27-فبراير-2017

رجال أمن في البلدة القديمة بنابلس "صورة أرشيفية" - Getty

كشفت وثائق رسميةٌ حصل عليها موقع "ألترا فلسطين"، تفاصيل هامةً حول ظروف مقتل اثنين من أفراد عائلة حلاوة، في مدينة نابلس، وذلك خلال الأحداث التي عصفت بالمدينة في النصف الثاني من العام المنصرم، وأدخلتها في حالةٍ من الاستنفار الأمني غير المسبوق منذ قيام السلطة الوطنية.

يأتي ذلك وسط جدلٍ كبيرٍ أعقب نشر التحقيق الذي أجرته لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها قبل أكثر من ثلاثة أشهر، برئاسة النائب محمد اللحام، وهو التقرير الذي لم يجد قبولاً لدى بعض أهالي نابلس، واعتبرته عائلتا حلاوة والأغبر أكبر المتضررين من الأحداث "متحيزًا وغير عادلٍ وأقل من المنتظر".

لجنة تقصي الحقائق في مقتل رجلي أمن وثلاثة أشخاص في نابلس تخرج بتقريرٍ لا يلقى رضا عائلتي الضحايا وبعض أهالي المدينة

وكانت الأزمة بدأت أواخر شهر آب/أغسطس 2016، بمقتل رجلي أمنٍ خلال اشتباكٍ في البلدة القديمة، وهما شبلي إبراهيم بني شمسة من بلدة بيتا جنوب نابلس، ومحمود محمد طرايرة من بلدة بني نعيم.

رجلا الأمن شبلي بني شمسة ومحمود طرايرة

اقرأ/ي أيضًا: قتل حلاوة يقلب الطاولة على السلطة.. القصة كاملة

وبعد يومين من مقتل رجلي الأمن، أُعلن في نابلس عن مقتل الشابين فارس حلاوة وخالد الأغبر، وقد أكدت السلطة الفلسطينية حينها أنهما قُتلا في اشتباكٍ مسلحٍ بين الأمن و"مجموعةٍ من المطلوبين"، فيما نفت ذلك بشدة عائلتا حلاوة والأغبر، وأكدتا أن الشابين أُعدما في منطقةٍ خاليةٍ بين بيت وزن وبيت إيبا، قضاء نابلس، وذلك بعد اعتقالهما على قيد الحياة من داخل البلدة القديمة.

الشابان فارس حلاوة وخالد الأغبر
الشابان فارس حلاوة وخالد الأغبر

وزادت حدة التصعيد بعد يومين، إثر مقتل أبو العز حلاوة، الذي يعتبر من وجهاء عائلته وأحد رجال الإصلاح في نابلس، وقد قُتل بعد اعتقاله. وأعلنت مصادر رسميةٌ أن "أبو العز" هو "الرأس المدبر لقتل رجلي أمن، وقد قتل بعد أن استفز رجال الأمن الذين اعتقلوه بشتمهم، فانهالوا عليه ضربًا حتى قُتل".

أبو العز حلاوة

ماذا قال الطب الشرعي؟

"ألترا فلسطين" حاول البحث من حيث وصلت لجنة تقصي الحقائق برئاسة اللحام، وتحدث إلى العديد من الأطراف ذات العلاقة بالقضية، ونجح في الحصول على نسخة من تقرير الطبيب الشرعي حول مقتل الشاب الأغبر، ونسخةٍ أخرى لتقرير الطبيب حول مقتل أبو العز حلاوة.

بخصوص الشاب الأغبر، فقد أكد التقرير أن وفاته كانت ناتجة عن إطلاق الرصاص عليه من مسافةٍ قريبةٍ، وهذا ما يبدو من العلامات على جلده، وأن إطلاق الرصاص عليه تم عندما كان مستلقيًا على ظهره على الأرض، وبزاويةٍ قائمة، ما يعني أنه لم يُقتل خلال اشتباك، وأنه تم العثور على 12 جرحًا جميعها ناتجةٌ عن عياراتٍ نارية.

ويشير المحامي محمد حلاوة، محامي عائلة حلاوة وممثلها، إلى أن الشاب فارس حلاوة "كان مع الأغبر ليلة قتله، إذ اعتُقلا معًا ونُقلا معًا لخارج البلدة القديمة، ثم قُتلا معًا".

عبد الناصر الأغبر، والد الشاب خالد، نفى لـ"ألترا فلسطين" أن يكون ابنه خالد مطلوبًا للأجهزة الأمنية، مضيفًا، "هم يدَّعون أن هناك اشتباك مسلح فأين آثار دمائه؟ أُطلق عليه العديد من الرصاصات من مسافةٍ قريبةٍ جدًا، وهو مستلقٍ على الأرض، وهذا ما ستظهره شهادة الطبيب الشرعي".

وتابع، "أنا لن أحضر شهودًا للمحكمة فالعقل يحكم والناس ستحكم، ودماء خالد وجدت في منطقة بين بيت وزن وبيت ايبا، وليس داخل البلدة القديمة (..) ابني مش قاتل، و السلطة عملت شرخ كبير بينها وبين المواطنين، وهذا الشرخ عمره ما رح يروح".

يؤكد تقريران للطب الشرعي أن خالد الأُغبر قُتل عندما كان مستلقيًا على الأرض وليس في اشتباك، خلافًا للرواية الرسمية الفلسطينية

أما أبو العز حلاوة، فقد أفاد تقرير الطبيب الشرعي بأن وفاته كانت نتيجة "النهي العصبي" الناجم عن تعرضه للضرب على مقدم وجانبي العنق بجسمٍ صلبٍ راض، مؤكدًا، وجود إصاباتٍ في مختلف أنحاء الجسد، لكن العدد الأكبر منها كان في العنق والرأس، مع الإشارة إلى أن أبو العز كان ذو بنيةٍ عضليةٍ وعذائيةٍ جيدة.

 وتواصل "ألترا فلسطين" مع الطبيبين الشرعيين سمير أبو زعرور وريان علي للحصول على تعقيبٍ حول هذه التفاصيل والوثائق، إلا أنهما رفضا الحديث إلا بتكليفٍ رسميٍ من السلطة الفلسطينية.

جدل حول تقرير لجنة تقصي الحقائق

المحامي محمد حلاوة، انتقد تقرير اللجنة بشدة ووصفه بأنه "غير عادل"، وقال إنه "لم يتوصل لأي نتائج هامةٍ مما انتظره أهالي المدينة على أحر من الجمر لـ200 يومٍ هي مدة التحقيق"، مضيفًا، "خرجت اللجنة لتقول بملاحقة المجرمين القتلة الذين تسببوا بمقتل عناصر الأمن، أما في من تسبب بقتل شابين بعمر الورد، ورجل تشهد له كل نابلس، فدعت لإحالة المسؤولين عن الأمن لمجالس تأديبية. فأين العدل في القصاص؟".

اقرأ/ي أيضًا: وثائق: الرئاسة وهبت أرض "المسكوبية" للبعثة الروسية

وأضاف حلاوة في حديث لـ"ألترا فلسطين"، أن "هناك المئات من المعتقلين في سجن أريحا، يتعرضون لأشد أنواع التعذيب، على خلفية مقتل عناصر الأمن، فيما لم يُعتقل أيٌ من المتسببين بمقتل فارس وأبو العز حلاوة والأغبر".

وأشار إلى أن العديد من الأوامر القضائية صدرت تقضي بالإفراج عن الشبان المعتقلين في أريحا، إلا أن الأجهزة الأمنية رفضت تنفيذ هذه الأوامر.

وانتقد حلاوة أيضًا تحدث التقرير عن الشابين الأغبر وحلاوة كمشتبهٍ بهما في قتل رجال الأمن، مضيفًا، "في القانون إذا قُتل شخصٌ دون التحقيق معه لا يجوز ذكره بأنه متورط، لأن حقه قد انتفى بالدفاع عن نفسه".

ما صرَّح به المحامي محمد أكد عليه أيضًا جمال الصابر رئيس لجنة أهالي نابلس، كما عرَّف عن نفسه في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، إذ شدد على رفض ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق برئاسة اللحام، وقال إن اللجنة "لم تقم بعملٍ نزيه"، مضيفًا، أن "لجنة تقصي الحقائق التقت مع أشخاصٍ غير مؤهلين، وأصحاب الشأن لم يوكلوهم بالحديث باسمهم، بل إنهم ينفذون أوامر طرفٍ من أطراف النزاع".

وأوضح الصابر، أنه "تولى شخصيًا تسليم أبو العز لمدير الأمن الوقائي زياد هب الريح، قبل أسبوعٍ من مقتله، ولم تُوجه له حينها أي تهمة، فكيف تحول بعد يومين إلى المطلوب رقم واحد؟"، مضيفًا، "قاتل أبو العز وفارس والأغبر معروف لديهم، لذلك نحن نطالب لجنة تقصي الحقائق بالتوجه إلينا والحديث معنا وسوف نقوم بتسليمهم الحقائق والشهود والتفاصيل".

اللحام: لسنا لجنة تحقيق جنائي

في المقابل، يرفض النائب محمد اللحام الاتهامات الموجهة إلى اللجنة، معلقًا، "نحن لسنا لجنة تحقيق جنائي بل لجنة تقصي حقائق، والفرق شاسع بينهما، فنحن نتكلم عن سياسات وتوصيات".

وقال اللحام لـ"ألترا فلسطين"، إن "الفصائل والقوى الوطنية وقادة نابلس ووجهائها وممثلي المؤسسات فيها، عبروا عن رضا كامل عن نتائج التقرير، وأن اللجنة تواصلت أيضًا مع أهالي الضحايا"، مشيرًا إلى أن التقرير أوصى باستكمال لجنة التحقيق الرسمية المشكلة برئاسة وزير العدل، ومن النيابات المختصة، وهي المسؤولة عن التحقيق الجنائي".

ورأى اللحام، أن أحداث نابلس "ليست وليدة يومٍ أو يومين، بل نتيجة تراكماتٍ تاريخيةٍ، وهي أزمةٌ داخليةٌ بين مكونات المجتمع النابلسي، والتناقضات الداخلية، والتناقض بين الريف والمدينة والمخيم والمدينة، إضافة لخلل في المؤسسة الأمنية، كانت جميعها نتيجة لما حصل".

وأضاف، "التقرير شخّص وتحدث عن السياسات ومكامن الخطأ، ونحن عملنا بكل مسؤولية لدراسة ما حدث وسلطنا الضوء على أماكن المخالفات القانونية، والإخفاقات في العمل بهدف عدم تكرارها، وشعرنا بأهمية تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وتقوية المؤسسات بما يحفظ حق المواطن في العيش بأمن وأمان".

وحول مقتل أبو العز حلاوة، قال اللحام، إن التقرير "اعتبر مقتله على يد أفرادٍ من قوى الأمن والاعتداء عليه بالضرب هي مخالفة صارخة للقانون، ودعا لتقديم الفاعلين للقانون"، رافضًا اتهام الصابر للجنة بالتحيز وتبني رواية الأمن، "التقرير قال إن رواية الأهل تقول خلاف الرواية الرسمية بخصوص مقتل الأغبر وحلاوة".

رئيس لجنة تقصي الحقائق في أحداث نابلس يؤكد أن اللجنة قامت بدورها على أكمل وجه وأن تقريرها لقي رضًا فصائليًا ومن وجهاء المدينة

وأضاف، "هناك اختلاط عند الناس، ليس دورنا أن نقول فلان الفاعل أو القاتل، بل مهمتنا الحديث عن سبل الخروج من الفوضى والفلتان وآليات الحل، وتقديم التوصيات للرئيس ومجلس الوزراء وقادة الأمن".

الرجوب: من يملك أدلةً فليذهب للقضاء

"ألترا فلسطين" توجه إلى محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب، طالبًا تعقيبًا حول ما ورد في تقريري الطب الشرعي ليجيب بأن "هذه القضية يمكن إحالتها إلى جهات الاختصاص، وإلى القضاء الذي يستطيع أن يقوم بالإجراء القانوني اللازم، كما أنه يستطيع أن يطلب استفساراتٍ من الجهات المعنية حوله".

ورفض الرجوب الرواية التي تقول بوجود "قرارٍ مسبقٍ بتصفية أبو العز حلاوة"، مضيفًا، "هذا الادعاء ليس له أرضيةٌ من الصحة، من لديه معطيات أو أدلة عليه أن يلجأ إلى القضاء الفلسطيني أو إلى أي جهة تنفيذية في السلطة الوطنية الفلسطينية".

وتابع، "لو كان هناك قرارٌ بقتل أبو العز لما كانت النتيجة كما أُعلن عنها وكما تم مشاهدتها من قبل كل الناس. ومن كان لديه دليلٌ حول إعدام الشابين خالد وفارس فليبرزه أمام القضاء، وأنا متأكد أن القضاء سيفتح تحقيقًا في الأمر".

اللواء أكرم الرجوب - صورة أرشيفية
اللواء أكرم الرجوب - صورة أرشيفية

وأشار الرجوب إلى أنه فور مقتل أبو العز، "قلت بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ وبغض النظر عن رأينا ووجهة نظرنا في الشخص، قلتُ أن هذا الحدث خطأ وعلينا أن نعتبر من ذلك، وعلينا أن نتخذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكراره في مؤسستنا الأمنية، إضافة إلى محاسبة من ارتكب هذا العمل".

محافظ نابلس: اتهامنا باغتيال أبو العز حلاوة والشابين فارس وخالد ليس له أرضية من الصحة، ومن يملك دليلاً فليذهب للقضاء

ورأى أن التوصيات التي قدمتها لجنة تقصي الحقائق برئاسة اللحام، "توصياتٌ موضوعية ومنطقية، ويجب أن يؤخذ بها من قبل المؤسسة ذات العلاقة والاختصاص. أنا أجزم أن التوصيات المتعلقة بالمؤسسة الأمنية قد بُدء العمل فيها، مثلاً تشكيل اللجان لاتخاذ العبر والدروس من الأحداث، والمؤسسة الأمنية لا تغفل عن هذا الإجراء".

اقرأ/ي أيضًا: "متلازمة الأدراج" تُهلك آثار نابلس

وأضاف، "هناك توصيةٌ بأن لجان التحقيق الجنائية يجب أن تُسرع باتخاذ إجراءاتها والخلوص إلى نتائج، وفي تقديري هذا التقرير تم تسليمه لرئيس الحكومة والسيد الرئيس، وبالتالي أعتقد أنهم يعملون ليكون هناك إجراءات سريعة في لجان التحقيق الجنائية".

وأمام هذه التصريحات والروايات والوثائق، يبقى أن نوجه تساؤلاً إن كانت لجنة التحقيق الرسمية برئاسة وزارة العدل، ستلغي حالة انعدام الثقة بين الناس واللجان الرسمية، إذ ترى الأغلبية العظمى من الفلسطينيين أن "السلطة إذا أرادت أن تُميت موضوعًا شكلت لجنة تحقيقٍ فيه".

فأحداث نابلس أفضت إلى احتجاجاتٍ وانتقاداتٍ واسعةٍ في نابلس والضفة الغربية بشكل عام، وسط تساؤلاتٍ يطلقها المحتجون عما إذا كان "القتل خارج القانون هو الحل"، وتأكيداتٍ بأن الحل الأمني، مهما كانت ضرورته، سيبقى قاصرًا عن إيجاد السلم المجتمعي، فالأمر، كما يقولون، يتطلب جهدًا جماعيًا، يناقش أسباب الظاهرة قبل اجتثاث أشكالها المختلفة، فالأسباب لا زالت تتقد كالجمر تحت الرماد، وستبقى تنتج، منيحٍ لآخر، ما يعرض الأمن المجتمعي إلى الخطر.

تقرير الطب الشرعي حول مقتل خالد الأغبر

تقرير الطب الشرعي حول مقتل أبو العز حلاوة

اقرأ/ي أيضًا:

وثائق | "مقام يوسف": لا يوجد إلا التراب والحجارة

مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟