شدّت جهاتٌ عاملة في إطار القانون والقضاء، والمجال الحقوقي، أزر بعضها البعض، وتداعت للاحتجاج على توجه الحكومة لمناقشة تعديلات على قوانين السلطة القضائية، من شأنها أن تمس بقضاةٍ، وتعزل بعضهم، وتتدخل في تعيين آخرين، ما يشكل "تدخلاً سافرًا" في استقلالية القضاء، كما تقول هذه الجهات، وهو ما تنفيه الحكومة.
وتواصل الأزمة تصاعدها مع إصدار محكمة بداية رام الله، الخميس 15 حزيران/يونيو، قرارًا مستعجلاً يلزم الحكومة بوقف التدخل، أو مناقشة أي مشروع قانون يتعلق بالسلطة القضائية، لحين البت في القضية من قبل المحكمة خلال 8 أيام.
أزمة بين السلطة القضائية والحكومة الفلسطينية نتيجة محاولة الأخيرة تعديل قانون الأولى، ومحكمة تلزم الحكومة بالتوقف عن مشروعها
وكان مجلس الوزراء صادق في جلسته المنقعدة في رام الله بتاريخ 13 أيار/مايو الماضي على مشروع قرار بقانون معدل لقانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006، والتنسيب به إلى الرئيس محمود عباس لإصداره حسب الأصول.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تفجر النزاع على رأس السلطة القضائية؟
كما قرر المجلس إحالة مشروع قانون معدل لقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 إلى أعضاء مجلس الوزراء، ومجلس القضاء الأعلى، لدراسته وإبداء الملاحظات بشأنه، تمهيدًا لاتخاذ المقتضى القانوني المناسب في جلسة مقبلة.
صراع بين "التنفيذية" و"القضائية"
الخبير القضائي ماجد العاروري وصف تعديل الحكومة قوانين السلطة القضائية بأنه "مسألة خطيرة"، مبينًا، أن الخطوة نتجت عن صراعٍ بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وازدياد تدخل السلطة التنفيذية بالقضائية، في ظل "ترهلٍ وضعفٍ" داخل السلطة القضائية واستعانتها بالسلطة التنفيذية لتحقيق مآربها، "لذا أصبح حجم تدخل التنفيذية في القضائية كبيرًا جداً" وفق قوله.
وبين العاروري في حديث لـ"ألترا فلسطين"، أن "التنفيذية" باتت تنظر أن لها استحقاق داخل "القضائية"، خاصة بعد أن أصبح لها دور في تعيين رئيس المحكمة العليا، "وبالتالي يجب أن تنصاع السلطة القضائية لإرادة السلطة التنفيذية بشكل كامل، وفق منظور الأخيرة".
ولمواجهة تدخلات السلطة التنفيذية، رأى العاروري أنه يجب على السلطة القضائية أن تتجه لنهج إصلاحي داخلي، "إذ لا يجوز أن تصدر معظم قرارات محكمة العدل العليا لصالح السلطة التنفيذية، ولا يجوز أن تستمر حالة الصراع داخل السلطة القضائية والاستقواء بالسلطة التنفيذية".
ويؤكد العاروري على ضرورة تعديد هيئات المحكمة العليا، وتعديد هيئات محكمة النقض، ومنع أي قاضٍ من التدخل في قضايا منظورة أمام قضاة آخرين، موضحًا، أن سحب التعديلات من قبل الحكومة غير كافٍ، بل يجب على القضاء أيضًا أن يمارس الإصلاح الداخلي، لأنه أصبح حاجة ملحة وضرورية.
ويحذر العاروري من أن الأزمة الحالية بين السلطتين قد تقود إلى مواجهة قوية بينهما لا تُعرف نتيجتها، "فقد تطيح بالقضاء بشكل قوي أو تطيح بالحكومة"، مشيراً إلى مواجهة سابقة حدثت بين السلطتين إبان حكومة سلام فياض وربحتها السلطة القضائية.
الدعوى قدمت نيابة عن القضاة
المستشار القانوني والفني لمركز "مساواة" إبراهيم البرغوثي، تقدم مع زميلين آخرين بدعوى أمام محكمة بداية رام الله، ضد إحالة مشروع القرار المعلن من قبل الحكومة، والخاص بمقترح وزير العدل إحالة مشروع القرار إلى أعضاء مجلس القضاء الأعلى، ومؤسسات مجتمع مدني، ونقابة المحامين، ومجلس القضاء الأعلى، لدراسته تمهيدًا لإقراره ورفع للرئيس من أجل المصادقة عليه.
يقول البرغوثي لـ"ألترا فلسطين"، إنه تقدم بالدعوى مع زميليه نيابة عن قاضٍ متضرر، وبصفته محامٍ مزاول، مبينًا، أن محكمة بداية رام الله، أصدرت قرارًا يلزم الحكومة بإسقاط مشروع القانون عن جدول أعمالها، وعدم المضي قدمًا في أي إجراءات قد تمس بشكل مباشر بمصالح القاضي.
وأضاف، أن نتائج الحكم تشمل كامل أعضاء النيابة والقضاة والمحامين والمواطنين.
ويوضح البرغوثي، أن الإجراءات التي قامت بها الحكومة لم ترقَ إلى صيغة القرار الإداري أو القانون، "وبالتالي الطريق الوحيد المتاح أمام المتضرر، التقدم إلى محكمة البداية بصفتها صاحبة الولاية العامة للطعن. والآن لا مفر أمام الحكومة سوى التراجع عن القرار" حسب قوله.
واعتبر البرغوثي، أن طرح الحكومة تعديل قانون السلطة القضائية للدراسة، "يشكل ترسيخًا لنظام شمولي يعبر عن توجه ديكتاتوري، وأن هناك رغبة لدى الحكومة بالتفرد والهيمنة على السلطة القضائية والتعامل معها كمقدمة خدمات لها".
حقوقيون: الحكومة الفلسطينية تحاول ترسيخ نظام شمولي ديكتاتوري من خلال تعديل قانون السلطة القضائية
ويعتقد البرغوثي، أن إصلاح النظام القضائي يكمن بإعادة الشرعية للنظام السياسي من خلال انتخابات عامة، أو عقد مؤتمر وطني بمشاركة ممثلين عن فئات الشعب، وتشكيل لجنة مهنية ومستقلة لا ينتمي أعضاءها لأي جهة، تقيّم الأداء القضائي والنيابة الهامة والمحكمة الدستورية، وتصل للإبقاء على القاضي المناسب وفق أسس موضوعية ومهنية.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير أمان عن الفساد والقضاء وأشياء أخرى
ويشدد على أن انتخاب رئيسٍ للبلاد لا يعني أن يكون رئيسًا للسلطات الثلاث، "بل يجب عليه أن يبقى على رأس السلطة التنفيذية التي يتوجب عليها الفصل بين السلطات، واحترام استقلال القضاء وتنفيذ أحكامه، واحترام دور المجلس التشريعي".
وأكد على أهمية إعلان الحكومة فورًا التزامها بالحكم الصادر عن محكمة بداية رام الله، "وطرح قرارها المعيب عن جدول أعمالها، والتراجع عن المساس بأحكام القانون الأساسي؛ أو القوانين ذات الصفة الدستورية"، مطالبًا في الوقت ذاته مجلس القضاء الأعلى والنائب العام بإعلان رفضهما لقرار مجلس الوزراء.
وزير العدل: النقاش في مرحلته الأولى
وبعد صدور قرار محكمة البداية، قال وزير العدل علي أبو دياك، إن مشروع تعديل قانون السلطة القضائية ما زال في المرحلة الأولى من النقاش والصياغة والإعداد، "وما تم تقديمه لمجلس القضاء وغيره من مؤسسات قطاع العدالة؛ ما زال مسودة أولى قيد البحث والتشاور بين الحكومة ومؤسسات قطاع العدالة والمجتمع المدني".
وبين أبو دياك، في بيانٍ صحفي توضيحي، أن مشروع تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 قد تم إرساله إلى مجلس القضاء الأعلى لأخذ رأيه به بموجب المادة (100) من القانون الأساسي.
وأكد أن هذا المشروع لم يطرح على جلسة مجلس الوزراء للنقاش والإقرار، ولم يتم عرضه بالقراءة الأولى، وإنما تمت الإشارة لمسودة التعديل المقترحة فقط، مضيفًا، أن من واجب الحكومة التقدم بمشاريع القوانين واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها، وفقا للقانون الأساسي، لا سيما المادة (70).
وأضاف، "عبارات تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية هي عبارات غريبة عن مبادئنا القانونية وثقافتنا المجتمعية"، مؤكدًا، أن القانون الأساسي الذي نص على استقلال القضاء؛ هو نفسه الذي نص على ضمان سرعة الفصل في القضايا أمام المحاكم، كما نص على اختصاص الحكومة في متابعة تنفيذ القوانين وضمان الالتزام بأحكامها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك.
نقابة المحامين تهدد بسلسلة من الاحتجاجات
نقابة المحامين أعلنت، من جانبها، رفضها القاطع للمشروع الذي قالت إنه "يحمل العديد من المغالطات الدستورية، وانتهاكات جسيمة للفصل بين السلطات واستقلال القضاء". وأعربت النقابة عن رفضها لما وصفتها بمحاولات "النيل من استقلالية السلطة القضائية، أو الاقتراب من القانون الناظم لها بطريقة غير دستورية، وتحت أي ذريعة كانت".
وأكدت النقابة رفضها لعزل القضاة، وتحديدًا رئيس المحكمة العليا، محذرة من "خطورة التعديلات المقترحة وما سيتبعها من احتجاج نقابي على حقوق المواطنين والمتخاصمين، وسينعكس سلباً على مؤشر رضا الجمهور عن مؤسسات العدالة ككل" وفق البيان.
وقررت النقابة توجيه مذكرة إلى الرئيس بعدم الموافقة على أي تعديل لقانون السلطة القضائية في ظل غياب المجلس التشريعي، ومخاطبة مجلس الوزراء بضرورة احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون العدالة خارج سياق ما هو قائم من نصوص تحترم استقلال القضاء.
النيابة العامة والقضاة والمحامون يحتجون على محاولات الحكومة تعديل قانون السلطة القضائية، ويهددون باحتجاجات وتصعيد
وفي حال مواصلة الحكومة خطواتها في إقرار مسودة القرار بقانون، فإن نقابة المحامين ستوجه مذكرة إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين في الأمم المتحدة. وهددت في الوقت ذاته بسلسلة من الاحتجاجات النقابية التي ستعلن عنها في حال عدم الاستجابة لمطالبها، بما في ذلك توجيه مذكرات لجميع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية ومؤسسات حقوق الإنسان، والدعوة إلى تشكيل لوبي رافض لإقرار التعديلات على قانون السلطة القضائية.
النيابة العامة: النائب العام سيُلحق بالحكومة
نادي أعضاء النيابة العامة انضم أيضًا إلى المحتجين، وقال إن من أخطر التعديلات المقترحة جعْلُ النائب العام مسؤولاً أمام الحكومة، من خلال وزير العدل، بدلاً من أن يكون مسؤولاً أمام المجلس التشريعي، كما هو الحال الآن.
اقرأ/ي أيضًا: هل حجب النائب العام مواقع إلكترونية؟
وتساءل النادي: "كيف للنائب العام بعد ذلك ملاحقة الوزراء أو مجلس الوزراء، أو حتى رئيس الوزراء، بعد أن أصبح ملحقًا به".
وأكد النادي رفضه لآليات تعيين وعزل رئيس مجلس القضاء الأعلى، ولما أسماها بـ"عصا التقاعد المبكر"، مشددًا على أن أعضاء النيابة العامة "لن يدخروا جهدًا في الدفاع عن استقلال القضاء، فجميع الخيارات مطروحة بما لا يمس استقرار الوطن".
ودعا النادى إلى اجتماع طارئ ومشترك مع نادي القضاة، للاحتجاج على التعديلات وتحديد الخطوات التصعيدية اللاحقة.
القضاة: سندافع عن استقلال القضاء
نادي القضاة لم يذهب في موقفه بعيدًا عن نادي النيابة العامة، إذ رأى أن الجهاز القضائي الفلسطيني "يمر بحالة استخفاف، ويتعرض لانتهاكات تمس سيادته واستقلاله"، مؤكدًا، أن قانون السلطة القضائية، "قانون سيادي لا يجوز المس به من خلال قرار بقانون".
ودعا نادي القضاة مجلس القضاء إلى رفض المشروع، ومجلس الوزراء إلى سحبه، موضحًا، أنه سيعلن قريبًا عن فعالياتٍ دفاعيةٍ عن استقلال القضاء، حسب وصفه.
يشار إلى أن هذه ليست الأزمة الأولى التي تنشب بين السلطة التنفيذية والقضاء، ففي العام الماضي قبل الرئيس محمود عباس استقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار سامي صرصور، إلا أن مؤسسات حقوقية اعتبرت أن ما جرى إقالة لصرصور بعد أن تم الطلب منه تقديم الاستقالة على ورقة قبل تعيينه في منصبه.
اقرأ/ي أيضًا:
غزة: تعذيب ومحاكمات عسكرية وأحكام إفراج لا تنفذ