي كان يلف هذه العمليات "يلحق ضررًا بأمن إسرائيل".

للمرّة الأولى تحدّث آيزنكوت منذ تقاعده، في ملفاتٍ ساخنة؛ عسكريًا وسياسيًا، وحول التحوّل اللافت في السياسة الإسرائيلية مؤخرًا

وكشف الجنرال احتياط، الذي يعمل الآن باحثًا في معهد واشنطن للأبحاث، عن انتهائه من إعداد وثيقة أمنيّة بالتعاون مع اللواء احتياط غابي سيبوي، تتضمّن الخطوط العريضة لمفهوم "الأمن القومي الإسرائيلي"، وتتطرق لسبل مواجهة "الخطر النووي الإيراني".

"لسنا بحاجة لتحالف دفاعيّ مع واشنطن"

يقول آيزنكوت معقّبًا على رواج أحاديث عن تحالف دفاعيّ مع واشنطن عشية الدعاية الانتخابية الإسرائيلية، إنه ليس ثمّة مبرر منطقي لإبرام تحالف دفاعيّ مع الولايات المتحدة الأمريكية، "فأن تحصل أي دولة في المنطقة على سلاح نووي، هذا لا يعني أنها ستتعرّض لهجوم منّا. وهذا التحالف الدفاعي أمر غير ضروي، وليس له أي مبرر منطقيّ".

اقرأ/ي أيضًا: باحث إسرائيلي: أبو مازن مسؤول عن نمونا الاقتصادي

وينطلق آيزنكوت في قناعته هذه من أنّ التحالف مع واشنطن يعني "إعطاء شعور بالأمن للجمهور"، لكنّه في ذات الوقت يلزم إسرائيل بالتنسيق في أيّ عمل عسكري قد يورّط الحليف الذي هو في هذه الحالة الولايات المتحدة. ويشير إلى أنّ إسرائيل خلال السنوات الأربع الماضية، هاجمت آلاف الأهداف في أنحاء الشرق الأوسط دون أن تحتل أخبار تلك العمليات عناوين الأنباء؛ فتم توجيه ضربات لتنظيم "داعش"، وللتموضع الإيراني في سوريا، وكذلك قوات حزب الله. أمّا في حال وجود اتفاق دفاعيّ فليس بالإمكان توجيه هذه الضربات، "لذلك لسنا بحاجة لاتفاقيّة دفاعية".

وحين سأل فيشمان، آيزنكوت عن أنّ نتنياهو يرى أن لوجود هذا الحلف ضرورةٌ حيويةٌ، قال إنّ بن غوريون بذل "جهودًا هائلة" منتصف القرن الماضي على أمل الوصول لحلف مع الولايات المتحدة، ومن ثم فرنسا، لأن إسرائيل كانت تخضع لتهديد وجوديّ، أما اليوم فهذا التحالف "أمر غير ضروي، وليس له أي مبرر".

آيزنكوت: التحالف الدفاعي مع واشنطن أمر غير ضروري وليس له أي مبرر

"الحرب المحدودة يجب أن تكون مخرجًا أخيرًا"

خلال الأيام الأخيرة نُشرت في الولايات المتحدة "وثيقة أساس" كتبها آيزينكوت والعقيد احتياط جابي سيبوني، رئيس البرنامج العسكري والفضاء الإلكتروني في معهد "تل أبيب" للأمن القومي، حملت الوثيقة المكوّنة من 44 صفحة، عنوان "خطوط توجيه للعقيدة الأمنية الإسرائيلية".

تبدو الوثيقة كأنّها تعليماتٌ تشغيليةٌ للمستوى السياسي الإسرائيلي، أو بكلماتٍ أخرى: هكذا بإمكان القيادة السياسية والعسكرية استخدام جهود الأمن. وتفصّل الوثيقة ماهيّة  كل مستوى من مستويات اتخاذ القرار في مجال الأمن القومي، وعلاقة كل مستوى بالآخر، وتتناول صلاحيّات رئيس الحكومة، ووزير الأمن والمجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية "الكابينت".

اقرأ/ي أيضًا: باحثة إسرائيلية: إسرائيل هي البلد الثاني للمغاربة بعد فرنسا

كما توضّح الوثيقة مستوى اتخاذ القرار الذي يواجه طيفًا واسعًا من القضايا، ابتداءً من العمل ضد BDS وحتى مواجهة التهديدات العسكرية غير التقليدية، وتُقدم في أحد أجزائها شرحًا مفصّلًا للكيفية التي تبادر فيها إسرائيل لشنّ حرب في ظروف أمثل على قطاع غزة، كمثال.

" قبل أن نبادر حربة محدودة" كتب آيزنكوت وسيبوني: "يجب دارستها بواسطة عملية إدارة المخاطر. مثلاً إذا كانت هناك منطقةٌ تعرضت مرة بعد أخرى لإرهابٍ بواسطة سلاح فتاك، والخطة هي شن معركة محدودة تؤدي لوقف الإرهاب أو الحد منه لفترة ما، عندها يجب دارسة الأبعاد التالية: ما هي خطورة الأضرار التي لحقت بالمنطقة التي تعرضت للاستهداف بالسلاح، أي ثمن جسدي ونفسي سيدفع السكان -الإسرائيليون- والاقتصاد؟".

يخلص الرجلان إلى هدف "طموح" مثل دفع حكم حماس للانهيار بواسطة احتلال كامل للقطاع، وتصفية البنية التحتية لما أسمياه "الإرهاب" في منطقة "تفرض عبئًا علملياتيًا". كما قررا أن المبادرة إلى "حرب محدودة" يجب أن تكون المخرج الأخير.

آيزنكوت: المبادرة إلى حرب محدودة يجب أن تكون المخرج الأخير

وكتبا أن لـ"القيادة القومية وظيفةٌ هامةٌ تكمن في إنتاج حصانة تمنع الحاجة إلى شن حرب بعد كل عملية إرهابية، أو بعد كل سلسلة عمليات إرهابية".

يقول فيشمان، إن وثيقة آيزنكوت وسيبوني تضمنت سيناريو إضافيًا لاندلاع الحرب، ما يُطلق عليه "رد فعل رادع". يُشخص ذلك آيزنكوت قائلاً: "المبادرة إلى ضرب بنية القوة للعدو تتعلق بتطور تهديدٍ استراتيجي، خصوصًا التهديد غير التقليدي. أيضًا مصطلح رد رادع يتعلق بمواجهة التهديد غير التقليدي". وبذلك يبدو الشرح التفصيلي لهذا المصطلح يظهر بالضرورة في الأجزاء السرية من الوثيقة التي لن يتم نشرها.

اقرأ/ي أيضًا: تعلم العربية "رأس حربة" في عمل الشاباك

يسأل فيشمان: "أنتما لستما أول من يُجري أبحاثًا حول العقيدة الأمنية. لقد كتب عددٌ لا نهائي في الأبحاث حول العقيدة الأمنية، ولكن الأبحاث تغرق في الغبار داخل الخزائن، بصفتك رئيس أركان، هل تشعر بالنقص في الدراسات في مجال معين؟".

أجاب آيزنكوت: "بالطبع ثمة نقص. في الساحة الفلسطينية مثلاً، هل لدينا دراساتٌ حول هل نريد دفع حماس للانهيار؟ وهل نريد دولة فلسطينية تكون أقل من دولة (سالب دولة)؟ هل نريد إلصاق غزة بمصر؟ هل نريد علاقاتٍ أمنيةٍ مع السلطة الفلسطينية؟ هل نريد بشكل عام سلطة فلسطينة قوية قادرة على تطبيق سياستها؟ أم نرُيد دفعها إلى الانهيار؟ ليس ثمة عقيدة أمنية بخصوص الساحة الفلسطينية".

وأضاف، "المنظومة الأمنية -الجيش، الشاباك، الموساد- تعمل في الساحة الفلسطينية منذ سنوات في ظل غياب بوصلة، والميدان يملي السياسات من الأسفل. أنا مثلاً تساءلت ذات مرة: هل من الأفضل لنا نظام حكم حماس في غزة؟ بالنسبة لي كرئيس أركان فعلت كل جهدٍ مستطاع من أجل الحفاظ على الأمن والشعور بالأمن، وإنتاج هامش يتيح العمل للمستوى السياسي. ومن جهة أخرى كنت أدعي أن تعزيز قوة حماس في قطاع غزة كان خطأ استراتيجيًا خطيرًا ويجب علينا أن ندفع من أجل وضع نهاية لحكم حماس في غزة، ربما ليس الآن، لوجود أسباب اضطرارية أخرى متعقلة بالتموضع الإيراني في الشمال، وفي بناء العائق على امتداد الحدود مع غزة، لكن على المدى البعيد يجب إضعاف حماس بشكل جدي، والتسبب بأن يدير قطاع غزة جسم معتدل، وهذا الجسم فقط قد يكون السطلة الفلسطينية التي وقعت معها إسرئيل على اتفاقيات".

آيزنكوت: الجيش والشاباك والموساد يعملون في الساحة الفلسطينية منذ سنوات في ظل غياب بوصلة

سأل فيشمان: "هل التخلي عن مبدأ الغموض كما يحدث في الشهور الأخيرة، يقود الى خطر الانزلاق لحرب؟".

أجاب آيزنكوت: "الغموض هو المُكون الأكثر أهمية الذي تم انتهاكه مؤخرًا يُلحق الأذى بأمن إسرائيل". وأضاف، "أعتقد بعد الانتخابات أن الجميع سيعودون إلى المبادىء السابقة، لقد نفذنا آلاف العمليات من كل الأنواع التي يمكن تخيلها دون أن نعلن مسؤليتنا. تخيل لو أننا كنا ننشر قبل عامين أو ثلاثة معلوماتٍ حول عمليات العمق الذاتي التي نفذناها، لكان ذلك ارتدَّ إلينا، كنا نعمل دون الإعلان بهدف تحسين صورتنا، وهذا منح هامشًا من الإنكار لقاسم سليماني وحزب الله وداعش، وكل هؤلاء حاولوا بالطبع ضربنا".

فيشمان: "ضمن مصطلح النصر تتحدثان (في الوثيقة) عن فقدان العدون ذخره الاستراتيجي الذي يعتمد عليه في نظام حكمه وبقائه السياسي والشخصي. اذكر لي متى مؤخرًا أو خلال العشرين عاماً الماضية تم إحراز نصرٍ وفقا لهذا التعريف؟".

آيزنكوت: "ربما أنت تتذكر في منتصف العقد الماضي، كانت زلة لسان حول التفجير الصوتي -كسر حاجز الصوت عبر تجاوز الطائرات الحربية لسرعة الصوت- فوق قصر الرئيس الأسد، منذ ذلك الحين قطعنا معه طريقًا طويلاً، وخلال السنوات الأخيرة تلقى منا ضربات جعلته ينفجر غضبًا، لكنه أدرك في حال تصدى لنا فإنه يُخاجر بنظام حكمه وبأسرته، وبطائفته، ولذلك فإنه امتص الضربات وصمت، وهذا نموذج لاستخدام القوية الذكية مع التفوق الإسرائيلي".

فيشمان: "لماذا مبدأ النصر هذا لا يجري تطبيقه في غزة؟".

آيزنكوت: "في شهر آذار/مارس عام 2018، أدرك يحيى السنوار أنه في حال اتخاذه خطواتٍ ذات فاعلية لتغيير وضعه في ظل العقوبات التي فرضها أبو مازن، فإنه -السنوار- سيفقد سلطته. واختار في مواجهتنا خطًا خاضعًا لرقابته وسيطرته وتملكه الحذر".


اقرأ/ي أيضًا: 

"يديعوت" تكشف تفاصيل تجنيد مسؤول عربي لصالح إسرائيل

وثيقة | العالم اليهودي فرويد عارض إقامة دولة يهودية في فلسطين

فيلم | "المتضامنون".. لماذا كل هذا الحب لفلسطين؟