12-أكتوبر-2022
الضم الزاحف

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية مقالاً تحليليًا أعده ثلاثة خبراء إسرائيليين في الجغرافيا والحدود،  استعرضوا فيه "استراتيجية الضم الزاحف" التي تنفذها حكومات الاحتلال المتعاقبة في الضفة الغربية، مؤكدين أن مصطلح "الوضع الراهن" -المتداول إعلاميًا وسياسيًا منذ سنوات- لم يعد يعني ما كان متعارفًا عليه في السابق، بل أصبح في صالح الاستيطان وسياسة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنين.

جوهر عمل الحكومات التي قادها بنيامين نتنياهو ثم نفتالي بينيت ويائير لابيد هو الضم الزاحف الذي يقود إلى دولة واحدة مع منظومتين للقانون تطبقان اللامساواة

وشدد الخبراء أن تصريحات الإدارة الأمريكية عن التزامها الحفاظ على احتمالية حل الدولتين تتعارض مع خطط حكومات الاحتلال في الضفة الغربية، سواء التي قادها بنيامين نتنياهو، أو خطط "حكومة التغيير" التي قادها نفتالي بينيت ويائير لابيد، ففي النهاية جوهر عمل هذه الحكومات هو "الضم الزاحف الذي يقود إلى دولة واحدة مع منظومتين للقانون تطبقان اللا مساواة".

وشرح الخبراء الثلاثة في مقالهم ستَّ خطوات أساسية قامت بها الحكومات المتعاقبة لتطبيق الضم الزاحف في العقد الأخير.

1. توسيع المستوطنات القائمة: وفقًا لمعطيات حركة "السلام الآن" فإنه بين الأعوام 2011 – 2020 صادقت حكومات نتنياهو على مناقصات لبناء 1350 (بالمتوسط) وحدة استيطانية سنويًا. وكانت سنوات الذروة في فترة رئاسة دونالد ترامب، حيث زاد العدد سنويًا عن ثلاثة آلاف وحدة في كلٍ من العامين 2017 و2018. لكن حكومة نفتالي بينيت حطمت المتوسط السنوي وصادقت على مناقصات لبناء 1550 وحدة سكنية في سنة توليه الحكم.  ومعظم المناقصات التي تم المصادقة عليها تقع في مستوطنات معزولة وليس في "كتل استيطانية" محاذية للخط الأخضر.

2. خطط البناء الاستيطاني: كان المتوسط أثناء وجود نتنياهو في سدة الحكم هو التخطيط لبناء  5292 وحدة استيطانية سنويًا . لكن وصل هذا العدد في  ظل حكومة بينيت إلى 7292 وحدة استيطانية. وفي العقد الذي كان فيه نتنياهو رئيسًا للحكومة ازداد عدد المستوطنين في المستوطنات من 325.601 مستوطنًا إلى 451.257 مستوطنًا، أي أن الزيادة بنسبة 38% قياسًا لما كانت عليه.

وأشار المقال إلى أن جميع الحكومات الإسرائيلية منذ العام 1967 صادقت على توسيع المستوطنات، لأسباب مختلفة وفي نطاقات متغيرة. عمليًا، في كل "عملية سياسية" وفي كل تشكيلة لم تحافظ الحكومات على "الوضع الراهن"، بل عملت على مواصلة السياسة التشجيعية الرامية لتوسيع المستوطنات القائمة.

عمليًا، في كل "عملية سياسية" وفي كل تشكيلة لم تحافظ الحكومات الإسرائيلية منذ 1967 على "الوضع الراهن"، بل عملت على مواصلة السياسة التشجيعية الرامية لتوسيع المستوطنات القائمة

3. البؤر الاستيطانية غير القانونية: ومصطلح بؤر استيطانية غير قانونية يستخدمه جيش الاحتلال وإعلامه للدلالة على المستوطنات التي يقيمها المستوطنون بمبادرة ذاتية دون الحصول على تصاريح بناء، وهي في السنوات الأخيرة أصبحت -غالبًا- معاقل لتنظيم "تدفيع الثمن" الإرهابي. ورغم إقامتها بدون تصريح من الجيش، إلا أنه يقدم لها الحماية والكهرباء والمياه.

في عهد حكومة نتنياهو وصل عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية إلى 130 بؤرة. بينما شرعنت حكومات نتنياهو 21 بؤرة استيطانية بمنحها تراخيص وتحويلها لبؤر قانونية، بل إن بعضها حولتها لمستوطنات مستقلة بحد ذاتها، مثل "رحاليم"، و"بروخيم"، بينما معظم ما تم ترخيصه أصبح أحياء في مستوطنات مرخصة قائمة، رغم أن بعض هذه البؤر بعيدة من حيث المسافة عن المستوطنات التي أُلحقت بها.

أما في فترة بينيت، فقد أنشئت ست بؤر استيطانية جديدة. وتم ترخيص ثلاث بؤر.

والآن، في عهد يائير لابيد، تعكف "الإدارة المدنية" في جيش الاحتلال على إعداد خطة لترخيص المزارع غير القانونية، وهذا سيؤدي في النهاية لترخيص البؤر غير القانونية التي أقيمت كبؤر زراعية في الأساس. وفي حال اكتمال هذا المشروع، سيتم تحطيم الرقم القياسي في ترخيص البؤر الاستيطانية، إذ سيصل عدد البؤر التي سيتم ترخيصها إلى 30 وربما 40 بؤرة.

وفي شهر تموز/يوليو الماضي، كشفت القناة السابعة أن وزيرة الداخلية الإسرائيلية إيليت شاكيد أمرت بالاعتراف بسكان البؤر غير القانونية، بهدف تقديم الدعم المالي لهم، خلافًا للتوجهات السابقة -في العام 2004- التي تمنع تحويل مساعدات مالية إلى مستوطنين في مستوطنة غير قانونية.

وأشار كاتبو المقال إلى أن المنح التي تمنح للسلطات المحلية داخل الخط الأخضر تبلغ 40% من ميزانية السلطة المحلية، في حين يذهب 70% أو أكثر بقليل من ميزانية السلطة المحلية للاحتلال في الضفة الغربية إلى المستوطنات غير القانونية.

المنح التي تمنح للسلطات المحلية داخل الخط الأخضر تبلغ 40% من ميزانية السلطة المحلية، في حين يذهب 70% أو أكثر بقليل من ميزانية السلطة المحلية للاحتلال في الضفة الغربية إلى المستوطنات غير القانونية

4. المواصلات: بدأت حكومة نتنياهو في تطبيق "خطة رئيسة للمواصلات الاستيطانية" في  الضفة الغربية  تصل ميزانيتها إلى حوالي  13 مليار شيكل، تقوم على شق شوارع استيطانية  مثل شارع عابر حوارة شمال الضفة الغربية وشارع عابر العروب في الخليل.

هذه الشوارع السريعة، وتبلغ تكلفة كل شارع منها ملايين الشواكل، تهدف لخدمة جزء صغير جدًا من المستوطنين من خلال ربط جميع المستوطنات المعزولة ببعضها وبالمستوطنات الكبيرة، لتشجيع السكن فيها. هنا يتساءل الخبراء: "هل هذا هو الوضع الراهن؟ حقيقة لا".

ورغم رحيل حكومة نتنياهو، إلا أن المشروع مازال قائمًا ولم توقفه حكومة بينيت، بل صادقت على استمرار جميع المشاريع التي كانت قيد التنفيذ. وفي الشهر الماضي، تم تدشين أربعة مفترقات طرق في محاور المواصلات التي تقع في مناطق الاستيطان.

5. شبكة المياه الاستيطانية: صادقت حكومة نتنياهو على خطتين رئيسيتين لزيادة توفير المياه للمستوطنات في الضفة بتكلفة ملياري شيكل تقريبًا. وستتيح الخطتان توسيع المستوطنات وكذلك زيادة المزارع مستقبلاً، والبؤر الاستيطانية غير القانونية.

6. هدم بيوت الفلسطينيين: تستهدف عمليات الهدم، البيوت الموجودة في المناطق المصنفة "جـ" طبقاً لاتفاق اوسلو، والذريعة هنا هي البناء بدون ترخيص، كون هذه المناطق تابعة أمنيًا وإداريًا لسلطات الاحتلال بحسب الاتفاق. يُشير الخبراء في مقالهم أنه في عقد نتنياهو، هدمت "إسرائيل" بالمتوسط 447 منزلاً سنويًا في حين أن الهدم خلال السنة التي قضاها بينيت في الحكم بلغ 641 منزلاً.

نسبة الإسرائيليين المؤيدة لاستمرار الوضع الاستيطاني الراهن في الضفة الغربية ارتفعت خلال العام الجاري من 10% إلى 20%، وهم يؤيدون الضم بدون تحويل السيطرة لسيطرة رسمية ودون دفع ثمن الضم

ويكشف الخبراء الاسرائيليون أن نسبة الإسرائيليين المؤيدة لاستمرار الوضع الاستيطاني الراهن في الضفة الغربية ارتفعت خلال العام الجاري. ففي الاستطلاعات التي أجروها في الأعوام 2018 – 2022 وجدوا أن نسبة الدعم لاستمرار الوضع القائم كانت ثابتة ومتدنية عند 10%، ولكن في الاستطلاع الأخير الذي أجري في حزيران/يونيو الماضي تضاعفت نسبة الدعم لتصل إلى 20%.

وأكدوا أن أغلب المؤيدين لاستمرار الوضع الاستيطاني الراهن متدينون وينتمون لليمين والوسط. وكثيرون منهم يؤيدون الضم، لكنهم يخشون من تداعياته الاقتصادية والأمنية في حال تنفيذه من جانب واحد.

كما يعتقد مؤيدو الضم، وفقًا للخبراء الثلاثة، أن سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية أمرٌ هام استجابة لدواعي أمنية. في حين أن هؤلاء أنفسهم يعارضون دولة ثنائية القومية، ويخافون من الاختلاط مع الفلسطينيين.

ويخلص الخبراء في نهاية مقالهم أن مؤيدي استمرار الوضع الراهن حاليًا معنيون بوضع اليد على الضفة الغربية بدون تحويل السيطرة عليها لسيطرة رسمية، ودون دفع ثمن الضم. "وبكلمات أبسط: هم يعكسون بمواقفهم سياسة الضم الزاحف".