من يجلس إلى جانب الحاج "أبو علاء" يعتقد للوهلة الأولى أنه مع محللٍ رياضيٍ يرى ويلاحظ كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فوق المستطيل الأخضر. يكفي أن تسمعه يقول "برشلونة بات يعاني من ضعفٍ في خط الوسط بعد رحيل تشافي وانيستا، فلا يوجد من يربط بشكل سليم بين خطي الدفاع والهجوم. أما مركز طولكرم فيعاني هذا الموسم من خللٍ في خط الدفاع تسبب في تذيله جدول ترتيب دوري المحترفين الفلسطيني".
مصطفى أبو مريم فقد بصره بسبب السكري، لكنّه يصر على مشاهدة كرة القدم من الملعب!
بالفعل هو كذلك! ولكن في الحقيقة فإن مصطفى أبو مريم (62 عامًا) من مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية مصابٌ بالعمى، ومع ذلك لا يهوى مشاهدة مباريات كرة القدم إلا من الملعب. فكيف يفعل ذلك؟
اقرأ/ي أيضًا: "أميرة الإعلام الرياضي".. منار يونس: وحده من يقاتل يصل
تعود أصول مصطفى أبو مريم إلى قرية وادي الحوارث المهجرة في شمال فلسطين، ومنذ طفولته التي قضاها بين أزقة المخيم تعلق بعشق كرة القدم، ورافق فريق مركز طولكرم أو كما يحلو لهم تسميته بـ"الزعيم" في كافة مبارياته إلى الملعب.
يقول "أبو علاء"، إن المباريات كانت تجري على ملعب بلدية طولكرم بين فريق المركز ومختلف الفرق من الضفة الغربية والقدس، وكان يشاهدهاجميعًا. ويَعتَبِرُ أفضل فترةٍ مرت على مركز طولكرم منذ نشأته كانت خلال السبعينات وبداية الثمنينات "عندما لعب معنا عارف عوفة ومحمود عايد وسميح رجا وإبراهيم عنبر".
وبالرغم من عمله مدرسًا في الكويت مدة 9 سنوات خلال الثمنينات، إلا أنه واصل متابعة أخبار فريقه المفضل، وشجع هناك من المدرجات فريق القادسية الكويتي.
نقطة التحول
بعد عودته للوطن أصيب "أبو علاء" -وهو أب لخمسة أبناءٍ وبنتين- بمرض السكري وضغطٍ في الدم. يقول: "في البداية كان الأمر طبيعيًا، إلا أن الأحوال بدأت بالتدهور بشكلٍ تدريجيٍ حتى بدأ نظري بالتلاشي، حاولت علاجه بكافة الوسائل حتى أصبت بالعمى بشكلٍ كاملٍ قبل خمس سنوات".
بات أبو علاء كفيفًا، ومع ذلك واصل الذهاب إلى الملعب لتشجيع فريق مركز طولكرم، حيث يصطحبه إلى الملعب نجله الأصغر معتصم (18 عامًا)، وقد أوضح ذلك قائلاً: "يأخذني للمباريات ابني معتصم، وأقوم بالمتابعة من فوق المدرجات، حيث يسرد لي ابني تفاصيل المباراة بشكل كامل من تشكيلة الفريقين وحتى نقل كافة المجريات".
وبسبب خبرته في عالم المستديرة كمشجعٍ محترف، تكون لـ"أبو علاء" تدخلاتٌ فنيةٌ يتحاور فيها مع المشجعين، "أنا بدوري أحلل المباراة ويكون لدي رأيٌ إما أن يوافق خيارات المدرب أو يخالفه، وذلك على الرغم من عدم مشاهدتي للأداء في الملعب بشكل حي" قال "أبو علاء".
إذا تحدّث مصطفى أبو مريم عن المباريات التي "يُشاهدها" تظنُّ المتحدث محللاً رياضيًا
ويحمل ديربي طولكرم بين الثقافي والمركز أهمية خاصة لدى "أبو علاء"، وقد تابع اللقاء الأخير بين الفريقين هذا الموسم؛ الذي أُقيم استثنائيًا على ملعب بلدية نابلس، وانتهى بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق، في لقاءٍ يصفه "أبو علاء" بأنه "كان متكافئًا بالرغم من تفوق الثقافي في بعض الفترات".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن لاعبي "الفدائي" في كأس آسيا؟
ابتسم "أبو علاء" عندما توجهنا إليه بالسؤال حول الديربي، وأجاب، "تكون ملحمة مثل الكلاسيكو العالمي بين ريال المدريد وبرشلونة".
الشغف لا يعرف الحدود
لم يمضِ على تواجد فريق مركز طولكرم سوى عامين بين الأندية الكبار بعد تطبيق نظام الاحتراف في فلسطين، إلا أنه هذا الموسم مهددٌ بالهبوط والعودة إلى مصاف فرق الاحتراف الجزئي، لكن "أبو علاء" لا زال يشجعه حتى الآن من الملعب.
ولأنه يعرف كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالفريق، يرى "أبو علاء" أن المركز يعاني ضعفًا في الدفاع والوسط والهجوم، وبشكل خاص في خط الدفاع، هذا عدا عن الضائقة المالية التي يمر بها النادي، وتراجع مستوى أداء إدارة الفريق. لذلك يناشد القائمين على الفريق -حاله من حال عشرات الآلاف من المشجعين- بضرورة معالجة الخلل في مرحلة الإياب من دوري الاحتراف، وذلك لتفادي الهبوط.
اللاعب الذي يحبه ويشجعه "أبو علاء" في مركز طولكرم هو فادي سليم، وبحسب رأيه "هو لاعبٌ خلوقٌ وأنيقٌ فوق الميدان، ويحترف اللعب في مركز خط الوسط، ويقوم بتمويل الكرات للهجوم بشكل دقيق".
وأفاد بأن "أجمل مباراة لن ينساها كانت بين مركز طولكرم وشباب الخليل العام الماضي، وفاز فيها شباب الخليل بسبب سوء أداء المركز".
على المستوى العالمي
لا تقتصر متابعة "أبو علاء" لمباريات كرة القدم فقط على المستوى المحلي، وإنما يتابع المباريات على المستوى العالمي، إذ يشجع فريقي برشلونة ومانشستر ستي، ويُتابع كافة مباريات الفريقين. يقول: "أحيانًا أتابع مباريات الدوري الإنجليزي جميعها، أقوم بتشغيل التلفاز وسماع المباريات ونقاش الاستديو التحليلي والمقابلات الصحفية مع اللاعبين".
مصطفى أبو مريم يُشجع برشلونة ومانشستر ستي، ويتابع الاستديوهات التحليلية والمقابلات مع اللاعبين
وفي السياق العالمي لديه رأيٌ فنيٌ أيضًا، "برشلونة لا يعجبني هذه الأيام، ومن خلال سماعي للمباريات وما أعرفه بأن لديهم هجومٌ قويٌ يقوده ميسي، ولكن هناك تراجعٌ في الوسط بعد خروج انيستا ومن قبله تشافي، عدا عن بعض العيوب في الدفاع، وهو ما أثر على نتائج الفريق وتسبب بهدر العديد من النقاط في الدوري الإسباني".
ماذا يتمنى أبو علاء؟
لم يتحدث "أبو علاء" عن أي أمنية تتعلق بوضعه الصحي، أو العودة إلى القرية التي هُجِّر منها والده، وإنما يتمنى أن يتحسن ترتيب فريق مركز طولكرم في دوري المحترفين، وعدم الهبوط للاحتراف الجزئي.
كما يتمنى من جميع الرياضيين المحليين عدم "الخشونة المتعمدة"، وعودة الانتماء للفرق كما كان الحال في الماضي، وعدم اللعب لأجل الشهرة والمال. ويتمنى على الجمهور أيضًا أن لا يتلفظ بـ"ألفاظٍ سيئة"، والابتعاد عن شغب الملاعب وتقبل الخسارة والفوز بروح رياضية.
اقرأ/ي أيضًا:
اللعبة الشعبية الأولى في التسعينات.. ماذا حل بالكرة الطائرة؟