01-فبراير-2022

(HAZEM BADER/ Getty)

مقال رأي | 

أعلنت منظمة العفو الدولية، أمنستي، "إسرائيل" دولة فصل عنصري تدير نظام اضطهاد عرقي يخضع له الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم. ونشرت المنظمة الحقوقيّة المعروفة وأحد أضخم مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، تقريرًا مطوّلًا من 280 صفحة بعنوان "نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظرة على عقود من القمع والهيمنة"، حيث شرحت فيه بالتفصيل طبيعة نظام الفصل هذا، وآليات الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين، إضافة إلى الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية.

 تقرير أمنستي هو الأكثر صرامة.. تغيير لافت في خطاب المؤسسات الحقوقية الدولية بشأن الواقع في فلسطين في آخر سنتين 

من وجهة نظر فلسطينية، جاء التقرير مفاجئًا، وربما أفضل بكثير من المتوقّع، إذ إنّه خرج عن اللغة التقليدية التي دأبت مؤسسات حقوق الإنسان الدولية على استخدامها بشأن فلسطين، ودعا بلهجة صارمة إلى التعامل مع الواقع على الأرض بمفاهيم جديدة. وعلى عكس لغة البيان الصحفي التي بدت دبلوماسية أكثر، فإن لغة التقرير تجاوزت الحديث عن "أبرتهايد" فقط، إلى الحديث عن تطهير عرقي، وعن نظام من الاضطهاد الممأسس الذي بدأ منذ عام 1948 مع تهجير حوالي 800 ألف فلسطيني بعد تدمير قراهم وأحيائهم وتطهيرها عرقيًا.

يحمل التقرير ما هو جديد ولافت، وربما يسائل، بل وينقلب على اللغة الحقوقية الراسخة التي يوصف بها الواقع في فلسطين عادة. ففلسطين لا تبدو في التقرير مسألة إنسانية، بل سياسيّة وعرقية، إذ إن قضايا مثل المساواة، حقّ الوصول إلى الأرض، حقّ التنقل والسفر، الامتيازات الصحية، والعنف القانوني واليومي، تصبح كلها جزءًا من نظرة أشمل بدأت المنظمة تتبناها للنظر إلى "عقود من القمع والهيمنة". كما أن الانتهاكات ضد الفلسطينيين، ليست استثناء طارئًا، بل جزءًا من بنية معقدة ومستمرة من التهميش.

 الانتهاكات ضد الفلسطينيين، ليست استثناءً طارئًا، بل جزءًا من بنية معقّدة ومستمرة من التهميش 

يأتي التقرير تاليًا لتقارير أخرى، ومبنيًا ربما على التحوّل في خطاب مؤسسات حقوقية دولية وإسرائيلية، مثل "هيومن راتس ووتش"، و"بتسيلم"، وغيرهما. مع ذلك، فإن تقرير "العفو الدولية" غير مسبوق. ما هو جديد في التقرير، وفي مقاربة "أمنستي" للواقع على الأرض، يجيء من الإقرار ببنيوية العنف ضد الفلسطينيين، وبروايتهم عن التطهير العرقي الذي تعرضوا له، وبالتأكيد بفهمهم لأنفسهم، كجماعة مشرذمة تتضمن ليس فقط سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن الفلسطينيين في "إسرائيل" وفي الشتات.

- أولًا، يتبنى التقرير الرواية الفلسطينية عن النكبة، حيث يصفها بأنها عمليات تطهير عرقي، تم خلالها تهجير 800 ألف فلسطيني، وتدمير مئات القرى، وهي الحقائق التي ما انفكّ باحثون فلسطينيون، وتبعهم مؤرخون إسرائيليون، على تأكيدها. كما يستشهد التقرير بعدد كبير من الباحثين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الذين اعتبروا "إسرائيل" نظامًا استعماريًا (استيطانيًا)، مثل رشيد الخالدي، ونظمي الجعبة، وأحمد سعدي، وأحمد أمارة، وإيلان بابيه وغيرهم. بل ويعود في مواضع عديدة إلى مراجع باللغة العربية، وإلى مؤسسات فلسطينية مثل الدراسات الفلسطينية وعدالة وغيرهما.

- ثانيًا، فإن أهم ما في هذا التبني، ليس إقراره بالتاريخ كما يراه الفلسطينيون، ولكن بعلاقة هذا التاريخ بالحاضر، وبنظام الاضطهاد الإسرائيلي القائم الآن بين النهر والبحر. هذا الإقرار بالآثار المستمرة للنكبة وعلاقتها بالمشروع الصهيوني ككل، يحترم تطلعات الفلسطينيين وراويتهم وفهمهم لواقعهم. كما أن التقرير يركّز على علاقة الدولة في "إسرائيل" وتأسيسها بالعنف الحاصل اليوم، ويقرُّ بالعنف المستمر والبنيوي (نظام من الاضطهاد) منذ النكبة. وهو تصور جديد بالنسبة لمنظمة دولية، لم تتم مقاربته في أي تقرير حقوقي دولي سابق.

ما هو جديد في التقرير، وفي مقاربة "أمنستي" للواقع على الأرض، يجيء من الإقرار ببنيوية العنف ضد الفلسطينيين، وبروايتهم عن التطهير العرقي الذي تعرضوا له 

- ثالثًا، يتعامل التقرير مع الواقع على الأرض كوحدة واحدة، من النهر إلى البحر، يحكمها نظام فصل عنصري وتمييز عرقي إسرائيلي. هذا التصور الذي وضّحه باحثون فلسطينيون منذ سنوات، يأتي على النقيض من سردية حلّ الدولتين السائدة في الخطاب الدولي، والتي يحكمها تصوّر متخيل عن واقعين منفصلين، يقتصر وفقه أي نقد لـ "إسرائيل" على نقد الاستيطان في الضفة الغربية.

- رابعًا، إشارة التقرير اللافتة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ليس كمسألة إنسانية يمكن معالجتها من خلال إرسال مساعدات، ولكن كقضية سياسية، وكجزء من نظام الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم. هُنا يتطرّق التقرير إلى حق العودة، الذي يحرم منه اللاجئون الفلسطينيون، ويقاربه من خلال وضع قانون العودة اليهودي في السياق الشامل للامتيازات العرقية في "إسرائيل".

إن هناك تغييرًا لافتًا وراديكاليًا في خطاب المؤسسات الحقوقية الدولية بشأن الواقع في فلسطين في السنتين الأخيرتين، يذهب أبعد من مقاربة الأمر كأزمة إنسانية أو قانون دولي. مع ذلك، فإن تقرير أمنستي هو الأكثر صرامة إلى الآن. هناك خطوة إضافية لا بد من القيام بها، وهي وضع كل هذه التفاصيل في السياق الأعم والأوضح لها: أي وصف "إسرائيل" كدولة استعمار استيطاني.


اقرأ/ي أيضًا:

أبارتهايد كامل الأوصاف

هل حان الوقت لمحاسبة "إسرائيل"؟

هيومان رايتس: "إسرائيل" تمارس الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين