01-ديسمبر-2018

انتظرت أسرة الكرة الطائرة طويلاً حتى حقق المنتخب الفلسطيني أول فوز دولي رسمي لها، وذلك على حساب المنتخب الأردني في البطولة العربية الأخيرة التي احتضنتها جمهورية مصر خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي.

ومن الإنجاز اليتيم في مصر، نعود رفقة لاعبي المنتخب الوطني إلى أنديتهم في ملاعب الضفة الغربية، حيث اختُتمت قبل أيام المرحلة الأولى من منافسات الدوري الفلسطيني الممتاز للكرة الطائرة، عندما احتل نادي سنجل سلم الترتيب، وصعد إلى الدور النهائي رفقة أربعة أندية أخرى حلت أسفل منه في صدارة المربع الذهبي.

منتخب فلسطين للكرة الطائرة حقق فوزًا يتيمًا طوال مشواره، وبطل فلسطين، نادي سنجل، يتدرب في العراء ويتسول الدعم المادي

يواصل لاعبو نادي سنجل متصدر الترتيب العام تحضيراتهم للدور النهائي على ملعبٍ أسفلتيٍ يلفحهم برد الشتاء في إحدى مدارس البلدة شمال رام الله.

شاهدي/ي أيضًا: فيديو | فتيات الملاكمة لأول مرة في غزة

نادي سنجل الذي يحمل في جعبته 19 لقبًا رسميًا على مستوى منافسات الضفة الغربية، والأكثر حضورًا في المنافسات الخارجية، لا يمتلك حتى اليوم صالة رياضية خاصة، و"يتسول" أعضاء إدارته المال في سبيل توفير الدعم اللازم وتغطية احتياجات الفريق الأساسية من لباس وكرات وتنقلات ومصاريف علاج وأخرى.

بالمختصر، المنتخب الوطني لم يحقق سوى فوزًا واحدًا يتيمًا طوال تاريخه، ومشاركاته الدولية لا تتجاوز عدد أصابع اليد، أما بطل فلسطين نادي سنجل فما زال يتدرب في العراء ويتسول المال. فما الذي يجري للكرة الطائرة؟

اللعبة الشعبية رقم واحد

الصحفي المتخصص في رياضة الكرة الطائرة محمد الرنتسي يقول إن أول اتحادٍ للكرة الطائرة تأسس في سبعينيات القرن الماضي، وكان يشارك المنتخب الفلسطيني في البطولات العربية بلاعبين جميعهم من الشتات، ثم أُعيد تأسيس الاتحاد عام 1993 بعد تشكيل السلطة الوطنية، ليبدأ المشاركات الرسمية في العام ذاته، انطلاقًا من البطولة العربية في البحرين.

الكرة الطائرة كانت اللعبة الشعبية الأولى في فلسطين خلال التسعينات

ويؤكد الرنتسي أن الكرة الطائرة كانت حتى منتصف التسعينات اللعبة الشعبية رقم واحد، وخلال الاستفتاء الرياضي العام في المناطق الفلسطينية عام 1995، حصل اتحاد الكرة الطائرة على المركز الأول.

الماضي أجمل، أما اليوم!

رافي عصفور، المحاضر المتخصص بالكرة الطائرة في جامعة بيرزيت، يُعتبر أحد أبرز نجوم هذه اللعبة في الضفة الغربية. بدأ مشواره مع نادي سنجل عام 1993، وواصل اللعب محققًا الألقاب الفردية والجماعية؛ حتى اعتزل صاحب الرقم 14 في يوم 14 كانون الأول/ديسمبر 2014، ثم أصبح مدربًا لنادي سنجل ورئيسًا له.

يقول رافي عصفور لـ الترا فلسطين، إن المراحل الأولى للكرة الطائرة كانت الأجمل، وكان الانتماء والبساطة هما العنوان، فالانتماء كان يمنع اللاعب من التفكير في الانتقال إلى فريق آخر، والانتماء كان يمنع اللاعب من التغيب عن التمرين.

رافي عصفور

يستذكر "العصفور الطائر" أنه في ذلك الزمن لا تخلو المباراة من المشجعين حتى لو كانت مباراة ودية، مضيفًا، "أذكر البكاء في عيون اللاعبين والجمهور والإداريين عندما نخسر، على الرغم من تواضع المستوى الفني، وضعف الإمكانيات".

لكن عصفور يرى أن اللعبة هبطت هذه الأيام على الرغم من تطور الفكر الرياضي، والانفتاح على العالم، وتغير الأداء من الارتجالية إلى التخطيط، ووجود الصالات الرياضية، وبعض الحوافز المادية، والاهتمام الإعلامي. يبرهن عصفور على هذا الهبوط بتراجع الاهتمام الجماهيري، وتراجع عدد الأندية واللاعبين.

رافي عصفور: في الماضي كان الانتماء يمنع اللاعب من ترك فريقه أو التغيّب عن التمرين، وهذا تراجع الآن

يبلغ عدد الأندية المنتسبة لاتحاد الكرة الطائرة اليوم نحو 40 ناديًا في الضفة الغربية،أما في قطاع غزة فعددها يقارب 30 ناديًا.

وعلِمَ موقع الترا فلسطين من اتحاد الكرة الطائرة، أن بعض الفرق كانت من أبطال اللعبة لكنها اختفت عن الخارطة اليوم، ومنها: شباب أريحا أول بطل للدوري الفلسطيني الممتاز، وشباب العوجا وصيف أول دوري وبطل النسخة الثانية من الكأس، ومركز بلاطة، ومركز عسكر، ومركز الأمعري، والعيزرية، والعبيدية، ونادي جنين، ونادي عوريف، والمزرعة الشرقية النادي المشهود له بتنظيم صواعق الكرة الطائرة.

هناك بعض الأندية تميزت في السابق وكان لها حضور قوي، لكنها تراجعت بالمستوى الفني، وأبرزها: رنتيس، دير دبوان، رمون، دير أبو مشعل، تل أول بطل لكأس فلسطين، بيت فوريك بطل فلسطين مرتين.

فرق كانت من أبطال الكرة الطائرة في الضفة لم تعد موجودة على الخارطة

هنا يؤكد كابتن المنتخب الوطني وأفضل لاعب في فلسطين هذه الأيام عمر فقهاء أن الكرة الطائرة الفلسطينية ينقصها الكثير، "يجب أن يكون الدوري ذهابًا وإيابًا، ويجب أن يكون التنافس قوي بين الفرق المشاركة على اللقب، ويجب أن يكون هناك احترام للاعب، ويجب توفير الدعم المادي والمعنوي،أما على الصعيد الخارجي فينقصنا معسكرات تدريبية، والاحتكاك بالفرق الكبيرة" قال فقهاء.

عمر فقهاء

لماذا تراجعت الكرة الطائرة؟

يرى الصحفي محمد الرنتسي أن أسباب التراجع كثيرة، في مقدمتها أن الفرق أصبحت تعتمد على التدريبات الموسمية، بمعنى التدريب عند اقتراب البطولات المنوي المشاركة بها، مضيفًا أن من يتحمل مسؤولية التراجع بالدرجة الأولى هي الأندية التي أصبح ظهورها مقترنًا فقط بالمنافسات الرسمية، ولم تعد تهتم بالصواعق والبطولات التنشيطية وخاصة "الرمضانية".

محمد الرنتيسي

كما أن اعتزال كوكبة من ألمع نجوم اللعبة في السنوات الأخيرة، أدى إلى تراجع مستوى بعض الأندية التي لم تتمكن من تعويض نجومها السابقين، وفق اعتقاد الرنتسي.

وأضاف، "ناهيك عن قلة اهتمام لاعبي الجيل الحالي، وعدم التزامهم بالتدريب بشكل منتظم، وهناك ظاهرة غير صحية، تتمثل في أن البعض يلعب لنفسه، أما في السابق فكان الكل يلعب بروح الفريق. وهناك سبب آخر لا يقل خطورة عن الأسباب آنفة الذكر، ويتجلى في عدم توظيف كافة كوادر اللعبة في جسم واحد في بعض الأحيان".

أسباب إدارية ومالية تتعلق بالأندية والاتحاد واللاعبين تقف خلف تراجع الكرة الطائرة الفلسطينية

وبالعودة إلى رافي عصفور، فهو يرى أن الكثير من المعطيات أدت الى تراجع اللعبة، ومنها انشغال الجيل الحالي بوسائل التواصل الاجتماعي، والضعف الإداري في الأندية سواء في مجال التخطيط الاستراتيجي، أو المتابعة وتوفير الاحتياجات المالية.

اقرأ/ي أيضًا: رياضيون غزيون يعتزلون بقرار من قناصة الاحتلال

ومن الأسباب الهامة التي تحدث عنها عصفور هو وجود نظام الاحتراف في كرة القدم في المناطق الفلسطينية؛ الذي أصبح عنصرًا هدامًا لباقي الألعاب، فالجميع بات يفكر في ممارسة لعبةٍ لها دخلٌ مادي. هذا إضافة لغياب المستثمرين والشركات الكبرى عن رعاية فرق الكرة الطائرة.

ورأى عصفور أن الفريق لا يحتاج سنويًا -في ظل الظروف الراهنة ودون المشاركات الخارجية أو المعسكرات التدريبية- إلى أكثر من 60 ألف شيقل. "إذا أردنا النهوض باللعبة فهذه الميزانية لا تكفي لمعسكر تدريبي خارجي واحد، ولكن العمل يجري ضمن المعطيات المتوفرة".

وأضاف أن ضعف اتحاد الكرة الطائرة من أسباب سوء أحوال اللّعبة، فهو يعاني من ضعفٍ في الموارد المالية، ولا يفكر في صناعة حكام دوليين، ولا صناعة مدربين بمواصفات عالمية، ولا يعمل على إنشاء توأمة مع اتحاداتٍ عالميةٍ، ناهيك عن عدم وجود معسكراتٍ داخليةٍ أو خارجيةٍ للمنتخبات.

موقف اتحاد الكرة الطائرة

الصحفي محمد الرنتيسي عُينَ مؤخرًا متحدثًا رسميًا باسم اتحاد الكرة الطائرة، يقول إن مشاكل الاتحاد لا تخرج عن قلة الدعم والموارد المالية، فبدون "موازنة" أو "رعاية" لا يمكن أن ترتقي اللعبة للمستوى المأمول وتحقيق كل ما هو مطلوب.

اتحاد الكرة الطائرة: مشاكل الاتحاد لا تخرج عن قلة الدعم والموارد المالية، فلا ميزانية ثابتة ولا رعاية دائمة

وأضاف أنه لا توجد ميزانية ثابتة لاتحاد الكرة الطائرة، ولا يتوفر راع دائم، إلا بعض الرعايات الموسمية فقط، والمرتبطة ببطولات معينة، ومصادر دخل الاتحاد تقتصر فقط من اشتراكات الأندية.

إذا ما هو المطلوب لتطوير اللعبة؟

يرى محمد الرنتيسي أنه يتعين على القائمين على لعبة الكرة الطائرة توظيف واستقطاب كافة الكوادر الناجحة، وأصحاب الخبرة، وجمعهم في جسم واحد، علاوة على توفير داعمين ورعاة دائمين، كي يستطيع الاتحاد النهوض باللعبة، والعودة بها إلى الواجهة من جديد، وكي تعود الكرة الطائرة اللعبة الشعبية الأولى في فلسطين، كما كانت في التسعينيات.

رافي عصفور يؤكد على ما تقدم به الرنتيسي أن اللعبة بحاجة أولاً إلى العمل الجماعي والتكاتف من كافة الأطراف، لذلك يرى أن الحل الوحيد لتطوير اللعبة هو الجلوس حول طاوله مستديرة من خبراء اللعبة، وعمل خطة استراتيجية طويلة الأجل، تهدف إلى تطوير النادي والإداري والحكم واللاعب والمدرب والإعلامي وتطوير البنية التحتية، وجذب المستثمرين.

إلى المشاركة العربية في تونس

في الضفة الغربية يسير نادي سنجل بخطى واثقة نحو التتويج بلقب الدوري الممتاز، أما في قطاع غزة فقد توج هذا العام نادي خدمات جباليا باللقب، علمًا أن نادي الصداقة هو الأكثر تتويجًا في القطاع بواقع 16 لقب رسمي.

وبسبب الاحتلال وإهمال الجهات المسؤولة بخلاف ما يجري في كرة القدم، فإن بطل الضفة الغربية لا يلتقي مع بطل قطاع غزة لتحديد هوية بطل فلسطين، لكنهما قد يلتقيان قريبًا في البطولة العربية المقرر إقامتها في تونس خلال شهر شباط/فبراير 2019.

من يريد أن يحزم حقائب لاعبي فريقه للسفر إلى تونس الخضراء، عليه أن يضمن أولاً توفير ما لا يقل عن 30 ألف دولار، فهل من متبرع كريم؟


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | فتيات غزة.. الطريق في كرة السلة شائك

مونديال التميمي.. منافسات كرة قدم وأكثر

بيسبول غزة: قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية