24-يوليو-2022
من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ونائب رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت في مدينة سوشي الروسية العام الماضي (gettyimages)

من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ونائب رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت في مدينة سوشي الروسية العام الماضي (gettyimages)

نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية تقريرًا مطوّلًا يحاول تفسير ملابسات الأزمة بين "إسرائيل" وروسيا بعنوان: "أزمة الوكالة اليهودية في روسيا: مصدر سياسي إسرائيلي يشكك في نجاح الوفد الإسرائيلي بإنهاء الأزمة".

وكشفت الصحيفة في تقريرها عن وصول وفد إسرائيلي مكوّن من خبراء قانون ومحامين، إلى موسكو، اليوم، بعد المطالبة بحظر أنشطة الوكالة اليهودية، والتقديرات بأن الأزمة لا تنبع من مسألة قانونية ولكن من التوترات السياسية الناجمة عن دعم "إسرائيل" لأوكرانيا.

وزارة العدل الروسية قدمت طلبًا أمام محكمة في موسكو لحظر أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا

ونقلت الصحيفة العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى شكوكه في إمكانية أن يحقق الوفد الإسرائيلي نجاحًا، وأن يترك أثرًا على الإجراءات الروسية المتعلقة في هذه القضية.

وكانت وزارة العدل الروسية قد قدمت طلبًا أمام محكمة في موسكو لحظر أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا، بدعوى أنها متورطة في جمعِ معلوماتٍ بشكلٍ غير قانوني عن المواطنين الروس. فيما تم تحديد جلسة مناقشة القضية يوم الخميس المقبل 28 تموز/ يوليو.

ووفقًا لـ"يسرائيل هيوم"، في "إسرائيل" لا يعرفون ما وراء التهديد الروسي بإغلاق أنشطة الوكالة في البلاد، لكن الرأي السائد هو أن الأمر ليس مسألة قانونية كما يطرحها الروس بل مسألة سياسية. وفي ضوء ذلك، فإن التقدير الراجح في "إسرائيل" أن حل الأزمة لن يتحقق إلّا بالوسائل الدبلوماسية ومن وراء الكواليس، وربما في محادثة بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا، ونظيره الروسي ، أو بين كبار المسؤولين الآخرين.


اقرأ/ي: حرب أوكرانيا: ماذا يهم إسرائيل؟


ورغم هذا الإدراك الإسرائيلي للقضية، يشير التقرير إلى أن "إسرائيل" اختارت أن "تلعب لعبة" الروس وكأنها قضية قانونية، وبالتالي أن يذهب وفد من القانونيين الإسرائيليين إلى موسكو. ومع ذلك، ففي الممارسة العملية، فإن هؤلاء الخبراء ليس لديهم مكانة قانونية أمام المحكمة الروسية، ويمكنهم في أحسن الأحوال تقديم المشورة للمحامين المحليين للوكالة اليهودية، بالإضافة إلى ذلك وبحسب ما هو معروف لا يوجد خبراء قانون روسي بين أعضاء الوفد.

هذا وكشف أحد المصادر السياسية في "إسرائيل" لـ"يسرائيل هيوم" عن وجود تقدير إسرائيلي يفيد بأن مصدر المضايقات للوكالة اليهودية قد لا يكون نابعًا من الكرملين، ولكن في أحد مراكز القوة الأخرى في روسيا. ورغم أن لا أحد يجادل في أن بوتين هو أقوى شخص في البلاد وأنه يحافظ على حكم استبدادي، ولكن على عكس صورته في الغرب، فهو ليس الحاكم الوحيد المطلق على غرار كيم جونغ أون في كوريا الشمالية، فالحكم في روسيا يقوم على مراكز السلطة المختلفة. وعلى الرغم من أن بوتين نفسه ليس معاديًا للسامية ويعتبر متعاطفًا مع اليهود، إلّا أن هناك ظاهرة معاداة السامية موجودة لدى النخب الروسية.


اقرأ/ي: تصريحات لافروف والتوتر الإسرائيلي الروسي.. أي سياق؟


أما الوكالة اليهودية في روسية، فإن نشاطها يُدار من مكتب رئيسي في موسكو وعدة مكاتب أخرى محلية. وفي السنوات الأخيرة، تم فتح عدة تحقيقات محلية ضد الفروع في المدن الروسية. فيما كانت تنظر "إسرائيل" إلى الأمر باعتباره نوعًا من "المضايقات" على المستوى المحلي والتي عادةً لا ينتج عنها شيء وفي أقصى حد غرامات مالية صغيرة. وكان الافتراض السائد في "إسرائيل" هو أن ما يحصل نتيجة مبادرات سياسيين صغار نسبيًا على المستوى المحلي أرادوا إظهار قوتهم.

وحول الاتهامات الروسية للوكالة اليهودية وقيامها بجمع معلومات بشكلٍ غير قانوني عن مواطنين روس، فقد أشارت الصحيفة إلى أنه من الناحية العملية، فالمعلومات هي جزء مع العمل الروتيني الذي يقوم على جمع أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني، والتي تم الحصول عليها من المتقدمين للهجرة إلى "إسرائيل" أو مراهقين شاركوا في المخيمات الصيفية للوكالة، أو يهود طلبوا التسجيل في الدراسات العبرية أو أنشطة أخرى تقدمها الوكالة.

نقطة التحول في التعامل الروسي مع الوكالة بحسب الصحيفة العبرية حدثت منذ حوالي شهر

أما نقطة التحول في التعامل الروسي مع الوكالة بحسب الصحيفة العبرية فقد حدثت منذ حوالي شهر، عندما تلقى المكتب الرئيسي للوكالة اليهودية في موسكو لأول مرة خطابًا من وزارة العدل الروسية يتضمن نتائج بشأن جميع عمليات التدقيق التي أجريت في فروع المنظمة في المدن الروسية في السنوات الأخيرة. وفي تلك اللحظة، التفت "إسرائيل" للقضية، وظهرت الشكوك في "إسرائيل" بأن هناك عملًا متعمدًا من موسكو منذ البداية كان وراء هذه "المضايقات"، التي كانت حتى ذلك الحين تعامل بهدوءٍ نسبي، وأن الحكومة الروسية قررت الاستفادة من التحقيقات المحلية وتحويلها إلى شأن سياسي.

من وجهة نظر قانونية، لا تعمل الوكالة في روسيا كمنظمة أجنبية، بل تدمج أنشطتها في جمعية محلية تسمى "آنو" (كلمة عبرية تعني نحن)، والطلب الروسي المقدم للمحكمة هو إغلاق أنشطة الجمعية في البلاد. بدورهم قدم محامو الوكالة اليهودية إجابة مفصلةً على كافة الاتهامات الروسية. وفي التصور العام، كان التوقع الإسرائيلي أن يبدأ نزاع قانوني طويل ينتهي بحل وسط، دون إشراك المحكمة.

ونتيجة التوجه الروسي إلى المحكمة، جاء الإدراك في "إسرائيل" أن ما يحصل مسألة غير عادية ويمكن أن تلحق ضررًا كبيرًا، كما أن الروس أصبحوا غير مهتمين بالمفاوضات من أجل التوصل إلى حل وسط. والتقدير  ليس فقط في "إسرائيل" ولكن في جميع الدول الغربية هو أن المحاكم الروسية لا تتصرف وفقًا للمعايير الغربية.

وحدد يوم 28 تموز/ يوليو من أجل فحص المادة المقدمة والتأكد من أنه تم تقديمها وفقًا للإجراءات، وما إذا كانت مناسبة من أجل المُباشرة في إجراءٍ قانوني، والاعتقاد الإسرائيلي أن هذه الخطوة ستتم إلّا في حال وصل للقاضي أمر من الأعلى للقيام بغير ذلك، حسب الصحيفة. خاصةً أن وزارة الخارجية الروسية ما زالت تصر على أن المسألة قانونية بحتة.

الدوافع الروسية في هذا الملف

وحول الدوافع الروسية، أشارت الصحيفة إلى أن هناك العديد من التكهنات حول الدافع الحقيقي للروس وراء هذه الخطوة، وبعضها لا علاقة له بالحرب في أوكرانيا. تقول إحدى الفرضيات إنها نتيجة عدم الرضا عن أنشطة الجيش الإسرائيلي في سوريا، وفي هذا السياق أيضًا هناك فرضية مفادها أن أصل التحرك ليس في الكرملين، بل في وزارة الدفاع الروسية، المعروف بأنها مستاءة من التنسيق مع "إسرائيل" والذي فرضه عليها بوتين.

فرضية أخرى ترى أن الأمر يتعلق بموضوع كنيسة الكسندر نيفسكي أو كنيسة القديس الكسندر، وهي كنيسة أرثوذكسية روسية يعود بناؤها إلى نهاية الحقبة العثمانية في فلسطين، وتقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، في حارة النصارى، وكانت الكنيسة جزءًا من البعثة الروسية في مدينة القدس، بالقرب من كنيسة القيامة، حيث أصدرت الحكومة الإسرائيلية بالفعل توجيهًا بنقل ملكية المجمّع إلى روسيا، ولكن من ناحية فعلية توقفت القضية بعد أن أبطلت المحكمة القرار. وفي المحصلة، من الممكن أن تكون الخطوة الروسية مرتبطة بكل هذه الأسباب الثلاثة، الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا، وضربات الجيش الإسرائيلي في سوريا، ومسألة محكمة  كنسية الإسكندر، وتأتي للتعبير عن عدم الرضا العام الروسي عن سلوك "إسرائيل".

الجهود السياسية تتواصل خلف الكواليس من أجل حل القضية

وختمت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أن الجهود السياسية تتواصل خلف الكواليس من أجل حل القضية، وفي هذا السياق، التقى سفير "إسرائيل" في روسيا ألكسندر بن تسفي بوزير الخارجية الروسي، فيما هناك إمكانية لمحادثات بين مستشار الأمن القومي إيال حولتا ونظيره الروسي.

هذا وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، صباح اليوم الأحد، مناقشةً حول أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا، وقال فيها إن العلاقات مع روسيا مهمة لـ "إسرائيل" ، لكن "إغلاق مكاتب الوكالة سيكون حدثًا خطيرًا، من شأنه أن يؤثر على العلاقات".

وأصدر رئيس الحكومة الاسرائيلية تعليماته للوفد القانوني بالاستعداد للمغادرة إلى موسكو بمجرد تلقي الموافقة الروسية للمحادثات وبذل كل جهد في الحوار القانوني مع الاستمرار في تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى حول هذه القضية. كما تم الاتفاق على أن يواصل مدير عام وزارة الخارجية مناقشة الموضوع مع جميع الأطراف. وحضر المناقشة وزيرة الهجرة والاندماج بانينا تامنو شتا، ووزير البناء والإسكان إلكين، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان، وممثلون عن الوكالة اليهودية ومسؤولون كبار آخرون.