شهدَ سوق السيارات وقطع الغيار، ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الإطارات المطاطيّة بغزة، الجديد منها والمستعمل، بعد القرار الإسرائيليّ بمنع إدخالها في (8 نيسان/ إبريل) من العام الجاري، بسبب الاحتجاجات في المناطق الشرقيّة من القطاع، والتي أشعل خلالها المتظاهرين آلاف الإطارات تحديدًا في "جمعة الكوشوك"، بهدف حجب رؤية القنّاصة لمنع استهداف المحتجين، ضمن مسيرات العودة.
قبل هذا القرار، كانت تدخل 3-4 شاحنات أسبوعيًا لقطاع غزة، لكن المنع فاقم الأزمة الاقتصاديّة لمعظم سائقي الأجرة، ولتجّار إطارات أيضًا، بسبب احتكار بعض التجار للسوق.
الترا فلسطين أجرى جولة ميدانيّة في الأسواق لمدة ساعتيّن لمتابعة الملف عن قرب، وحصل خلالها على شهادات العديد من السائقين الذين أفادوا بأن أسعار الإطارات زاد عن ضعف السعر الأصلي.
أسعار إطارات السيارات في غزة وصلت ضعف السعر الأصلي، بسبب احتكار بعض التجار، إثر قرار الاحتلال منع إدخالها
الشاب أحمد الواديّة، يعمل على سيارة أجرة بدوامٍ مسائيّ، فوجئ بعطبٍ في إطار مركبته الخلفيّ، وعندما ذهب لاستبداله طلب منه صاحب الورشة 350 شيكلًا ثمنًا لإطار جديد، ما اضطره لترك الإطار على حاله بعد جدالٍ طويل حول السعر، والاكتفاء بملئه بالهواء كل ساعتيّن.
اقرأ/ي أيضًا: مسيرات العودة: مشاهد لا تُنسى.. صور وفيديو
قال الواديّة: "لمْ أكن أعلم أن الأمر سيصل لهذا الحد، وأن سعر الإطار سيصبح ضعف سعره الأصليّ، فثمن إطار سيارتي عند استبداله كاملًا لم يكلفني قبل الأزمة أكثر من 80 شيكل، ولكن التاجر برر الارتفاع بحجة عدم إدخالها من الجانب الإسرائيليّ".
وأضاف، "أعمل عشر ساعات يوميًّا، وبعد أن تعطلت سيارتي، أصبحتُ أعمل أقل من خمس ساعات، فأنا أحتاج بعد كل حمولة سيارة أن أعيد ملأ الإطار المعطوب بالهواء، وأتجنّب قدر الإمكان الطرقات المليئة بالحُفر، لأنها تهدد سلامة الإطار".
دخلُ الواديّة يوميًّا في الوضع الطبيعيّ يصل لـ100 شيكل، أمّا الآن فلا يصل لـ70 كما يقول، يذهب 30 منها لتعبئة الوقود.
الأربعيني عماد عليان حالُه أسوأ من الوادية، فقد كان يعمل على سيارة أجرة خمسة أيام أسبوعيًا، ويتقاسم الأرباح مع مالك السيارة، فيجني 40 شيكل يوميًا، لكنّه توقف عن العمل منذ ثلاثة أشهر بعد أن قرر مالك السيارة عدم "تشغيلها على الخط"، عندما أخبره ميكانيكيّ بدخول مسمارٍ أدى لاهتراء الإطار، طالبًا منه 1000 شيقل لاستبداله، فيما لم تكن تكلفته قبل المنع تزيد عن 500 شيكل.
احتكار الإطارات في غزة أفقد سائقين أعمالهم، وأدى لتراجع دخل آخرين، لأنهم لا يستطيعون تبديل الإطارات المهترئة
تلك الأيام مرت بصعوبة على عليان وعائلته المكونة من 6 أفراد، أكبرهم في المرحلة الإعداديّة. يقول: "لم أعمل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، دخلي اقترب من الصفر، فلا أجني الآن عشرة شواكل يوميًّا، إذ لجأت مؤخرًا لبيع بعض الحاجيّات أمام مدرسة ابتدائية لأوفّر دخلًا بسيطًا يسدّ رمق أطفالي لحين انتهاء الأزمة".
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | "طفل البصل".. أيقونة أخرى لـ مسيرات العودة
يُبين المسؤول في شركة دغمش للإطارات غرب مدينة غزة أحمد المدهون، أن الطلب على الإطارات الجديدة في السوق المحليّة متوقّف تمامًا، فهذه لا يستطيع شراءها سوى شخص مقتدر ماديًّا.
يقول المدهون -وفق طبيعة عمله في السوق وملاحظته- إن سائقي السيارات لجأوا لاستخدام الإطارات المستعملة كحل للمشكلة، لكن حتى هذه لم تسلم من ارتفاع الأسعار، إذ وصل سعر الإطار الواحد لـ80 شيكلًا بعد أن كان غير قابل للتدوير وغير مرغوب، ولا يتجاوز سعره السابق 20 شيكلًا فقط.
وأضاف، "تجاوزت خسائري الـ1200 شيكل يوميًّا، أي ما يقارب 252 ألف شيكل منذ بداية الأزمة، فالآن لا يأتيني طلب تركيب واحد خلال الأسبوع، وقبل المنع كانت الطلبات تتجاوز الـ 15 أسبوعيًّا".
يؤكد المدهون أن هناك "احتكارًا واضحًا في السوق من بعض التجّار الذين قاموا مُسبقًا بتخزين الكوشوك، وعدم بيعه مع بداية مسيرات العودة، وهم الذين استفادوا لاحقًا من مضاعفة الأسعار وتحقيق أرباح هائلة".
احتكار الإطارات في غزة ألحق الضرر أيضًا ببعض التجار وكبّدهم خسائر فادحة
حتى اللحظة، لم تصل أي معلومات من الاحتلال الإسرائيلي عن موعد دخول شاحنات جديدة محملة بالإطارات لقطاع غزة، وفق ما أفاد به رئيس اللجنة الرئاسية لتنسيق دخول البضائع إلى القطاع رائد فتوح، مبينًا لـ "الترا فلسطين" أن القرار يمثل ضربة جديدة للاقتصاد الفلسطينيّ، ويعرّض سلامة المواطنين وأصحاب المركبات للخطر، لعدم تجديد الإطارات المهترئة في سياراتهم.
وتوجّه الترا فلسطين إلى وزارة الاقتصاد وسط مدينة غزة، وتحدث مع رامي أبو الريش مدير عام التجارة؛ الذي أكّد أن بعض التُجار يقوم بحجز بعض الكميّات دون تداولها في الأسواق تحسّبًا لأي أزمة، وهذا ما ظهر مؤخرًا وأدى لإرباك السوق وأضرَّ بتجارٍ آخرين.
يقول أبو الريش، إن الوزارة تُجري حملات رقابيّة في الأسواق لمنع الاحتكار، لكنها لم تُسجل أي عمليّة ضبط بناءً على شكاوى من مواطنين، موضحًا أن الدائرة الفنيّة تقوم بعملية التفتيش بالتنسيق مع إدارات أخرى في دائرة الاقتصاد الوطني، مثل إدارة المعابر التي تراقب وتفتش البضائع المدخلة عبر المعابر بما فيها الإطارات.
ومؤخرًا، جدد مستوردو إطارات المركبات مطالبتهم الاحتلال باستئناف توريد الإطارات إلى غزة، بعد ثمانية أشهر من حظره دخولها، الأمر الذي أضرّ بالأفراد والشركات، ورفع سعر الإطارات بشكل جنونيّ، حتى وصل سعر زوج إطارات المركبات الكبيرة مثلًا (1200–2000) شيكل.
حاولت شركات سدّ النقص، باستيراد إطارات من مصر عبر بوابة صلاح الدين، لكنّها لم تف بالحاجة
ويقول النائب جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، إنّ الاحتلال يمنع نحو ألفي صنف من دخول غزة تحت ذريعة الاستخدام المزدوج، وهي في معظمها مواد مهمة للصناعة، يسهم منعها في وقف عجلة الإنتاج.
وكان شبان فلسطينيون قد شكّلوا مجموعة أطلقوا عليها اسم "وحدة الكوشوك"، تهدف إلى تجهيز أكثر من 10 آلاف إطار قاموا بحرقها ضمن فعاليات مسيرات العودة، فيما كانت وزارة النقل والمواصلات قد أوقفت سابقًا إدخال الاطارات المستعملة، حفاظًا على سلامة المركبات والمواطنين، وسمحت بإدخال الجديد منها.
اقرأ/ي أيضًا:
"سيارات تأجير" غير صالحة للسير على الطرقات